بحالة من التوجس، تراقب القاهرة المبادرة الإماراتية بشأن تهدئة النزاع الحدودي بين إثيوبيا والسودان، خاصة مع عدم توجيه دعوة رسمية إلى مصر لحضور الاجتماعات التي انعقدت في أبو ظبي على مدى اليومين الماضيين، رغم أن المبادرة معنية بإيجاد سبيل لوقف النزاع حول سد النهضة بين دول حوض النيل.

كان مجلس الوزراء السوداني قد ناقش في اجتماع له الأسبوع الماضي المبادرة الإماراتية للتوسط من أجل حل الخلافات مع إثيوبيا، وتم الإعلان عن قبولها حيث سافر وفد وزاري يضم وزيري الدفاع والخارجية لأبو ظبي يوم الجمعة ومن المنتظر أن يتم الإعلان عن نتائج الاجتماعات اليوم الأثنين.

ويتنازع السودان وإثيوبيا على منطقة الفشقة الخصبة التي تصاعد فيها التوتر مؤخرا، في وقت قر نحو 60 ألف لاجئ باتجاه السودان من المعارك التي وقعت في إقليم تيغراي بين القوات الحكومية الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي التي كانت تهيمن على المنطقة.

وأعلن وزير الإعلام السوداني، حمزة بلول، يوم الثلاثاء الماضي، أن المبادرة الإماراتية لا تشمل ملف النزاع على الحدود مع إثيوبيا فقط، لكنها تشمل أيضا ملف سد النهضة الذي تشيده إثيوبيا على النيل الأزرق، حيث تم دراسة اقتراح الوساطة الإماراتية من قبل مجلس الوزراء الانتقالي وتم تأيده بعد دراسته على المستوى الوزاري.

وتأتي المبادرة الإماراتية بعد موقف سابق بالالتزام بالقرار العربي الصادر عن الاجتماع الوزاري العربي بشأن سد النهضة واعتبار الأمن المائي لمصر والسودان جزء من الأمن المائي والقومي العربي، وتأكيد وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد أل نهيان، في تصريحات له العام الماضي، بمساندة بلاده لمصر ومواجهة أي مخاطر قد تضر مصالحها في مياه النيل، وذلك خلال تحركات دبلوماسية مصرية استهدفت الدعم والمساندة الخليجية لموقفها الرافض لأي تحركات أثيوبية أحادية تتعلق بملء خزان سد النهضة ورفضها التوقيع على اتفاق شامل يحكم قواعد ملء وتشغيل السد.

 

اقرأ أيضا:

مع اجتماع أبوظبي: هل من تحولات في مشهد سد النهضة

بداية الوساطة

بدأت محاولات الوساطة الإماراتية بين السودان وإثيوبيا رسمياً في يناير الماضي، حين زار وفد من وزارة الخارجية الإماراتية الخرطوم وإثيوبيا في محاولة لتقريب وجهات النظر وكسر الجمود بعد توقف المفاوضات التي يراعاها الاتحاد الأفريقي، حيث التقى الوفد بمسؤولين في وزارتي الخارجية والري.

وتزامنت الوساطة الإماراتية مع محاولات سعودية موازية شملت زيارات للخرطوم وإثيوبيا من قبل وزير الدولة للشؤون الأفريقية أحمد قطان في فبراير الماضي، لعرض الوساطة والدعوة لعقد قمة لرؤساء مصر والسودان وإثيوبيا، إلا أنها لم تلق ترحيباً واسعاً من القاهرة رغم لجوء القاهرة لطلب الدعم الخليجي في مراحل مختلفة من النزاع مع إثيوبيا حول السد.

لم تكن المفاوضات بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا منذ التوقيع على اتفاق المبادئ في مارس 2015 تجرى عبر أي وسيط رغم استمرار النزاع والخلافات في الرؤى الخاصة بكل دولة فيما يتعلق بأليات ملئ وتشغيل السد، حيث اقتصرت جولات التفاوض التي تمت تحت رعاية أمريكا والبنك الدولي والاتحاد الأفريقي على كونهم مراقبين.

ولا تزال إثيوبيا ترفض أي مطالب مصرية وسودانية بإعطاء دور أكبر للوسطاء للفصل في النزاعات الناشئة حول بعض البنود سواء الفنية أو القانونية في الاتفاق المزمع حول قواعد ملء وتشغيل السد.

تقارب إماراتي إثيوبي

مؤشرات كثيرة تكشف التقارب والدعم الإماراتي الكبير لنظام أبي أحمد في إثيوبيا بخاصة في حربه الأخيرة على إقليم التيجراي، حيث كان المتحدث باسم جبهة تحرير شعب التجراي قد أعلن عن دعم إماراتي للحكومة الإثيوبية بطائرات حربية في حربها ضد الإقليم.

وكشف تقرير سابق لرويترز  ملامح الدور الذي لعبته الإمارات خلال هذه الحرب، في ظل تبنيها موقفا داعما للحكومة الإثيوبية في مواجهة جبهة تحرير شعب تيغراي.

وأفاد مسؤولون ودبلوماسيون من الإمارات وإثيوبيا بأن البلد الخليجي الغني بالنفط اكتسب نفوذا متزايدا في المنطقة في السنوات القليلة الماضية.

وبحسب التقرير، دخلت الإمارات المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات مدفوعة من جهة برغبتها في أن تلعب دورا في اقتصاد إثيوبيا الذي يحقق نموا، ومن جهة أخرى بخشيتها من أن يكتسب خصوم مثل إيران وقطر موطئ قدم لهم في القرن الأفريقي

ويرى مراقبون أن المصالح الخليجية بخاصة الإمارات والسعودية بدأت تقوى في الفترة الأخيرة وهوما يمكن رصده في تضاعف حجم الاستثمارات الخليجية خصوصا استصلاح الأراضى بملايين الأفدنة، وزيارة مسؤولين خليجيين لسد النهضة ومشاركة بعض المستثمرين الخليجيين بتزويد السد بالأسمنت، بل وتوجيه تبرعات فى بناء السد، وهناك دول خليجية قدمت قروضا لأديس أبابا فى مجالات اقتصادية متعددة منها قطاع الطاقة.

يذكر أن الامارات تأتي في مقدمة الدول الأجنبية المستثمرة في إثيوبيا حيث يصل عدد مشروعاتها الاستثمارية إلى ما يقرب من 92 مشروع حيث، فوفقاً لإحصاءات هيئة الاستثمار الإثيوبية ووزارة الاقتصاد الإماراتية، فإن حجم استثمارات “أبناء زايد” في إثيوبيا تقدر بنحو 3 مليارات دولار، من أشهرها مصنع شركة الخليج للصناعات الدوائية “جلفار” الذي تم تدشينه قبل 3 سنوات، ومصنع رأس الخيمة للسيراميك الذي بدأ إنتاجه في 2015، فيما ارتفعت قيمة الصادرات الإثيوبية إلى الإمارات من 14 مليون درهم اماراتي فقط في 2002 إلى 300 مليون درهم في 2013، وقفزت الصادرات الإماراتية من 180 مليون درهم إلى 1.5 مليار درهم في الفترة ذاتها، حسب سفارة إثيوبيا بالإمارات.

ولحماية استثماراتها، وقعت الإمارات مع الحكومة الاثيوبية اتفاقية تعزيز وحماية الاستثمار المتبادل، استغرق التفاوض حولها خمسة أشهر، من أجل توفير الحماية للمستثمرين الإماراتيين والسماح لهم بالانخراط في مختلف القطاعات في إثيوبيا دون خوف من أي إجراءات مستقبلية تهدد استثماراتهم.

ولم يقتصر التقارب على مستوى العلاقات الاقتصادية وزيادة حجم الاستثمارات، إلا أن التقارب السياسي مع إثيوبيا بات مدخلاً للإمارات لإقليم شرق أفريقيا بخاصة مع الدور الذي لعبته الإمارات في المصاحلة الإثيوبية الإريترية قبل 2018 حتى تم توقيع اتفاق السلام التاريخي وإنهاء عقود من النزاع والعداء التاريخي بين الجارتين، حيث نسبت الإمارات لنفسها الفضل في هذه المصالحة.

هذا التقارب اللافت تسبب في إزعاج القاهرة خلال الفترة الأخيرة، التي كانت تأمل في الاستفادة من الدور الإماراتي للضغط على إثوبيا لحلحلة قضية سد النهضة، وليس لتقوبة نفوذها في منطقة القرن الأفريقي.

فرص نجاح المبادرة الإماراتية

رغم عدم قدرة المراقبين الدوليين والإقلميين تحقيق اختراق والدفع لإنجاح عملية التفاوض خلال الجولات السابقة، إلا أن مراقبين للشأن الأفريقي يرجحون إمكانية نجاح الوساطة الإماراتية بالنظر إلى المصالح الاستراتيجية التي أصبحت تربط الخليج بإثيوبيا من استثمارات، كذلك حرصها على تحقيق الاستقرار السياسي في مصر والسودان من خلال تأمين المصالح المائية للدولتين قد يدفع في إطار تقديم أطروحات جديدة تستجيب لها كل الأطراف.

وتتجه المعلومات المتاحة حتى الآن إلى عروض استثمارات سخية من الإمارات لكل من السودان وإثيوبيا، ودعم الاقتصاد وهو المطلب الذي بات ملحاً للدولتين بخاصة مع المشاكل الاقتصادية بخاصة السودان الذي يشهد تحديات بالغة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي بعد الثورة السودانية وارتفاع غير مسبوق لمعدلات التضخم والبطالة والفقر.

يرى مراقبون أن نجاح الدور الإماراتي في إنهاء النزاع التاريخي بين إريتريا واثيوبيا حتى توقيع اتفاق السلام بينهما قد يكون مؤشر لنجاح الوساطة بين السودان وإثيوبيا، حيث استطاعت الإمارات عبر نفوذها غير المسبوق في أريتريا المعولة دبلوماسياً بتسهيل الحوار بينها وبين إثيوبيا وذلك عبر استغلال علاقتها بأسمرة التي تمتلك فيها قاعدة عسكرية.

إلا أن الوساطة الإماراتية قد لا يكون لها تأثير قوي في المرحلة الحالية في النزاع حول سد النهضة إذا ما أصرت إثيوبيا على الملء الثاني للسد من دون التوقيع على اتفاق شامل يحكم قواعد مل وتشغيل السد مع مصر والسودان، لا سيما وأن إثيوبيا تعانى ظروف داخلية صعبة، كما أنها اقتربت بشدة من تحقيق أهدافها بالهيمنة على النيل الأزرق.

وليس من المتصور أن تقدم تنازلات إلا نتيجة ضغوط قوية، فالسعودية قد يمكنها تقديم حوافز أو منح أو مساعدات، ولكنها لا تمتلك القدرة على فرض الضغوط .

وتتجه التوقعات بإمكانية إحداث اختراق في الموقف الإثيوبي في حالة توافر مبادرة دولية جادة يشترك فيها القوى الخليجية الفاعلة وتدعمها الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، حتى لا تقتصر المبادرة المطروحة في محاولة لفرض وجه نظر بعينها أو الضغط بهدف تحقيق اختراق سياسي يضيف لرصيد أي من دول الخليج في المنطقة.

ويبقى الموقف المصري الرسمي حتى الآن بالتمسك بمقترح الوساطة الرباعية لحل الخلاف حول البنود المتنازع عليها في الاتفاق الشامل حول سد النهضة، إذ لم تعلن القاهرة أي مواقف رسمية عن قبول وساطة أو مبادرات للإمارات أو غيرها من دول الخليج التي كانت يوما هدفاً لمصر لممارسة أي من الضغوط على إثيوبيا لحماية مصالح مصر في مياه النيل.