تظل التنمية الزراعية بهضبة “اللوس” بالصين تجربة يجب أن تضعها الحكومة المصرية في اعتبارها في تعاملها مع تنمية شبه جزيرة سيناء. في ظل أوجه الشبه الكبيرة بين المنطقتين، اللتين تمتلكان تاريخًا قديمًا في قدرة التربة على الزراعة. قبل أن تتعرض لتغيرات تحتاج للمعالجة للعودة للإنتاج مجددًا.

وأطلقت الحكومة الصينية مشروعًا لإعادة تأهيل هضبة “اللوس” قبل ربع قرن عبر التجديد الطبيعي للأراضي العشبية وغطاء الأشجار. والشجيرات على الأراضي المنحدرة المستخدمة سابقًا للزراعة. غير استزراع أشجار على المناطق المعرضة للتأكل لحمايتها وإعادة استبدال التربة.

الخطة الصينية

كما استطاعت الخطة الصينية استعادة الأراضي في “اللوس” وزيادة الغطاء النباتي الدائم من 17 إلى 34%. وعودة التوازن البيئي في منطقة اعتقد العالم بأسره أنها لن تعود للحياة مجددًا. كذلك في ظل طبيعة التربة بالمنطقة المعروفة بأنها الأكثر قابلية للتآكل على وجه الأرض.

يتعلق تآكل التربة بفقدان الطبقة العُلوية الخصبة وضياع المغذيات والمواد الكيميائية المرتبطة بها ما يفقدها القدرة على الإنتاج. وهي مشكلة عالمية تهدد ما يزيد على 36 مليار طن من التربة الخصبة سنويًّا. بينما تصل التكلفة الاقتصادية المرتبطة بها  بنحو 400 مليار دولار أمريكي كل عام.

تلتقط التربة المياه وتخزّنها وتصفيها وعندما تتآكل تنخفض كمية المياه التي تمرّ بها. ما يعني وجود كمية أقل من التربة القادرة على امتصاص الأمطار الغزيرة فتتكون الفيضانات التي تجرف معها الكميات المتبقية من القشرة العلوية. كما يعني العجز عن الإنتاج الزراعي.

تبلغ مساحة اللوس التي انطق في بعض الأحيان “لوسز” 640 ألف كيلو متر مع ارتفاع من 1750 مترًا بالمتوسط عن سطح البحر. كذلك تعرضت تربيتها للتآكل على مدار عشرات القرون، قبل أن يتم استعادتها تدريجيًا. في خطة لا تزال مستمرة حتى الآن.

هضبة اللوس الصينية

الشبه بين اللوس وسيناء

ما يخلق وجه شبه بين “اللوس” و”سيناء” هو الماضي. الاثنان يتسمان بالارتفاع الكبير عن سطح البحر. كما يجمع بينهما أيضًا إمكانية التربة مجددًا لنقل الطمي، فالأولى تم إحلال تربتها بطمي النهر الأصفر. والثانية يمكن نقل الأطنان المتراكمة منه في بحيرة ناصر.

يعد الغطاء النباتي لسيناء نتيجة طبيعية لعاملي المناخ والتربة منخفضًا، ونسبة الكساء الخضري تكاد يختفي في بعض المناطق القاحلة. بينما يزيد نوعًا في رقع كثيرة بحيث يتراوح بين 01-04% خاصة في الكثبان الساحلية الشمالية التي لا تخلو من بقع نباتية. وفقًا للهيئة العامة للاستعلامات وهي ذات المشكلات التي تعاني منها جزيرة “اللوس”.

تتراوح أنواع النباتات والأعشاب السائدة في سيناء بين أنواع الجفاف عمومًا، وأنواع الملوحة في المستنقعات الملحية. وأنواع الرطوبة في المناطق الجبلية المرتفعة، وعلى السفوح والقمم والأودية الجبلية وفي الرقع تبدو منطقة شجرية لا صحراوية. حيث تتكاثف أجسام الشجيرات والأشجار، خاصة من الأثل والسنط بجانب النخيل.

أفكار هولندية

اختمرت أفكار إمكانية تكرار تجربة الصين في سيناء، في ذهن المهندس الهولندي فان دير هوفن مؤسس شركة “صانعي المناخ”. التي ترى أن قاع بحيرة المنزلة تضمن تربة خصبة صالحة كبذرة لاستزراع أراضي سيناء التي تسيطر التربة الرملية على شمالها. بينما تحتل جنوبها الجبال الوعرة، وفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية.

لا يشكل شح المياة بمصر تهديدًا لمشروع فان هوفن، الذي يعتمد مشروعه على رفع مياه البردويل، والأنابيب الإسموزية لتنقيتها والاعتماد عليها. وتاليًا على مياه المتوسط في ري الأرض. كما بدأ مع مجموعته في دراسة أنواع النباتات والأشجار القادرة على تحمّل الملوحة.

من بين أولئك المزراعين جمال الخولي الذي باع أرضه في الصعيد عام 2008 واشتري ضعف مساحتها مرتين في سيناء بالسعر ذاته. وتعاون مع خبراء مركز بحوث الصحراء والمركز الدولي للزراعة الملحية بزراعة محاصيل متحملة للملوحة، لإطعام الحيوانات. كذلك صناعة السيلاج والمضغوطات العلفية. وأصبحت تجربته حاليًا مكررة من قبل مئات المزارعين الذين أبدوا اهتمامهم في الحصول على بذور محاصيل متحملة للملوحة وزراعتها في حقولهم.

تجاوز العقبات

ظلت تنمية سيناء تعاني من عدة معوقات من بينها إيجاد بدائل للمياه من مصادر متعددة، والإنفاق على البنية التحتية وضخ استثمارات. وتخطت الحكومة تلك المعوقات عبر سحارة سرابيوم، ومشروعات الطرق، ومشروعات التحلية.

ودشنت الحكومة 11 مشروعًا للاستفادة من الموارد المائية في الزراعة بطاقة إنتاجية 6 ملايين متر مكعب مياه. منها إنشاء سحارة سرابيوم أسفل قناة السويس الجديدة بطول 400 متر، لنقل 1.2 مليون متر مكعب من مياه ترعة السويس لترعة سيناء الشرق. كما يجري زراعة 5 آلاف فدان بالصوب الزراعية بشرق الإسماعيلية الجديدة، وإنشاء مزرعة مانجو بشرق الإسماعيلية الجديدة بمسطح 1640 فدانًا.

الدولة وضعت خطة للتنمية الزراعية في سيناء تتضمن المساحة المستهدفة 400 ألف فدان. تم زراعة 128 ألف فدان في سهل الطينة وجنوب القنطرة وجزء من رابعة وبئر العبد 40 ألف فدان بمنطقتي شرق البحيرات وشرق السويس. و100 ألف فدان مستكملة بالبنية التحتية بمنطقة رابعة وبئر العبد، ليصبح إجمالي المنزرع والقابل للاستزراع 268 ألف فدان.

ووفقًا للدراسات الصادرة من وزارة التخطيط، فإن الدولة أنفقت 600 مليار جنيه على البنية الأساسية لتنمية سيناء خلال ست سنوات. كذلك تنوعت بين مشروعات قومية، واستثمارات ضخمة وتوفير فرص عمل للشباب من أهالي سيناء على أرض الفيروز. من بينها أكبر محطة مياه في الشرق الأوسط على ساحل العريش، والتي بالمرحلة الأولى 100 ألف متر مياه يوميًا. بجانب إنشاء 18 تجمعًا تنمويًا و18 تجمعًا زراعيًا.

لكن ذلك لا يمنع دراسة فكرة “هوفن” بالاعتماد على الطبيعة في تنقية المياه تدعي “إيكو ماشين”. كما تعتمد على حفر سلسلة من البحيرات الصغيرة تمر فيها المياه المستخدمة في الاستزراع. فتستهلكها الأسماك والبكتيريا والطيور والكائنات الدقيقة والصغيرة الموجودة في التربة. فتخفف من ملوحتها وتضيف إليها مخصبات طبيعية، مما سيسهم في تحلية المياه إلى حد معقول. كما يفيد في الاستزراع دون تكلفة كبيرة تستدعيها عادة مشاريع التحلية الكبرى.

استكشاف التربة

استكشف فريق من وزارة الزراعة مساحات جديدة شمال ووسط سيناء بإجمالي مساحة 592.4 ألف فدان و12 ألف فدان بجنوب القنطرة. بالإضافة إلى 46 ألف فدان في البحيرات، و46.84 الف فدان، والمزار والميدان 26 ألف فدان/ والسر والقوارير 80 ألف فدان.

كما تم استكشاف أراضي جديدة بشمال سيناء 153 ألف فدان جنوب الشوحط ورمانة رابعة وجعل بإجمالي 153 ألف فدان. مقسمة إلى (أ) 100 ألف فدان (ب) 53 ألف فدان. بجانب أراض جديدة بوسط سيناءة منطقة وادي البروك. بواقع 276 فدانًا بمنطقة محور بئر تمادة/ الجفجافة 87.5 ألف فدان. كذلك منطقة محور شرق البحيرات والجفجافة (56 ألف فدان).

تربة جيدة

قال وزير الزراعة السيد القصير إن الأراضي التي تصلح للزراعة في سيناء تتميز تربتها ومناخها بزراعة محاصيل حبوب. وتساعد طبيعة التربة بتسمح بتعدد وتنوع المحاصيل وتعدد الدورات الزراعية.

كذلك نجحت تجارب زراعة أشجار الآراك في مزارع الجبيل بطور سيناء بمزرعة الصبار التي تحوي 120 نوعًا من الزراعات النادرة. ويستخرج من تلك الشجرة السواك والعطور، بجانب نباتات الصبار التي تعالج أمراض الحروق والأمراض الجلدية والصدفية.

كما تمت تجربة زراعة أشجار المورينجا بطور سيناء التي تتماشى مع التربة والطقس. كما أنها شجرة تظل أوراقها خضراء طوال العام ولاتحتاج مياه كثيرة وتستخدم أوراقها كمشروب طبيعي يعالج السكر والضغط.

وتنقسم شبه جزيرة سيناء جغرافيًا إلى 3 أقاليم طبيعية تتوالى على النحو التالي من الشمال إلى الجنوب. كما تتضمن سهول واسعة تسمى سهول الشمال وإقليم الهضاب وإقليم المرتفعات أو الجبال. كذلك يمتد إقليم السهول الشمالية من شرق الإسماعيلية إلى رفح بمحاذاة البحر المتوسط شمالًا. وهو عبارة عن سهل مموج كبير ينحدر من هضبة التيه تدريجيًا حتى البحر المتوسط. كما أنها أرض منبسطة تكثر فيها الوديان والعيون والروافد التي تتكون من مياه الأمطار.

تسقط على سيناء كمية مطر سنويًا أكبر من باقي المناطق الصحراوية المصرية، بمتوسط ما بين 80 و100 ملليمتر سنويًا. كذلك تتزايد كمية المطر السنوية على الساحل كلما اتجهنا شرقًا فهي تبلغ 80 ملليمتر بمنطقة بورسعيد. وتزيد إلى نحو 100 ملليمتر في العريش. ونحو 25 ملليمتر في نخل ونحو 20 ملليمتر في السويس ومثلها في الطور وتتراوح كمية المطر السنوي على المرتفعات الجنوبية.

تقليل التآكل

ووفق محافظة شمال سيناء، فإنه من المخطط زراعة 100 ألف فدان على مسار ترعة السلام، مع طرح 10 آلاف فدان على 5 مآخذ. بنظام حق الانتفاع عن طريق الهيئة العامة للتنمية الزراعية. وطرح 2500 فدان على مآخذ “20 و 21 و22 و 25” بتوزيعها على شباب الخريجين بواقع 5 أفدنة لكل خريج. كما وافقت المحافظة على توفير 35 ألف شجرة زيتون لزراعتها في قري جنوب بئر العبد.

وبحسب منظمة الفاو، فإنه يمكن تقليل التآكل بشكل كبير في كل موقف مع ممارسات الإدارة المستدامة للتربة مثل بناء المدرجات أو الزراعة.

كذلك يقول محمد سلامة الأحمر، الباحث في قضايا التنمية الزراعية والسياحية بجنوب سيناء إن التصحر. يشكل خطرًا على مستقبل نباتات طبية وعطرية؛ من بينها ما يتم تسويقه في السوق المحلية، وأخرى معروفة في خارج مصر. كذلك أشار إلى أن أراضي جنوب سيناء تحوي أعشابًا نادرة مثل البعيثران وهي شجرة طبية عطرية. والحبق وهو مشروب له الكثير من الفوائد، مطالبًا بالعمل على إكثار تلك النوعية من النباتات.

واكتشفت الجمعية الأهلية لحماية البيئة بسيناء 25 نوعًا من النباتات لا تنمو إلا في شبه الجزيرة. ومن بين هذه النباتات نوع تستخرج منه عقاقير طبية تعالج مرض “السرطان”. بالإضافة إلى نباتات تستخدم في تنقية وتنظيف المياه مثل نبات “السعد”، الذي تم اكتشافه بعين الجديرات. كذلك نبات “القرض” بوسط سيناء، إضافة إلي نباتات تعالج مرض السكري.