دفع حادث تصادم قطاري سوهاج، الذي راح ضحيته 32 شخصا وخلّف عشرات المصابين، المسؤولين إلى تعجيل تطبيق التحكم الآلي في توقف ومسير القطارات، في خطوة طالب بها المتخصصون كثيرا من أجل وقف نزيف القضبان.

ما إن وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بتعزيز معايير السلامة والأمان للركاب وتحقيق التوازن بين مخطط تحديث مرفق السكة الحديد وما يحتويه من نظم إلكترونية والاستمرار في تشغيل وتسيير القطارات، حتى أعلن وزير النقل تشغيل جهاز التحكم الآلي في مسير القطارات، لافتا إلى أن الانتهاء من تنفيذ مشروع كهربة الإشارات سيكون بنهاية يونيو 2022، وحينها ستكون السكك الحديدية جاهزة تمامًا لانتظام رحلاتها دون تأخيرات.

اقرأ أيضا: ابحث عن بلف الخطر.. “ممنوع الكلام عن قطار سوهاج”

 

المعلوم أن الحكومة كانت تسير في هذا المسار وفق خطة زمنية طويلة المدى تنتهي في 2024، لكن الحادث المأسوي الذي وقع أمس أجبرها على تعجيل هذه الخطوات، وهو ما اتضح أمس في حديث الدكتور مصطفى مدبولي عن حاجة الحكومة إلى الوقت من أجل إنجاز ملف تطوير السكك الحديدية مع احتمالية سقوط ضحايا جدد لحين الانتهاء من هذا الملف، وهو ما كرره وزير النقل كامل الوزير، في مؤتمر اليوم، بشكل واضح.

إذ قال الوزير في مؤتمره الذي أعقب اجتماعه مع رئيس الجمهورية: “أمامنا أما أن نغلق السكة الحديد لفترة للانتهاء من التطوير وهذا أمر صعب تقبله، أو أن يتم التوافق على أن تعمل كل القطارات بوسائل الأمان للتسيير للسيطرة على القطار بوقف القطار عند اعتراضه بأي شيء، وهذا سيؤخر مواعيد القطارات لمدة ٢٥ دقيقة، ولكن هذا الإجراء مهم لحماية الأرواح”.

الوزير ذكر أنه رصد ٢٢٥ مليار جنيه لتطوير السكك الحديدة بطول 10 آلاف كم طولي، لتطوير الخطوط واستيراد عربات جديدة وتطوير الإشارات والمزلقانات، وتجديد الماكينات وتطوير العامل البشري، وهي الخطة التي تحتاج إلى مزيد من العمل ليشعر بها المواطنون، فهل ستستطيع الهيئة تطبيق نظم الأمان كما هو متبع في بعض الدول الأوروبية؟

الخبير الاقتصادي جمال القليوبي يرى أن ضغوط حركة القطارات والرغبة في تسيير جدول التشغيل بأكبر قدر من الانتظام يجعلان من الالتزام بأقصى معايير الأمان أمرًا صعبًا، وهو ما يزيد من نسب الحوادث، وبالتالي فإن سائقي القطارات يستسلمون لأعطال أجهزة اﻷمان التي توقف القطار في حالات الطوارئ.

يقول القليوبي لـ “مصر 360″،  إن غالبية القطارات الحالية لا تتوافر بها معايير السلامة والأمان، وإذا التزمت كافة الرحلات بتلك المعايير فلن تتحرك نصف الرحلات اليومية، فالأمر يحتاج إلى شراكة مع القطاع الخاص لتطوير المنظومة بالكامل وليس شراء جراءات جديدة فقط.

تشغيل أجهزة التتبع “G.B.S” المعطلة، والتي كانت سببًا في وقوع العديد من الحوادث خلال السنوات الماضية، أمر مُلح للغاية، لابد من تشغيلها بكامل القطارات وليس المُكيفة فقط. “القطارات العادية تستحوذ على النسبة الأعلى من تعداد ركوب المواطنين البسطاء للقطارات وبالتالي لابد أت تتوافر بها عوامل الأمن والسلامة وتشغيل أجهزة التتبع بكل دقة تجنبًا لوقوع ضحايا كُثر لحوادث السكك الحديد” واستبدال الجرارات المتهالكة والتي انتهى عمرها الافتراضي بجرارات جديدة -وفق القليوبي.

البنية التحتية للسكة الحديد متهالكة بشكل لا يسمح بتحملها للتطوير المستهدف على مستوى عربات وجرارات القطارات، فالتطوير لابد أن يكون بالبنية الأساسية وأنظمة السلامة أولًا ثم الاتجاه إلى تطوير عربات القطارات. “لا يمكن أن نكون في 2021 وتكون بنية القطارات هكذا لابد أن يكون التطوير شاملا على مستوى جميع المحافظات لتجنب حوادث المستقبل” يواصل القليوبي.

هل نسير على خطى معايير السلامة العالمية؟

 تفتقر هيئة السكك الحديدية منذ عقود إلى معايير السلامة العالمية في تشغيل حركة القطارات، وكذا أنظمة التحكم الإلكترونية القادرة على السيطرة على الأعطال المفاجئة قبل وقوع حوادث القطارات، فعدد كبير من الدول الأجنبية تقوم بإنشاء وحدات تنظيمية منفصلة، مهامها التخطيط للنقل والمواصلات بالاعتماد على أحدث النظم التكنولوجية والإلكترونية ووضع المعايير الفنية وحماية القطارات، بينما تقوم الوحدات التنظيمية الأخرى بالإشراف على سلامة القطارات والعمليات التشغيلية التابعة لها، وهو ما يجب تطبيقه داخليًا، تقول مصادر لـ “مصر 360”.

المصادر أضافت أن الاتجاه الدولي داخل منظومة القطارات يعتمد على تخصيص فرق من المفتشين الفنيين لتطبيق معايير السلامة، والتي تكون جاهزة للتعامل مع حالات الطوارئ، لمنع حدوث أية أعطال أو حدواث مفاجئة، أما داخليًا فغالية الحوادث تقع بشكل مفاجئ ودون القدرة على السيطرة على الكارثة قبل وقوعها.

عدد من الدول تعتمد في منظومة السكك الحديدية على نظام الأمان بجهاز “ATC”. إلى جانب التطوير المستمر لجميع أجهزة ووحدات الإشارة، وتطبيق اشتراطات السلامة في صيانة القضبان. ما يسمح بالقضاء تدريجيًا على أخطاء عمال الإشارة وقائدي القطارات. وبالتالي يجب مُحاكاة هذا الوضع في مصر، وفقا لجمال القليوبي

ويوضح الخبير الاقتصادي أن الاعتماد على الجرارات الألمانية القديمة التي تم توريدها إلى سكك حديد مصر بداية السبعينات من القرن الماضي يعد أحد أسباب تكرار حوادث القطارات، مطالبا بإشراك القطاع الخاص ضمن خطة التطوير الحالية، وذلك عبر اتفاقيات شراكة بين القطاعين العام والخاص.

عربات مُتهالكة وأجهزة تحكم مُعطلة.. قطارات مصر

عدد حوادث القطارات في مصر قُدر بـ 12 ألفًا و236 حادثًا، في الفترة بين عامي 2006 و2016. بينما وقع أكثر عدد من الحوادث في عام 2009.

في حين شهد عام 2012 أقل عدد من الحوادث نتيجة تكرار توقف الخدمة بعد أحداث الثورة. ذلك وفق إحصائية رسمية أعدتها هيئة السكة الحديد، بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

السبب وراء حوادث السنوات الماضية ربما ليس واحدًا، فهناك إجماع على تعددها وتراكمها منذ عقود، حتى بات السيطرة على الوضع يُمثل مُعضلة أمام المسئولين الحاليين.

“عربات وورش قديمة”، كلمات عبر بها عامل سابق في هيئة السكك الحديدية، قضى قرابة الـ 35 عامًا قبل خروجه عن الخدمة في 2015.

يقول العامل: “جزء كبير من عربات المنظومة لا تصلح للسير على القضبان وهي أحد أسباب الحوادث المتكررة، بعد ما اشتغلت في السكة الحديد كنا بنقعد نتكلم مع السواقين بعد كل حادثة.. وكانوا بيقولوا إن العربيات والجرارات متنفعش تمشي عشان قديمة”.

يروي لـ”مصر 360″: كل فترة كانت تتم عملية صيانة لبعض الجرارات داخل الورش.. لكن هذه الورش كانت متهالكة أيضًا ولا تتماشى مع التقدم الذي يحدث خارجيًا، وبالتالي لم تكن “العمرة” التي يتم إجراؤها للجرارات على المستوى المطلوب.

يوضح أن أجهزة التحكم الآلي داخل الجرارات تعتبر أحد أهم العناصر الواجب توافر وصيانتها وتشغيلها بشكل دقيق وآمن؛ باعتبارها تُسجل ما يدور داخل الجرار، لكن غالبية الجرارات تُعاني من تعطل بعض أجهزة التحكم وقدم البعض الآخر، ومن ثم عدم توافر وسائل الأمان بالجرارات المتواجدة بالخدمة.

أنظمة الأمان الأربعة وتأهيل الكوادر

مصادر مسؤولة تشرح لـ “مصر 360” أنظمة الأمان التي يُفترض أنها تتواجد داخل منظمة السكك الحديدية، فحركة القطارات تعتمد على أربعة أنظمة أمان تعمل في خطوط متتالية. خط اﻷمان اﻷول يستخدمه السائق يدويًا ﻹيقاف القطار خلال 24 ثانية من إعطاء اﻹشارة. إذا فشلت هذه المحاولة، يستخدم السائق جهاز اسمه Dead Man Switch لإرسال إشارة لبرج المراقبة تخطره بوجود أزمة، كي يتمكن من التدخل وإيقاف القطار خلال 24 ثانية أخرى. 

الخطوة الثالثة هي جهاز يسمى Automatic Train Control، والذي يمكّن برج اﻹشارات من إيقاف القطار أتوماتيكيًا إذا حدث شيء غير طبيعي. وإذا فشلت درجات الأمان الثلاثة اﻷولى في العمل، تأتي درجة اﻷمان اﻷخيرة وهي إبرة السقوط، والتي تعتمد على قيام عامل البرج بفصل القضبان من أجل إسقاط الجرار من على القضبان قبل اصطدامه.

أوضحت المصادر أن تشغيل هذه الأنظمة في القطارات المصرية لا يتم بالشكل المطلوب نتيجة تهالك غالبية أنظمة التحكم “أنظمة التحكم لم يتم تغييرها أو تطويرها منذ عقود.. حتى وصلت إلى درجة تهالك تمنع الاعتماد عليها بشكل كامل في تفادي حوادث القطارات”.

تشدد المصادر على أن التحول الإلكتروني عالميًا لابد أن نسير على خطاه وتجنب الأنظمة التقليدية في تسيير حركة القطارات. فتكرار الحوادث لم نستطيع تجنبه طيلة العقود الماضية، وباتت التغيير والتحديث مُلزمًا للدولة في الوقت الراهن عبر الاستعانة بأنظمة الأمان المتعارف عليها عالميًا.

غياب الكوادر الفنية

وعلى صعيد الكوادار البشرية المؤهلة فإن السنوات الماضية شهدت غياب الكوادر الفنية المؤهلة علميًا للدخول تدريجيًا إلى منظومة السكك الحديدية، خارجيًا الأمر يختلف كثيرًا. من يعمل على القطارات يحصل على شهادات مُعتمدة ودورات تدريبية تؤهلة للعمل داخل هذه المنظومة، خاصة وأن التكنولوجيا المتطورة ومعايير الأمان الإلكترونية التي تُطبق خارجيًا تحتاج إلى كوادر مُعدة بشكل جيد للتعامل مع هذه الأنظمة -يقول الخبير الاقتصادي على الإدريسي.

التأهيل المطلوب دفع وزير النقل للتأكيد على أن خطة التطوير تتضمن عدة مراحل أولها تطوير الورش وتخريج كوادر فنية قادرة على التعامل مع المعدات الحديثة والجرارات الجديدة، وتوريد ٦ قطارات إسباني، وتطوير العربات، وبنهاية 2021 سيتم الانتهاء من تطوير العربات، كما أن تطوير الإشارات تعمل بها ٣ شركات عالمية، وسيتم الانتهاء منها في يوليو ٢٠٢٢ ، وستكون الخطوط آمنة بالكامل دون دخل العامل البشري، لافتا إلى أن باقي التطوير سيتم الانتهاء منه في منتصف ٢٠٢٤، بالانتهاء من تطوير كافة أجزاء القطاع، ما يعني أن الوضع سيبقى كما هو على من حيث التدخل البشري بمعايير الأمان والسلامة لحين انتهاء كامل تطوير المنظومة بعد عام ونصف على الأقل.

مراحل التطوير

وفق خطة الحكومة، فإن هناك عدة مسارات لإنهاء مشروع تطوير وإعادة هيكلة السكك الحديدية.

ويشمل المسار الأول إنشاء خطوط سكك حديدية جديدة مثل القطار المكهرب -الذي يربط العين السخنة بمدينة العلمين الجديدة، مارًا بمدينة السادس من أكتوبر- وكذلك إنشاء خطوط تربط بين أجزاء مختلفة من المحافظات.

وتسعى الحكومة في مسار جديد نحو إنشاء 3 خطوط سكك حديدية: (خط القاهرة – الأقصر بطول 700 كم، وخط الأقصر – الغردقة بطول 300 كم، وخط الإسكندرية – القاهرة بطول 210 كم). وكذلك التخطيط لإنشاء خطين (خط أسوان – مرسى مطروح، وخط سفاجا – أبو طرطور). بينما يشمل مسار آخر تطوير البنية التحتية. سواء على مستوى المحطات أو أنظمة الإشارات أو السكة الحديد أو التحويلات أو إقامة المزلقانات إلكترونية. هذا فضلاً عن شراء قاطرات وعربات سكك حديدية جديدة، سواء للخطوط الجديدة أو القائمة. بحيث تصب كل هذه المسارات في النهاية في مصلحة التطوير المستهدف للسكك الحديدية.