نشرت “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا عن نظام ولاية الرجل في قطر، واعتبرته يحرم النساء من حقهن في اتخاذ قرارات أساسية متعلقة بحياتهن. وفي مصر تستمر المطالبات بإعادة ميزان الولاية للمرأة في بعض فروعه.
التقرير الذي جاء بعنوان “كل شيء أسويه يحتاج موافقة رجل: المرأة وقواعد ولاية الرجل في قطر”، كشف أن النساء في قطر يحتاجن الحصول على إذن من أوليائهنّ الذكور لأغلب قرارتهن المصيرية. هذه أحد فصول معركة النساء للحصول على حقوقهن، أو فيما بات يعرف بـ”الولاية حقي” على الطريقة المصرية. بيد أن تقريرًا لهذا في بلد خليجي يعد اختراقا نادرًا لإظهار أصوات النساء المطالبات بحقوقهن.
كسرت النساء في قطر الحواجز، وأحرَزن تقدّما ملحوظًا في مجالات مثل التعليم، لكن لا يزال عليهنّ التعامل مع قواعد ولاية الرجل التي تفرضها الدولة وتقيّد قدرتهنّ على عيش حياة كاملة، ومثمرة، ومستقلّة
باحثة هيومن رايتس روثنا بيغم قالت: “كسرت النساء في قطر الحواجز، وأحرَزن تقدّما ملحوظًا في مجالات مثل التعليم، لكن لا يزال عليهنّ التعامل مع قواعد ولاية الرجل التي تفرضها الدولة وتقيّد قدرتهنّ على عيش حياة كاملة، ومثمرة، ومستقلّة”. ولفتت إلى أن “نظام ولاية الرجل يرسخ سلطته على حياة النساء وخياراتهن وتحكّمهم بهن، وقد يعزّز أو يغذّي العنف، تاركًا للنساء قلة من الخيارات المجدية للفرار من اعتداءات أسرهنّ وأزواجهنّ”.
النساء يكسرن الحاجز
وتستند نتائج “هيومن رايتس ووتش” إلى مراجعة 27 قانونًا، بالإضافة إلى قواعد، وسياسات، واستمارات، ومراسلات مكتوبة مع الحكومة، و73 مقابلة، منها 50 مقابلة معمّقة مع نساء متأثرات بنظام الولاية.
وكان المسؤولون الحكوميون أقروا بنتائج عديدة للتقرير، ودحضوا غيرها، على الرغم من أدلّة هيومن رايتس ووتش التي تشير إلى عكس ذلك، عبر رسائل مكتوبة.
في السياق نفسه، ومنذ فترة أطلقت مؤسسة “قضايا المرأة” في مصر، دعوة للتدوين تحت هذا وسم “الولاية حقي”، وذلك رفضًا لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، الذي يتضمن انتقاص لحقوق النساء، خاصة فيما يتعلق بعدم ذكر الأم على الإطلاق في الولاية على الأطفال.
وفي أعقاب، ذلك زادت الانتقادات الحقوقية مع الإعلان قبل يومين عن إسناد الرئيس عبدالفتاح السيسي مهمة صياغة القانون بنسخته النهائية لمؤسسة الأزهر.
ولاية الرجل.. أغلال في يديّ المرأة
تستوجب القوانين القطرية من النساء الحصول على إذن أولياء أمورهنّ للزواج بغضّ النظر عن عمرهنّ أو وضعهنّ العائلي السابق.
وعند زواج المرأة، تعتبر “ناشزا” إذا لم تحصل على إذن زوجها قبل العمل، أو السفر، أو إذا تركت منزلها أو رفضت ممارسة الجنس معه بدون “عذر شرعي”.
كما يجوز للرجال أن يتزوجوا حتى أربعة نساء في الوقت نفسه، من دون إذن من ولي أمر أو حتى من زوجتهن أو زوجاته الحاليات.
وفي مصر أيضًا كشفت المسودة الأخيرة لقانون الأحوال الشخصية، أن أي “ذكر” في عائلة المرأة التي ترغب في الزواج من شخص أن يبطل هذا الزواج في غضون عام واحد بدعوى عدم كفاءة الزوج الذي اختارته السيدة.
الولاية على الأطفال
وبحسب التقرير لا يمكن للنساء أن يكُنّ الوصيات الرئيسيات لأطفالهنّ في أيّ وقت، فليس لديهنّ أيّ سلطة في اتخاذ قرارات مستقلّة متعلّقة بوثائق أطفالهنّ، وأموالهم، وسفرهم، وأحيانًا دراستهم وعلاجهم الطبي. حتى لو كانت النساء مطلّقات وحكمت محكمة بسكن أطفالهنّ معهنّ أو في حال وفاة والد الأطفال، فإذا لم يكُن للطفل قريب ذكر لتأدية دور الوصي، تتولّى الحكومة هذا الدور.
وفي الطلاق والقرارات المرتبطة بالأطفال، استمرت بعض النساء في علاقات منتهِكة، وانتظرن غالبًا سنوات للحصول على الطلاق. أما المرأة فلا تستطيع الزواج من جديد، خوفًا من فقدان حضانة أطفالها، فتظلّ معتمدة على زوجها السابق الذي يبقى الوصي القانوني على الأطفال.
في مصر تشغل الولاية التعليمية مجتمع النساء، فكثير من السيدات لا يستطعن تحويل أطفالهن إلى مدارس يرغبن فيها، أو التقديم لهم دون وجود الأب
وفي مصر تشغل الولاية التعليمية مجتمع النساء، فكثير من السيدات لا يستطعن تحويل أطفالهن إلى مدارس يرغبن فيها، أو التقديم لهم دون وجود الأب.
وفي حال تقدم الأم للحصول على الولاية التعليمية، قد تطول إجراءات ونظر القضية في المحاكم. وربما لا ينتهي الأمر بالحكم لصالح الأم. كما أن القانون الجديد لا يعطي للأم ولاية على أطفالها في كل ما يتعلق بالصحة والسفر وإصدار الأوراق الرسمية وغيرها من المعاملات التي تكون حصرًا في يد الزوج أو الأب.
ولاية على تعليم النساء
قالت النساء اللواتي أجرت المنظمة مقابلات معهنّ إنّ أولياء أمورهنّ منعوهنّ من الدراسة في الخارج أو ارتياد جامعات مختلطة في قطر، ما حدّ من مجالات دراساتهنّ وبدء مسيرة مهنية في المستقبل. إذ يجب على المرأة نيل إذن ولي أمرها بشكل غير مباشر لنيل منحة حكومية ومتابعة دراساتها العليا.
أيضًا أفادت النساء عن مواجهة قيود في “جامعة قطر” الحكومية التي تفصل بين النساء والرجال. منها حاجتهن إلى إذن أولياء أمورهن لدخول الجامعة أو مغادرتها بسيارة أجرة، والإقامة في السكن الطلابي، والقيام برحلات ميدانية كجزء من دراستهن.
الرد الحكومي على سياسات التمييز ضد المرأة
من جهتها، قالت الحكومة القطرية في ردها المكتوب على تقرير المنظمة “إنّه يمكن للنساء أن يكنّ وَليات الأمر لاستصدار جوازات سفر أو بطاقات شخصية لأطفالهنّ، ولسْنَ بحاجة إلى إذن وليّ أمرهنّ لقبول منحة أو العمل في الوزارات، أوالمؤسسات الحكومية، أو المدارس”. وأكدت السلطات أن موافقة وليّ الأمر ليست ضرورية للرحلات الميدانية التعليمية في جامعة قطر التي تشكل جزءا من البرامج الأكاديمية.
وذلك بخلاف ما جاء في تقرير المنظمة، بما فيها المقابلات ومراجعة الوثائق، مثل استمارات المدارس والعمل التي تطلب إذن وليّ الأمر، التي تتعارض مع تصريحات الحكومة.
شهادات نسائية على التمييز
في المقابل أورد التقرير شهادات نساء قطريات لـ”هيومن رايتس”، أقررن فيه بحاجتهن إلى إذن ولي الأمر للعمل في وظائف حكومية كثيرة،. بما فيها الوزارات والمدارس الحكومية، بينما لا يوجد أي نص قانون بذلك.
“هيومن رايتس” لفتت أيضًا إلى الانتهاك الخاص بضرورة حصول النساء القطريات غير المتزوّجات دون سن 25 عاما على إذن وليّ أمرهنّ للسفر إلى الخارج. وأنّ الزوج أو الوالد قادر على منع المرأة من السفر مهما كان عمرها.
أوقف مسؤولون في المطار بعض النساء المسافرات من دون قريب ذكر. وأصرّوا على الاتصال بأولياء أمورهنّ لإثبات أنهنّ لا يحاولن “الهروب”
في عام 2020، أوقف مسؤولون في المطار بعض النساء المسافرات من دون قريب ذكر. وأصرّوا على الاتصال بأولياء أمورهنّ لإثبات أنهنّ لا يحاولن “الهروب”. كما أوقفت السلطات نساء قطريات غير متزوّجات أقل من 25 عاما يحملن تصاريح سفر صالحة، ونساء فوق 25 عاما ليس من المفترض أن يحتجن إلى إذن مماثل.
وفي شهادات أخرى قالت النساء إنهنّ اضطُررن إلى إبراز إثبات زواج للحصول على بعض خدمات الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية، مثل الرعاية السابقة للولادة، والصورة الصوتية عبر المهبل، ومسحة عنق الرحم، ومعاينات الصحة الجنسية.
القانون المصري أيضًا الخاص بالأحوال الشخصية يحرم المرأة من شخصيتها القانونية. كما يلغي أهليتها من قبيل أن الرجل هو الذي يحق له الكلمة العليا في شؤون الأسرة. ولا ينبغي للسيدات أن يسافرن بمفردهن ومن دون إذن. ولا ينبغي أن يحصلن على ميراث مساو للذكر، ولا تتمتع الأم بالوصاية على أولادها عند وفاة الزوج إلا بعد تنازل الجد لها.
الرعاية الصحية تحت سيطرة الرجل
كما احتجن إلى موافقة أزواجهنّ لبعض أشكال الرعاية الصحية الإنجابية المتعلّقة بالحمل، مثل التعقيم والإجهاض، كما تمنع بعض الفنادق النساء القطريات غير المتزوّجات دون 30 عاما من حجز غرفة من دون رفقة قريب ذكر، وتُحرم النساء من حضور بعض الفعاليات والدخول إلى أماكن تقدّم الكحول.
تحت وسم “الولاية حقي” أبرزت بعض النساء رفض الجهات الصحية إجراء عمليات تخص إزالة الرحم، إلا بعد موافقة ولي الأمر، وكذلك الإجهاض، حتى وإن كان للأمر تأثير سلبي على حياتهن
وكذلك تخضع المواطنات الأجنبيات في قطر اللواتي يعتمدن على الزوج أو الوالد ككفيل لتأشيراتهنّ لضوابط مشابهة لتلك السارية في نظام ولاية الرجل، كما تحتاج النساء إلى إذن كفيل التأشيرة للحصول على رخصة سوق، أو العمل، أو نيل منحة حكومية للدراسة في قطر.
وخلال وسم “الولاية حقي” أبرزت بعض النساء رفض الجهات الصحية إجراء عمليات تخص إزالة الرحم، إلا بعد موافقة ولي الأمر، وكذلك الإجهاض، حتى وإن كان للأمر تأثير سلبي على حياتهن.
الولاية والمضايقات الأمنية
قالت أغلبية النساء اللواتي أُجريت معهنّ مقابلات إنّ القواعد أثرت بشكل كبير على قدرتهنّ على عيش حياة مستقلّة، كما أفاد البعض الآخر أنّ ذلك أثّر في صحتهنّ النفسية، وأسهم في أذية أنفسهنّ، والاكتئاب، والتوتّر، والتفكير في الانتحار.
وفي حين أصبحت النساء في قطر أكثر تعبيرًا عن حقوقهنّ، خصوصا عبر الإنترنت، وجدت المنظمة أنّ القوانين التي تقيّد حرية التعبير وتكوين الجمعيات، والتخويف الذي تمارسه السلطات، والمضايقات على الإنترنت ما تزال تشكّل عراقيل جدية في غياب منظمات مستقلّة لحقوق المرأة.
تتناقض قواعد نظام ولاية الرجل مع بعض القوانين القطرية التي تنصّ على إنهاء الولاية بعمر 18 عاما، كما تنتهك الدستور القطري والتزامات البلاد بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان
وللمفارقة تتناقض قواعد نظام ولاية الرجل مع بعض القوانين القطرية التي تنصّ على إنهاء الولاية بعمر 18 عاما، كما تنتهك الدستور القطري والتزامات البلاد بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
من جانبها، قالت الباحثة بيغم “من خلال ترسيخ قواعد ولاية الرجل، تخذل قطر النساء، وتتراجع مقارنةً بالبلدان المجاورة، علما أنها كانت أحيانا في موقع قيادي على هذا الصعيد”.
وعلى الجانب المصري تتعدد القوانين، وكذلك مواد الدستور التي تساوي بين الرجل، والمرأة أمام القانون، إلا أن للواقع وجهة نظر أخرى، كما أن تحويل مسودة قانون الأحوال الشخصية إلى المؤسسة الدينية، بمعزل عن الحوار المجتمعي الجاد، لا يعكس التصاريح المتفائلة للدولة عن وضع المرأة بشكل عام.