بينما يكافح كثيرون لتغيير نظرة المجتمع المصري عن قصار القامة، قدم هذا المجتمع وجوها بارزة كشف مدى إصرارهم على إثبات ذاتهم.

في تجربة مر عليها عام، أسس عدد من “قصار القامة” في مصر أول مصنع خياطة خاص بملابسهم في الإسكندرية، للتغلب على معاناتهم حول ندرة الملابس الخاصة بـ”الأقزام”، بالجهود الذاتية في تطبيق عملي لمقولة “من رحم المعاناة يولد الإبداع”.

الدافع وراء المشروع

كان الدافع وراء المشروع الاضطرار الدائم لشراء ملابس لا تناسب مقاساتهم إما أكبر أو أصغر. ما يحملهم تكاليف مالية إضافية نظير إعادة خياطة تلك الملابس من جديد لتناسب أجسادهم الصغيرة. إلا أنه لأسباب مختلفة توقف نشاط المصنع مع محاولات مستمرة من القائمين عليه لإعادة نشاطه مرة أخرى.

بحسب مسح سكاني أجرته وزارة الصحة في ديسمبر 2015. من بين كل 3 أطفال دون سن الخامسة يعاني طفل من قصر القامة، بسبب سوء التغذية. بينما أجرت الوزارة بحثًا آخر قبل 5 سنوات يشير إلى أن 29% من الأطفال بين يوم وحتى 4 سنوات مصابون بالتقزم لنفس السبب. كما تم تضمين قصار القامة كأحد فئات الأشخاص ذوي الإعاقة طبقًا لما ورد في دستور 2014.

نسمة

نموذج التحدي.. “نسمة يحيى”

“نسمة يحيى” نموذج لفتاة جامعية من “قصار القامة” التحقت بكلية التربية جامعة المنصورة. وواجهت مشكلة متكررة تتعلق بالزي الخاص بقصار القامة منذ المرحلة الإعدادية. فملابس الكبار لا تناسبها وملابس الأطفال غير ملائمة كذلك لكونهم خارج مخططات مصممي الأزياء. الأمر جعلها تشعر بعدم توافر احتياجاتها الأساسية بشكل كافي لتفكر في صناعة أول تصميم “براند” لملابس قصار القامة.

نسمة قالت لـ”مصر 360″: “منذ كنت في المرحلة الإعدادية وبدأت أن أتٍ بالقماش اللازم واختيار التصاميم العصرية والملائمة لي. وإرسالها لترزي لكن منذ أن دخلت الجامعة تغير الأمر. فكرت أن أعمم فكرة الملابس الخاصة بقصار القامة لأن الملابس من أكثر الاحتياجات التي تشعرنا أننا مهمشين. خاصة أن مصانع ودور الأزياء لا تهتم عادة بهذه الفئة. على اعتبار أنها ربما لن تحقق لها أرباحًا كبيرة”.

نسمة يحيى

أول عارضة أزياء لقصار القامة في مصر

عملت نسمة كأول عارضة أزياء من قصار القامة في مصر: “الأمر ذاته ارتبط بعملي كعارضة أزياء”.

“اخترت هذا المجال تحديدًا بسبب الشروط المرتبطة به مثل الطول إلا يقل عن 170 سم. وقررت أن أكسر هذه القاعدة بطولي الذي بالكاد يصل إلى 105 سم. وفضلت أن تعم فرحة وفائدة الملابس على قصار القامة جميعهم”.

هناك الكثير من المشكلات التي تواجه نسمة في الحياة العامة أشعرتها بعدم الاستقلال. منها ما لا يناسبها من مواصلات أو مصالح حكومية أو عامة. فضلًا عن المعاناة الشديدة في كل خطوة تتعلق بالاستخراجات الرسمية بحسب تصريحاتها. هذه المشكلات يعاني منها ما يزيد عن 180 ألف شخص، بحسب رئيس جمعية الأقزام المصرية، عصام شحاتة.

استطاعت نسمة أن تسوق لفكرة المشروع بجهود شخصية من خلال شراء الملابس واختيار التصميمات والتسويق لها على فيسبوك.  أضافت: “لم أسلم من الانتقادات والتنمر أيضًا. فالبعض قال هذه قزمة وكان الأفضل لها أن تعمل في دعايا الحفاضات. فضلًا على الرهان على فشل المشروع. لكني سئمت هذة التعليقات وأصبحت غير مهتمة”.

نسمة يحيى تعرض عددًا من أزيائها

دور أسرة نسمة

أسرة نسمة كانت من أشد الداعمين لها في كل خطواتها. كما تؤكد أنه بفضلهم فقط استطاعت أن تكون طالبة جامعية وعارضة أزياء مصرية. كما أنها بفضلهم أصبحت مصممة ملابس لأول براند خاص بقصار القامة في مصر.

لم تلتحق نسمة بأيّ جمعية خاصة بقصار القامة في مصر وتعلل ذلك: “لا أرغب أن أكون مصدر استعطاف. أي أنهم يتواصلون مع النواب والمسئولين ومن له السلطة، لكي يتم دعم الجمعية بالفلوس فقط. لكن لا توجد أفعال على أرض الواقع، فقط كل فرد موجود ضمن الجمعية يُحسب عليهم عدد بفلوس. وأنا لا أفضل الاستعطاف أو الدعم المادي دون أفعال ملموسة”.

كذلك توضح “نسمة” أن هدفها من المشروع هو إحساسها هي ومن في نفس معاناتها أنهم موجودين واحتياجاتهم متوفرة.

“قررت الاختلاف”

المشروع يشكل عائقًا ماديًا كبيرًا -بحسب نسمة- خاصة أنه لا يوجد أي دعم من أحد. لكن أكثر ما يمتعها هو تواصل الفتيات بالفعل معها وطلب التصميمات وتجهيزها وتوصلها. “أخيرًا شعرن بوجود من يتكلم باسمهن ويذكر معاناتهن”.

كذلك تحكي: “قررت طالما ينظر إليه الجميع على أنني شخصية مختلفة، فلم يحمين هذا الاختلاف من التنمر. ما دفعني لأكون مختلفة عن الجميع بالفعل وليس بتنمرهم ونظراتهم. من خلال صناعة مستقبل خاص بي وبصمة يشعر بها كل قصار القامة في الوطن العربي”.

نسمة يحيى تعرض عددًا من أزيائها

بدأت “نسمة” بالفعل في طرح تصميمات تتلائم مع كل المناسبات، ولجميع الفئات العمرية سواء أطفال وكبار ومناسبة للمحجبات وغير المحجبات. وتقول إنها تلقت ردود أفعال جيدة من الفتيات. كما أنها تشعر بفرحتهن بتوافر ملابس مناسبة أخيرًا. فضلًا عن التعليقات الإيجابية وجمل التشجيع.