قبل 15 يومًا تابع المصريون تفجير عقار فيصل المحترق، لإنهاء أزمة استمرت أكثر من شهر ونصف الشهر. الأزمة كانت بسبب اندلاع النيران في ورشة أحذية أسفل العقار أدت لاشتعال العقار جزئيًا قبل أن تقرر السلطات تفجيره. المشهد تكرر بعدها بأسبوعين فقط عندما انهار عقار آخر في جسر السويس ما أسفر عن مصرع 5 وإصابة 32.

عقار جسر السويس مكوّن من 10 أدوار والتحقيقات الأولية تشير إلى أن توسعات “البدروم” أجراها مستأجر طالت بعض الأعمدة. وتبين أيضًا أن البدروم كان يستخدم كورشة لتصنيع الملابس هذه المرة. إلا أن قرارار إداريا صدر في يوليو الماضي بإخلاء المصنع وتشميعه لكن لم يحدث شيئ.

في ديسمبر 2020 وقبل عقاري فيصل المحترق وجسر السويس بعدة أشهر، أرسلت اللجنة الهندسية بحي مصر القديمة. تقريرها حول أسباب انهيار عقار مكون من 10 طوابق بمنطقة أبو السعود عقب إخلائه. كان السبب وجود تصدعات في العقار وميول فيه.

كما كشف التقرير، أن سبب الميل هو خطأ في تنفيذ الرسومات الهندسية من قبل المشرفين على البناء ومن قبل المقاول.

عقار فيصل

تحركات الدولة

مسلسل العقارات المنهارة يأتي في إطار إجراءات حكومية لاحتواء أزمة العقارات المخالفة، من خلال قانون البناء الموحد وتعديلاته.

رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، شدد في عدة تصريحات سابقة على أن هناك أحياء داخل القاهرة والجيزة. وعدد من المدن لن يسمح فيها بالبناء مرة أخرى، منها فيصل والسلام ومصر القديمة. التي شهدت انهيار 3 عقارات لغياب كافة وسائل الأمن والسلامة الإنشائية.

 

اقرأ أيضا:

جودة من الشقة إلى الرصيف.. قصة عقار فيصل الذي أحرقته مخالفاته

عقار جسر السويس

انتشرت الإغاثات بالمسئولين عبر مقاطع فيديو نشرها الأهالي على مواقع التواصل الاجتماعي لرفع الأنقاض، والبحث عن المفقودين. خاصة أن عدد سكان العقار لا يقل عن 100، في وقت أعلن محافظ القاهرة، تشكيل لجنة هندسية لفحص العقارات المجاورة للعقار المنهار، لبيان مدى تأثرها. وكذا رفع المخلفات الناتجة فور انتهاء النيابة العامة من المعاينة. وفصل التيار الكهربائي والغاز عن موقع الانهيار بالكامل.

عقار جسر السويس

ظاهرة متكررة

انهيار العقارات ظاهر متكررة في مصر، إذ تشير البيانات الرسمية لتعداد المنشآت لعام 2017 التي أعدها الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن عدد العقارات الآيلة للسقوط دون أن يتخذ إجراء بشأنها يبلغ 97 ألفًا و535 عقارًا. وتلك العقارات موزعة في كافة أنحاء الجمهورية.

بينما قدرت وزارة التنمية المحلية في إحصائية لها عام 2018، أن 110 آلاف قرار إزالة لم ينفذ. بينما قدرت قرارات الإزالة للمباني والمنشآت الآيلة للسقوط على مستوى المحافظات تصل إلى 111.8 ألف وحدة سكنية. يتركز عدد كبير منها في محافظة الغربية بواقع 21.8 ألف وحدة، تليها القاهرة 19.7 ألف وحدة.

تشير دراسة “ما وراء ظاهرة انهيار العقارات في مصر” للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى أن غياب الرقابة المسؤول الأول عن 52% من الحوادث، إذ تسببت في 90% من حالات الوفاة و65% من الأسر المشردة.

وكان السبب الفرعي لغياب الرقابة الأكثر تكرارًا، هو انهيار العقار لتهالكه وعدم صيانته وترميمه، حيث تسبب ذلك في 29% من إجمالي الحوادث. فيما تسببت المباني المخالفة إنشائيًّا في 7.9% من الحوادث نتج عنها نحو 36% من حالات الوفاة.

قانون التصالح ومخالفات البناء

تتزامن تلك الحوادث مع قانون التصالح في مخالفات البناء المعدل بالقرار رقم 1 لسنة 2020، بشأن تعديل بعض أحكام قانون البناء الموحد. القانون الأخير هو رقم 119 لسنة 2008. كما تضمنت التعديلات عددًا من التيسيرات من شأنها تسهيل استخراج تراخيص البناء، سواء من خلال الوقت أو آليات استخراج الرخصة.

كما أن التعديلات تضمنت وضع ضوابط لضمان السلامة الإنشائية للمبنى. وكذا استخراج التراخيص من خلال مكتب هندسي بتصميم موضوع. بالإضافة إلى الالتزام بأسس التصميم وشروط تنفيذ المباني بالأكواد المصرية.

ووفق للمادة 49 بقانون البناء، يلتزم طالب الترخيص بتطبيق اشتراطات تأمين المبنى وشاغليه ضد الحريق طبقًا للكود المصري لأسس التصميم . وذلك يححدث طبقًا لشروط التنفيذ لحماية المنشآت من الحريق ووفقًا للقواعد التي تبينها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.

الحكومة كانت تقدمت في وقت سابق، بمشروع قانون إلى مجلس النواب، لتعديل قانون البناء. لكنه لا يزال في طور المناقشة.

وزارة التنمية المحلية، أصدرت قرارًا بوقف إصدار التراخيص الخاصة بإقامة أعمال البناء أو توسيعها أو تعديلها أو تدعيمها للمساكن الخاصة. كذا إيقاف استكمال أعمال البناء للمباني الجاري تنفيذها، لحين التأكد من توافر الاشتراطات البنائية والجراجات. القرار يسري في محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية وعواصم المحافظات والمدن الكبرى.

عقار مصر القديمة المائل

عودة لعقار جسر السويس

أستاذ الإدارة المحلية الدكتور حمدي عرفة يقول إنه لابد من مراجعة اشتراطات المحلات أسفل العقارات. وتفعيل مواد قانون المحال حماية للأرواح والممتلكات ‎والمصانع، إذ لا يجوز إنشائها أسفل العقارات السكنية.

تشكل مخازن العقارات الاستثمارية قنابل موقوتة لسكانها، وتحمل بداخلها موت محقق، نتيجة التخزين العشوائي لأنشطة تجارية مخالفة تحتوي مواد سريعة الاشتعال، وهو ما يعرض حياة السكان للخطر أو العقار للانهيار.

حوادث احتراق المخازن والمستودعات داخل العقارات ليست جديدة. ففي 20 يوليو الماضي، اندلع حريق في مخازن قطع غيار وعشش أعلى سطح عقار بمنطقة التوفيقية بوسط القاهرة، وفي 23 أكتوبر من نفس العام اندلع حريق داخل مخزن في عقار مكون من 8 طوابق بمنيا القمح في محافظة الشرقية، وفي مايو 2020 أيضاً، اندلع حريق آخر في عقار مكون من 9 طوابق في بحي ميت نما، غرب شبرا الخيمة، وكان العقار يستخدم كمخازن ومعرض وورش لتجميع النجف.

وتحتل حرائق المخازن والمحلات المرتبة الثالثة وفق تصنيف الأماكن التي شب فيها الحريق على مستوى الجمهورية، بعدد 3036 حريق بعد حرائق المباني السكنية وأراض الفضاء ومخلفات القمامة، وذلك خلف المباني السكنية وأراض الفضاء، حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر عن عام 2019.

يضيف عرفة أنه ‎في الريف الذي يمثل 55% من عدد سكان مصر لا يتخطى عدد المحلات المرخصة فيه 3%. فضلًا عن أن عدد المحلات المرخصة ومستوفية لجميع الاشتراطات البيئية والصحية في المراكز والمدن والأحياء لا تتخطى 22%. ما معناه أنه يمكن أن تحصل المحليات على ما يقرب من 43 مليار جنيه سنويًا في صورة تراخيص جديدة.

كما تابع أن عدد العقارات المخالفة بعد ثورة 25 من يناير حتى الآن وصل طبقًا للتقارير الرسمية إلى 3 ملايين و240 ألف عقار مخالف. ويمكن القول إن أكثر الأماكن التي يوجد بها عقارات آيلة للسقوط المناطق العشوائية دون تمييز.

أكواد البناء

ينتقد حمدي عدم وجود أكود للبناء السليم حتى هذه اللحظة. رغم حديث الحكومة عن ملف أكواد البناء دون ذكر أي آليات للتنفيذ. بالإضافة إلى أنه لكي يضمن المواطن في بحثه عن سكن آمن يُفضل ألا يختار العقارات ذات الأدوار المرتفعة. والنظر على رخصة البناء الذي يعني وجودها وجود السلامة الإنشائية. وبالتالي عدم وجودها يعني علامة استفهام على العقار. ويمكن التوجه لمركز المعلومات التابع للحي والسؤال عن رقم العقار واسم صاحبه ويظهر على الفور إذا كان العقار مرخصًا أم لا.

الباحث في العمران يحيى شوكت يقول إن ما حدث في عقار جسر السويس يندرج تحت شقين أساسيين. كذلك أضاف أن الشق الأول له علاقة بالمبنى ذاته فلا توجد رقابة على عملية البناء ذاتها من البداية. فيكون المبنى مخالف للمواصفات. وأشهر هذه الحوادث الكارثية التي شهدها حي الجمرك بالإسكندرية يوليو عام 2012، عندما انهار عقار جديد من 11 دورًا على عدد من العقارات المجاورة. وراح ضحية الكارثة أكثر من 20 شخصًا. مؤكدا أن هذا قل نوعًا ما الفترة الماضي.

أما السبب الآخر، بحسب شوكت، يتعلق بالمباني القديمة المتهالكة. ودائمًا ما تكون الحجة أن المبنى سقط وحده وهذا غير حقيقي. فهناك قرارات ترميم وإزالة لا تنفذ وهذا له علاقة بأن الملاك وأصحاب العقارات لا يرغبون في الصرف على الصيانة أو متواطئين مع الحي.

التجاهل الرقابي

تتفرع أزمات ومخالفات أخرى تندرج تحت مخالفة المبنى ذاته، تتعلق بأعمال وأنشطة خاطئة أو متعمدة خارج المباني أو بداخلها مثل (الترميم، التعديل الإنشائي، التنقيب عن الآثار). كما حدث في عقار جسر السويس المنهار نتيجة التوسع في البدروم حسبما قالت البيانات الرسمية. وجميعها نتجت عن تجاهل رقابي من الحي والمسئولين. فضلًا عن قيام بعض أعمال البناء الخارجية المجاورة للعمارات من حفر وبناء بجانبها بالتأثير على المباني القديمة وسقوطها.

تحيل هذه المخالفات شوكت إلى الحديث عن قصور عملية التخطيط والتنمية، مثل ارتفاع منسوب المياه الجوفية خاصة في الريف لغياب شبكات الصرف، وعدم تجهيز المناطق العمرانية للتصدي للسيول التي قد تؤدي إلى انهيارات، وعدم أخذ اﻻحتياطات اللازمة للحرائق الكبرى الناتجة عن انفجار أسطوانات الغاز.

وأدى هذا القصور في التخطيط والتنمية إلى 46% من إجمالي الحوادث، و10% من حالات الوفاة وضاعت بسببها مساكن 33% من الأسر.

يحيى شوكت

“لا يوجد في  مصر محل واحد مرخص”. يقول شوكت جملته ثم يعود لأزمة عقار فيصل المحترق منذ شهر تقريبًا، الذي تقع مسئوليته أيضًا على المحليات والحماية المدنية، مطالبا بآلية سريعة لتحريك الشكوى المقدمة من السكان.

من ناحية أخرى، يقول الدكتور عادل عامر مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية إن انهيار العقارات ناتجة عن فساد المحليات عمومًا. كما أن الإدارات الهندسية التي أصدرت تراخيص البناء بعشوائية شديدة يشوبها الكثير من الفساد.

يذكر عامر أنه لكي يضمن المواطن حقه في سكن آمن أي لا يسقط عليه العقار وتزهق الأرواح والخسائر المادية. لابد أن يتأكد الساكن أولا من رخصة بناء العقار، وتراخيص المبنى بالمواصفات الموجودة على أرض الواقع. بمعنى إذا كان الترخيص لـ5 أدوار فقط فيكون العقار بهذه الأدوار فقط. ثانيًا أن يحصل الساكن على شهادة من الحي التابع له الترخيص بأن هذا المبنى لا يوجد عليه مخالفات. أو محاضر واصفًا هذه الشهادة بالكاشف الحقيقي للمتنبي.