تاريخ المصريين مع الحكام الأجانب والذي يشمل حوالي 25 قرنًا، منذ غزا الفرس مصر للمرة الثانية في القرن الرابع قبل الميلاد، وحتى ثورة يوليو في منتصف القرن العشرين، يعطي انطباعًا عامًا بأن المصريين لا يثورون. على الأقل يبدو أنه طوال هذه الفترة لم يحاول المصريون استعادة حكم بلادهم لأنفسهم. هذه الصورة العامة غير دقيقة، وبخلاف أنها تغفل عددًا من وقائع التاريخ، فهي أيضًا تخفي الصورة الأكثر تركيبًا والتي كانت علاقة المصريين فيها بحكامهم الأجانب تختلف من عصر إلى آخر ونتيجة لاعتبارات مختلفة، ليس منها أن طبيعتهم تميل إلى الخضوع. الصورة المبسطة أيضا تخفي حقيقة أن المجتمع المصري في العصور القديمة وما بعدها لم يكن أبدا كتلة واحدة لا تختلف فئاتها وطبقاتها في مصالحها وخياراتها ومن ثم في تعاملها مع السلطة السياسية سواء كان ممثلها مصريًا أو أجنبيًا.

بالنسبة للغالبية العظمى من المصريين في هذه الفترات، وهم الفلاحون في قرى مصر، لم يكن صاحب السلطة السياسية العليا في البلاد يعنيهم. علاقتهم بهذه السلطة كانت محصورة في قدر الضرائب التي تحصلها منهم. وعندما كانت هذه الضرائب تتخطى قدرتهم على أدائها والحفاظ على حياتهم في نفس الوقت، كانوا يواجهون ذلك بأحد سبيلين. السبيل الفردي كان أن يهجر الفلاح أرضه فإما أن يلجأ إلى الأحراش في الدلتا أو الجبل في الصعيد، أو إلى أحد المدن حيث يختفي بين فقرائها، أو إلى أحد المعابد (ولاحقا الأديرة) التي كانت توفر الحماية لمن يلجأ إليها. السبيل الجماعي وهو الانتفاض في وجه الحكام المحليين كان الملجأ الأخير عندما تسوء الأمور إلى أقصى حد. هذا السلوك لم يكن قاصرا على الحكام الأجانب بأي حال، بل واجه به الفلاحون المصريون حكامهم من الفراعنة المصريين منذ نهاية عهد المملكة الحديثة على الأقل.

النخبة صاحبة الثروة والنفوذ كانت منذ نهاية المملكة الحديثة أيضا في معظمها من طبقة الكهنة. في الحقيقة كان اختيار هذه النخبة الحصول على مناصب دينية الهدف منه الحفاظ على ثرواتها ونفوذها مع تزايد الاضطرابات السياسية، فبغض النظر عمن كان يحكم مصر، كان من الحكمة دائما أن يحرص على عدم المساس بالمعابد وكهنتها إذا أراد أن يكون حكمه مستقرا بأكبر قدر ممكن. لم يخرج عن هذه السياسة قديما إلا بعض ملوك الفرس، وهو ما جعلهم يواجهون قدرا من المقاومة والاضطرابات أكثر من غيرهم، خاصة في الفترة القصيرة التي حكموا فيها مصر للمرة الثانية، بعد 60 عاما من الصراع المرير. هذه الفترة طالت فقط لأحد عشر عاما، وانتهت بانتزاع الإسكندر الأكبر لمصر من أيدي الفرس. ورحب الكهنة المصريون تحديدا بهذا الحدث لما لاقوه على أيدي الفرس من تضييق وإضرار بمصالحهم. في المقابل كان الإسكندر وخلفاؤه البطالمة حريصين على إرضاء آلهة مصر وكهنتها. وحافظ البطالمة بصفة خاصة على علاقات وثيقة بكهنة بتاح في منف، واستمروا في تكريم الآلهة المصرية بإنشاء العديد من المعابد لها في كل أنحاء مصر.

بينما بدا أن الشأن الداخلي لحكم البطالمة في مصر على ما يرام، اتجه ملوكهم الثلاثة الأوائل إلى الاهتمام بالشأن الخارجي، ونجحوا في التوسع على حساب الممالك الهلنستية الأخرى، وخاصة مملكة السلوقيين في سوريا وآسيا الصغرى. الصراع بين البطالمة والسلوقيين اتخذ صورة عدة حروب متتالية سميت بالحروب السورية، وحتى بداية عهد بطليموس الرابع فيلوباتر، كانت هذه الحروب في صالح البطالمة، وأمكنهم من خلالها انتزاع مزيد من الأراضي في سوريا وآسيا الصغرى، إضافة إلى سيطرتهم على الساحل الفينيقي، وسيادتهم البحرية في شرق البحر المتوسط. ولكن تكاليف هذه الحروب، وكذلك الحياة المترفة للبلاط البطلمي في الإسكندرية، دفعت الأعباء المالية الملقاة على الفلاحين المصريين إلى التزايد مع الوقت. إضافة إلى ذلك اتجه البطالمة أولا إلى تجنيد المصريين في جيشهم وبحريتهم بأعداد محدودة، ولكن في بداية عهد فيلوباتر، ومع تحول السلوقيين إلى دور المهاجم، رغبة في استعادة ما انتزع منهم من أراض سابقا، أضطر البطالمة إلى تجنيد أعداد كبيرة من المصريين، ولأول مرة شكلوا فيلقا مصريا بلغ عدد جنوده 20 ألفًا، تم تدريبهم وتسليحهم على النمط المقدوني. وربما كانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير.

الحرب السورية الرابعة ومعركة رفح

حجم الموارد والقوات التي احتاج بطليموس الرابع إلى حشدها في الحرب السورية الرابعة كان له الأثر الأكبر على تطور الأحداث لاحقا داخل مصر. عندما بدأت هذه الحرب في 219 ق.م. لم يكن البطالمة مستعدين لها، ومن ثم حقق أنتيوخوس الثالث ملك السلوقيين انتصارات متتالية خلال عامي 219 و218، في الوقت الذي كان فيه البلاط البطلمي يعد قواته بتجنيد جنود مرتزقة في أنحاء اليونان، وكذلك بتجنيد المصريين وتسليحهم. وعندما أصبح فيلوباتر مستعدا أخيرا في عام 217 زحف شمالا ليواجه أنتيوخوس الثالث عند مدينة رفح. حجم الجيشين المتواجهين وحده كفيل بإيضاح قدر الموارد التي استهلكت لحشدهما. حشد البطالمة 70 ألفا من المشاة، و5000 من الفرسان و73 فيلا أفريقيا، وفي المقابل حشد السلوقيون 62 ألقا من المشاة، و6000 من الفرسان، و102 فيلا هنديا.

في بداية المعركة نجح جيش السلوقيين في بث الذعر في الفيلة الأفريقية التي فرت محدثة قدرا كبيرا من الفوضى في الجيش البطلمي. وانكسرت ميسرة جيش البطالمة في مواجهة ميمنة السلوقيين التي قادها أنتيوخوس بنفسه. ولكن في هذه اللحظة وقعت نقطة التحول التي يصفها المؤرخ اليوناني بوليبيوس المعاصر لهذه الفترة وكأنها استعادة للتاريخ القديم، ظهر فيلوباتر على رأس الفيلق البطلمي الذي كان الجزء الأكبر منه من المصريين، في القلب. كانت تلك هي المرة الأخيرة في التاريخ التي يخوض فيها فرعون مصري معركة في آسيا وفق النموذج الفرعوني لتحتمس الثالث ورمسيس الثاني. تمكن الفيلق البطلمي من قلب نتيجة المعركة، وسلم أنتيوخوس الثالث بالهزيمة. وفي معاهدة الصلح التالية احتفظ البطالمة بأراضيهم في سوريا، وعاد فيلوباتر إلى الإسكندرية ليغرق في حياتها اللاهية. هذه الحياة المترفة أتيح للجنود المصريين أن يشهدوا طرفا منها قبل أن يعودوا إلى قراهم التي زادها فقرا الضرائب الفادحة التي فرضها البطالمة لتمويل جهودهم الحربية وكذلك لتمويل الترف الزائد الذي تمتع به نخبة مملكتهم.

وطأة الفقر وتخطى أعباء الضرائب طاقة الفلاحين المصريين، وكذلك وجود أعداد كبيرة منهم ممن تلقوا تدريبا عسكريا وأتيح لهم الاطلاع على نمط الحياة في العاصمة، كل ذلك لم يكن وحده ما تغير في هذه الفترة. كانت العقيدة الدينية المصرية التي تجعل للحاكم الفرعون، أيا كان، دورا محوريا في الحفاظ على التوازن الكوني، أحد العوامل الرئيسية في تقبل سيادة هذا الحاكم. هذه العقيدة كان القائمون على تثبيتها وإعادة إنتاجها هم الكهنة في عمومهم، وكبار كهنة الآلهة المصرية الرئيسية بصفة خاصة. ولكن موثوقية هذه العقيدة بدأت في التناقص خاصة في ظل حكم الفرس لمصر. وتكاد تكون قد اختفت عند بعض الطوائف الدينية، وخاصة عند كهنة الإله حورس (الصقر) في إدفو، وعند غيرهم في جنوب مصر. وتشير نصوص الأدب المكتوب باللغة المصرية في ذلك الحين إلى تطلع بعض المصريين على الأقل إلى أن يتمكن ملك مصري من طرد الأجانب. يظهر ذلك في نبوءة سجلتها “الحوليات الديموطيقية”، وتعود في الأصل إلى عهد الحكم الفارسي، لكنها عدلت لتشير إلى ملك يأتي من هيراكليوبوليس (إهناسيا في بني سويف حاليا) ليطيح بالبطالمة، الذين لم يعد حكمهم يحقق الماعت، أي العدالة أو بصورة أدق التوازن بين عالم الآلهة وعالم البشر.

الثورة الكبرى

بدأ أعداد من الجنود الذين تركوا الجيش بعد عام 217 في الثورة ضد البطالمة في الدلتا. وبينما شكل الجنود السابقين نواة المجموعات الثائرة انضم إليهم الفلاحون الذين تركوا أراضيهم ولجأوا إلى أحراش الدلتا هربا من أعباء الضرائب الهائلة. مارس هؤلاء حرب عصابات هاجموا فيها الحاميات العسكرية والمعابد ومزارع الأثرياء سواء كانوا يونانيين أو مصريين. لم يكن فيلوباتر مستعدا لمواجهة هذا النوع من الحرب، وبلغ الموقف من الخطورة الحد الذي استشعرت معه بقية الممالك الهلنستية ضرورة أن تقدم العون للبطالمة برغم التنافس والصراعات المستمرة بينها، فعرض أنتيوخوس الثالث وفيليب الخامس تقديم العون لفيلوباتر في عام 213. مع نهاية عهد فيلوباتر كان الوضع في الدلتا قد تحول إلى حرب أهلية شاملة وهو الموقف الذي تصفه النقوش على حجر رشيد الشهير. هذه الثورة المصرية في الدلتا استمرت حوالي 30 عاما فلم يتمكن البطالمة من القضاء عليها بشكل كامل إلا في عام 185.

مع عام 206 بدأت ثورة الجنوب، ولكنها كانت مختلفة عن تلك التي شملت الدلتا لسنوات سابقة. هذه الثورة التي بدأت في المنطقة بين طيبة (الأقصر) وحتى أسوان كان لها قيادة وحظيت بدعم ديني من كهنة آمون-رع في طيبة، وكهنة حورس في إدفو. وبعد تحقيق الثوار في الجنوب لبعض الانتصارات أعلنوا قائدهم هير-وين-نفر فرعونا في طيبة. كانت هذه بداية دولة فرعونية مصرية في جنوب مصر امتدت شمالا في بعض الأوقات حتى أسيوط، وحكمها فرعونين مصريين طيلة عشرين عاما (206 – 186 ق.م.). هذان كانا آخر الفراعنة المصريين الذين عرفهم التاريخ، وفي نفس الوقت أغفلهم. حكم هير-وين-نفر لستة أعوام، وسجل نقش يعود إلى عام 202 امتداد سلطته حتى أبيدوس (سوهاج). وفي عام 200 ق.م. خلفه عنخ-وين-نفر الذي حكم هذه الدولة الفرعونية وواصل القتال ضد البطالمة حتى عام 186.

اختيار الفرعونين الأخيرين لأن يتضمن اسماهما الملكيان الإشارة إلى وين-نفر وهو الاسم المصري للإله أزوريس، إضافة إلى تضمين ألقابهما الملكية للإشارة إلى “المحبوب من آمون-رع” في طيبة، و”المحبوب من إيزيس”، ومقرها جزيرة فيلة، له دلالات دينية وسياسية في نفس الوقت. فهو أولا يعكس الرعاية الدينية لكهنة آمون-رع للدولة الفرعونية الناشئة هذه، وربما قام هؤلاء الكهنة بتتويج كل من هير-وين-نفر وعنخ-وين-نفر كفراعنة بشكل رسمي. من جانب آخر يبرز العداء الأيديولوجي للإله بتاح في منف، الذي كان كهنته على صلة وثيقة بالبطالمة. وبذلك كان الفرعونان المصريان حريصان على قطع أي صلة لدولتهما بالبطالمة وإبراز هويتها المصرية الخالصة.

العلاقة بين ثوار الصعيد وثوار الدلتا ليس واضحة من المصادر التاريخية المتاحة حاليا. من المثير للاهتمام أن المؤرخ اليوناني بوليبيوس لم يذكر الفرعونين المصريين على الإطلاق في حين تحدث كثيرا عن الثورة في الشمال. الإشارة الوحيدة إلى علاقة بين الثورتين يمكن فقط استنتاجها من استراتيجية متكررة للبطالمة في مواجهتهما. ففي الحالتين اللتين حشد البطالمة جيوشهم لمهاجمة الثوار بدأوا بمهاجمة معاقلهم في الجنوب، ومع تحقيقهم بعض النجاح وجهوا ضرباتهم إلى معاقل الثوار في الشمال، الأقرب إلى عاصمتهم، وهو ما يشير إلى أن البطالمة رأوا أنهم يتعاملون مع ثورة واحدة مركزها الرئيسي في الجنوب.

علاقة ثوار الجنوب مع مملكة مرو النوبية أيضا غير واضحة. فيبدو أن ملوك مرو قد استغلوا نشوب الثورة لمد نفوذهم شمالا ليشمل النوبة المصرية، وتركوا نقوشا على المعابد في هذه المنطقة تشير إليهم كفراعنة. في الوقت الذي بدأ البطالمة مهاجمة الثوار في الجنوب بعد وفاة هير-وين-نفر مباشرة، فحاصروا أبيدوس في أغسطس 199 ق.م. وتمكنوا حتى من فرض سيطرتهم في طيبة لبعض الوقت في شتاء نفس السنة وبداية السنة التالية. ولظنهم أنهم قد وجهوا ضربة نهائية إلى مركز الثورة في الجنوب وجهوا اهتمامهم إلى الدلتا فحاصروا مدينة ليكوبوليس، في مقاطعة أبو صير. دام ذلك الحصار لبعض الوقت وقطع البطالمة إمدادات المياه عن المدينة، ثم هاجموها وتمكنوا من السيطرة عليها في 197. قادة الثوار الذين أسروا بعد الحصار اقتيدوا إلى منف، حيث أعدموا في إطار احتفالات تنصيب بطليموس الخامس إبيفانيس في 26 مارس 196 ق.م.

لكن ذلك لم يضع حدا للثورة في الشمال أو الجنوب. ففي ذلك الحين بدأ ملوك مرو بوضوح في تقديم الدعم لعنخ-وين-نفر، وتقدمت قواتهم شمالا فاستولت على أسوان، بينما تمكن عنخ-وين-نفر من استعادة طيبة، بل استطاع مد سلطته شمالا لأبعد مما وصل إليه سلفه هير-وين-نفر. هذه الانتصارات لم تدم طويلا، فمنذ عام 190 بدأ حكم عنخ-وين-نفر في التراجع، وفي عام 187 تخلى النوبيون عن أسوان. وفي نفس السنة اتخذ كومانوس قائد البطالمة مدينة أكوريس (الأشمونين في المنيا) مركزا لعملياته حيث بدأ من جديد تجميع جيوشه. بينما فر الكهنة الموالون للفرعون المصري إلى النوبة؛ ومنحهم البطالمة لاحقا العفو والحصانة ليتمكنوا من العودة إلى معابدهم.

المعركة الأخيرة ونهاية الثورة

في العام التالي (186 ق.م.) وقعت المعركة الأخيرة بين الفرعون المصري وبين قوات البطالمة، في مقاطعة طيبة. قاد عنخ-وين-نفر القوات المصرية بنفسه، في حين قاد ابنه قوات دعم أرسلها ملوك مرو من النوبة. وتمكن كومانوس من هزيمتهما، في نهاية أغسطس، فقتل الابن بينما أسر عنخ-وين-نفر. وبعد عدة أيام عقد البطالمة مجمعا دينيا في الإسكندرية حضره كهنة مصر، وفيه وصموا عنخ-وين-نفر كعدو للآلهة لإنكاره للأيديولوجية الرسمية التي تجعل من الملك البطلمي الفرعون الوحيد لمصر. واستخدم الكهنة في إدانتهم للفرعون المصري حقيقة أنه في صراعه ضد البطالمة اضطر إلى استنزاف الموارد المتاحة في الأراضي التي حكمها، وفي نفس الوقت لم يقدم للآلهة مظاهر الولاء الكافية المتمثلة في إنشاء معابد جديدة أو الإضافة إلى المعابد القائمة والإنفاق على صيانتها. وبذلك يكون قد تخلى عن واجبات الفرعون الدينية. ومع هذه الإدانة توصل الكهنة إلى حل وسط قدموا بموجبه التماسا إلي إبيفانيس للعفو عن عنخ-وين-نفر وهو ما استجاب إليه بالفعل. وتلك في الواقع محاولة لإرضاء المصريين في الجنوب والتوصل إلى استعادة الاستقرار هناك.

في أكتوبر التالي مع بداية العام العشرين لحكم بطليموس الخامس إبيفانيس، أصدر إعلانا بالعفو العام دعا فيه الفلاحين إلى العودة إلى قراهم. ولكن الثورة في الشمال استمرت لعام آخر. وعندما ضيق بوليكراتيس قائد جيوش البطالمة هناك الخناق على الثوار استجاب قادتهم لوعود قدمها بالعفو عنهم، وتقدموا طواعية إلى مدينة سايس (صالحجر) في أكتوبر 185 ق.م.، ولكنهم بدلا من تلقي العفو قبض عليهم ثم أجبروا على جر عربات في شوارع المدينة وهم عراة ثم عذبوا حتى الموت.

لا شك أن هذه الثورة الضخمة وطويلة الأمد قد استنفذت الكثير من قوى البطالمة وكذلك من قوى المصريين المقاومين لهم. لم تتمكن دولة البطالمة من استعادة قوتها السابقة وانحدرت منذ ذلك الحين ففقدت أراضيها خارج مصر لصالح السلوقيين، ثم تهدد وجودها نفسه مما دعاها إلى قبول حماية روما ووصايتها حتى انتهى الأمر بإزالتها تماما وتحول مصر إلى ولاية رومانية بعد حوالي قرن ونصف من هذه الأحداث. لم يتوقف التاريخ طويلا أمام هذه المحاولة الأخيرة للمصريين لطرد حكامهم الأجانب واستعادة دولتهم، ولا يكاد أحد من غير المتخصصين في تاريخ مصر في عهد البطالمة يعرف بالفرعونين المصريين هير-وين-نغر وعنخ-وين-نفر، أو بهذه الصفحة الهامة من صفحات التاريخ المصري، والتي يمكن أن تغير الكثير من التصورات الشائعة حول هذا التاريخ، مثلها في ذلك مثل العديد غيرها من صفحات التاريخ المنسي لمصر.