قطع السودان شوطا كبيرا نحو علمانية الدولة وتوحيد الجيش، بعد نجاح المفاوضات التي خاضتها الحركة الشعبية لتحرير السودان “شمال” مع رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، منذ العام 2019.

ووقع رئيس مجلس السيادة السودانى عبد الفتاح البرهان، وقائد الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، عبد العزيز الحلو، اليوم الأحد، على إعلان مبادئ فى جوبا، ما يمهد لاستئناف المفاوضات العالقة.

في سبتمبر الماضي، عقد اجتماع سري بين رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، وعبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، للاتفاق حول مبادئ عملية السلام، تمسكت خلاله الحركة بفصل الدين عن الدولة وتحول الدولة إلى العلمانية، من أجل إتمام السلام الشامل.

استمر اللقاء والمباحثات التي تمت خلال الاجتماع وما أعقبه قيد البحث والتدقيق، إذ خرج بيان مشترك للطرفين يؤكد استمرارهما في عقد ما يمكن وصفه بـ”ورش تفاوض غير رسمية” من الجانبين من أجل تكثيف مناقشة القضايا الخلافية المُطروحة محل التفاوض إذ يأتي على رأسها “العلاقة بين الدين والدولة، وحق تقرير المصير”.

كانت الحكومة السودانية أقرت في وقت سابق بفشل ورشة التفاوض غير المباشرة بين وفدي الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية شمال، بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، في التوصل إلى تفاهمات حول الخلاف في قضية علاقة الدين بالدولة الذي تسبب في تعثر المفاوضات.

العلمانية حق أصيل.. فصل الدين

يبدو أن الحركة الشعبية – شمال، أصرت على ضرورة فصل الدين عن الدولة وأن الجلوس على طاولة التفاوض من أجل إحلال عملية السلام يجب أن يبدأ بإقرار الجميع بعلمانية الدولة السودانية وفصل الدين عن الدولة، والعمل على إنهاء التمييز على أساس ديني أو عرقي بين أبناء الشعب السوداني، وهو ما تحقق اليوم.

بنود الاتفاق

وحسب البيان، اتفقا الطرفان على إمكانية السير في طريق علمانية الدولة، إذ تم التوافق على وضع خارطة طريق محدددة ذات منهجية على أن يتم الوصول من خلالها إلى صيغة ترضي كافة الأطراف وتحقق الهدف الأكبر من عملية التفاوض.

الاتفاق تضمن 6 بنود، يأتي على رأسها أن السودان بلد متعدد الأعراق والأديان والثقافات، وعلى الجميع أن يعترف التعدد والاختلاف واستيعابها، والبند الثاني تمثل في ضرورة المساواة على المستويين الاجتماعي والسياسي بغطاء قانوني لكافة أبناء الشعب السوداني.

كما تضمنت بنود الاتفاق على ضرورة العمل على إقامة دولة ديمقراطية في السودان وأن يتم تفعيل الدستور فيما يخص مبدأ “فصل الدين عن الدولة” وتحول الدولة إلى النظام العلماني بدلا من النظام الإسلامي، وما يتضمنه من أساسيات تبدأ بحرية العقيدة والعبادة وأن يكفل ممارسة دينية لجميع المواطنيين دون تمييز أو فرض قيود لطرف على حساب الآخر، وألا يكون هناك مجال للتمييز من قبل الدولة ممثلة في أجهزتها على أساس ديني.

ونصت بنود الاتفاق الموقع في أثيوبيا ضمن اتفاق السلام بين الطرفين، أن يحتفظ سكان جبال النوبة والنيل الأزرق بوضعهم القائم على الحماية الذاتية لحين الانتهاء من وضع رؤية واضحة للتعامل مع الأمر والإنتهاء من الفصل بين الدين والدولة بشكل كامل إذ يظل الأمر في مراحله الأولية.

وبالطبع، نص الاتفاق على ضرورة أن يتفق الطرفان بموجب هذا الاتفاق على الحفاظ على وقف الأعمال العدائية بين الطرفين لحين الانتهاء من إتمام عملية السلام، وكذا التشديد على ضرورة العمل على تفعيل مبدأ التقاسم المناسب والعادل للسلطة والثروة بين السودانيين باختلافاتهم العرقية والدينية وهو ما يتطلب العمل على تعديل الدستور السيوداني في الفترة المقبلة.

خطوة لإنهاء الحرب الطويلة

يأتي الاتفاق بعد أن عاش السودان منذ نهاية العقد الخامس من القرن الماضي حروبا أهلية، حصدت أرواح نحو 4 ملايين شخص، فضلا عن تشريد الملايين من أبناء الشعب، ونزوحهم من موطنهم الأصلي إلى دول أخرى كلاجئين من أجل البحث عن الأمان والاستقرار والحفاظ على أرواحهم.

يذكر أن الدساتير في السودان نصت على مدى نحو خمسين عاما على حاكمية الشريعة الإسلامية، آخرها دستور 1973 في عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري والذي نص على “أن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي من مصادر التشريع”.

وتمسكت الحركة الشعبية بالعلمانية نتيجة ما عاشته خلال السنوات السابقة والتي قادت إلى مجازر جماعية وأدت إلى انفصال جنوب السودان، حيث لم ير السودان تلك الحروب المدمرة إلا بعد مجيء الإسلام السياسي، والتي مازالت مستمرة حتى الآن في دارفور.

ووقعت الحكومة السودانية في أكتوبر الماضي اتفاق سلام مع عدة جماعات سودانية متمردة، ضمن خطواتها لاحتواء الحرب الأهلية التي اشتعلت في السودان الشقيق.

وجرت مراسم التوقيع في عاصمة جنوب السودان “جوبا”، وتم الاتفاق بشكل نهائي على إنهاء حالة الصراع في إقليم دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.

ووقع على الاتفاق الجبهة الثورية السودانية، والتي بدورها تضم تحت لواءها خمس حركات مسلحة وأربع حركات سياسية، في حين علق كلا جيش تحرير السودان والحركة الشعبية – شمال موقفهم من مفاوضات السلام لحين التوصل إلى شكل مبدئي يسمح بالجلوس على طاولة التفاوض.