تنظم اللائحة الداخلية لمجلس النواب عمل مضابط الجلسات وذلك من خلال مواد اللائحة بداية من المادة 331 وحتى المادة335، وتلك المواد من لائحة مجلس النواب تبين كيفية إعداد تلك المضابط من قبل أمانة مجلس النواب، كما تبين آليات عرض موجزها أو عرضها كاملة على أعضاء مجلس النواب خلال 15 يومًا، وتحتوي هذه المضابط على ما يمثل كيفية عمل مجلس النواب وما يدور فيه من آراء، ونقاشات وقرارات، وتشريعات، أو آليات رقابية كالسؤال وطلب الإحاطة والاستجواب موجهة للسلطة التنفيذية، وأهم ما يجب لفت النظر إليه هو ما جاء في نهاية المادة 335 من لائحة مجلس النواب من قولها “وتنشر في ملحق خاص للجريدة الرسمية”.
إذن هو النشر المطلوب لمضابط مجلس النواب و المقصود في الجريدة الرسمية بكل ما تحتويه من فاعليات تدور في أروقة المجلس، و أرى أن العلة المقررة من نشر المضابط في الجريدة الرسمية هي أن تكون متاحة لأكبر عدد ممكن من أفراد الشعب، الذي يمثل من زاوية أولية كتلة الناخبين، حتى يتابعوا ما يقوم به نوابهم داخل مجلس النواب سواء من الناحية التشريعية أو من الناحية الرقابية، ويمثل من ناحية ثانية هو المخاطب بما يدور داخل مجلس النواب.
كما أن مضابط مجلس النواب تمثل أهمية عظيمة للقانونيين جميعهم “قضاة، محامين، باحثين، وأساتذة جامعيين”، لكوّن هذه المضابط بما تحمله من مناقشات حول القوانين تمثل تفسيرًا لما تحمله النصوص من معاني وتأويلات مختلفة أو ما يكون بها من غموض، وفي العادة تلجاء إليها المحكمة الدستورية العليا إبان نظرها للدعاوى المتعلقة بمدى دستورية القوانين، وذلك سعياً للوصول إلى ما وراء قصد المشرع من النص المعروض.
ويمثل الحق في المعرفة أحد أهم مبادئ حقوق الإنسان الأساسية، حيث يتضمن هذا الحق امتلاك الفرد الوسائل أو الأدوات اللازمة للحصول على المعلومات والمعارف والاطلاع على تجارب الآخرين… إلخ. واهتمت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بحق المعرفة حيث ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة (19) ما يلي: (لكل فرد الحق في حريه الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل و استقاء المعلومات وتلقيها ونقلها من خلال أية وسائل بغض النظر عن الحدود)، وهذا ما سارت عليه المواثيق والاتفاقيات الرئيسية لحقوق الإنسان وأهمها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بخلاف ما جاء بكافة الاتفاقيات الإقليمية. هذا إضافة إلى ما جاء بالدستور المصري سواء كان الساري أو ما سبقه من دساتير من إتيانها النص على حرية الرأي وتداول المعلومات بما يضمن الحق في المعرفة، وهذا الحق الدستوري هو ما يضمن سريان وفاعلية مجموعة من الحقوق الدستورية الأخرى أهمها على سبيل التمثيل الحق في المشاركة في الحياة العامة، ومخاطبة السلطات، وهوما يمثل محوراً لا خلاف عليه من معاني سيادة القانون.
ويشكل حق الأفراد في المعرفة بارتباطه الوثيق مع الحق أو حرية تداول المعلومات، والحق في مخاطبة السلطات، وكل هذه المفردات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بكل الحقوق السياسية الأخرى مثل الحق في التجمع، وتكوين الأحزاب والنقابات، بما يعني بشكل شمولي التداول السلمي للسلطة.
كما أن الحق في المعرفة بما يعنيه من معاني كثيرة وارتباطات متعددة بالأوجه المختلفة في الحياة، يشكل رافداً لا غنى عنه في ارتباط المواطنين بالحياة العامة ومشاركتهم في هموم الوطن، وحقهم في الاطلاع على ما يدور أو ما تقوم به الحكومات.
ولكن بمطالعة الواقع في الحياة البرلمانية المصرية فإن ما جاء بنص لائحة مجلس النواب لا محل له من الوجود في الحيز الواقعي، إذ أن الحاصل فعلياً هو عدم نشر تلك المضابط في الجريدة الرسمية منذ سنوات، والاكتفاء بتداولها إلكترونيًا ما بين أعضاء مجلس النواب على إيميلاتهم، دون النظر لباقي الجمهور المخاطب بما يصدره مجلس النواب من قوانين أو قرارات متعلقة بسلطته الرقابية على أعمال السلطة التنفيذية، وكأن ما يدور داخل أروقة السلطة التشريعية بات حكراً على أعضائها فقط، وكأن الشعب ليس هو صاحب الاختصاص الأصيل وصاحب المصلحة الأولى والأخيرة من وجود مجلس النواب ذاته.
فماذا تعني هذه الحالة من الفصام ما بين الشعب وبين سلطته التشريعية، والمتمثل في عدم نشر مضابط البرلمان؟ وماذا يعني الحجب المتعمد بين المواطنين وبين مضابط مجلس النواب؟ وهل من حق المواطن ربط عدم نشر المضابط البرلمانية مع عدم علانية جلسات مجلس النواب بالمخالفة لنص المادة 120 من الدستور المصري الأخير؟ كل هذه الأسئلة والتي تشكل حاجزًا في إعمال الشعب رقابته على نوابه، وحرمان من حقوق دستورية عديدة، كذلك يمنع مراقبة الشعب لنوابه فيما يبدونه من أعمال بوصفهم نواب أو ممثلين للمواطنين جميعهم، أو كل حسب دائرته الانتخابية. إذ أن الأصل السياسي يتمثل في كون هؤلاء النواب ليسوا في حل من لرقابة الشعبية، ولا يجب أن يكون بمعزل عن ناخبيهم، وأن عضوية البرلمان ليست عملًا خاصًا لأي منهم.
ومن هنا فإننا نهيب بأعضاء مجلس النواب جميعهم على اختلاف مشاربهم أن يقوموا بتفعيل نصوص لائحة مجلس النواب فيما تضمنته من وجوب نشر مضابط المجلس في الجريدة الرسمية و في ملاحق خاصة كما جاء النص على ذلك، وهذه اللائحة تمثل امتداداً لأصول دستورية تشكل حقوقاً عامة للمواطنين لا يجوز نقصانها أو حرمانهم منها أو حتى الانتقاص منها، وحتى تكون أعمالهم تحت قبة مجلس النواب تحت سمع وبصر من يمثلونهم وهم المواطنون أصحاب الحقوق الأساسية في هذا الوطن وعلى هذه الأرض. أم أنه والحال كذلك ينطبق علينا قول الخال الأبنودي” بين الإمام والمصليين فيه انفصال موصول، أو اتصال مفصول، وفيه مسافة بين صفوف الخلق والأمام”.