انتقال الفيروس من الخفافيش إلى البشر عبر حيوان آخر أصبح هو “السيناريو الأكثر ترجيحًا”، ضمن أسباب انتشار أكبر وباء عرفته البشرية، والمسمى بـ”كوفيد 19″. وذلك بحسب دراسة مشتركة بين منظمة الصحة العالمية والصين حول أصول الوباء. كما لفتت إلى أن مسألة تفشي الجائحة من مختبر “غير مرجحة للغاية”، ووفقاً لمسودة نسخة من الدراسة حصلت عليها وكالة “أسوشيتد برس”.
وبعكس المتوقع تأتي نتائج الدراسة بعد أكثر من عام على انتشار كورونا، والذي بدأ انطلاقه من الصين، لتبرأ ساحتها. وذلك بعد أن وجّه العالم أصابع الاتهام إلى بكين، على خلفية الفرضية القائلة إن الفيروس كان نتيجة عملية تخليق داخل معامل “ووهان”.
وكان مسؤول في منظمة الصحة العالمية قد أعلن أواخر الأسبوع الماضي، أنه يتوقع أن تكون الدراسة جاهزة خلال الأيام القليلة المقبلة. وكانت منظمة الصحة عدلت عن نشر تقرير أولي نهاية فبراير دون تبرير ذلك؛ مما أثار المزيد من التساؤلات حول نتائج الدراسة.
السيناريوهات المتوقعة
وأشارت المعلومات إلى أن الباحثين وضعوا 4 سيناريوهات، خلصوا فيها إلى أن انتقال الفيروس من الخفافيش إلى البشر عبر حيوان ثالث أمر مرجح للغاية، كما أن الانتشار من خلال منتجات غذائية ممكن، لكنه غير محتمل.
وبداية تفشي الوباء أوائل العام الماضي اعتبرت الأبحاث أن فيروس سارس-كوف-2، الذي يرتبط جينيًا بفيروس كورونا قد انتقل إلى البشر بشكل طبيعي وربما عن طريق حيوان وسيط، وهو الخفاش.
النسبة الكبيرة من الإصابات الأولى في ديسمبر 2019 وحتى يناير من العام اللاحق، بسوق هوانان للأسماك في ووهان الذي كان يبيع أيضا حيوانات برية، كما يُشتبه أن يكون هذا السوق مصدر الوباء أو لعب دورا مهما في تفشيه.
من جهة أخرى، ترجح بعض النظريات أن التقارير التي تحدثت عن نشأت فيروس كورونا في سوق ووهان للحيوانات مجرد “سحابة دخان”، وتؤكد أن الفيروس ليس من الطبيعة وأنه من صنع الإنسان، في اتهام للحكومة الصينية بأنها هي من صنع الفيروس عن طريق مختبر ووهان للفيروسات الذي أصلا أجرى تجارب عدة على الخفافيش.
منظمة الصحة العالمية في الصين
وأمام هذا الموقف المتناقض أرسلت منظمة الصحة العالمية فريقاً إلى الصين للتحقيق أوائل العام الجاري. وبعد إقامة لمدة 4 أسابيع في ووهان، منها أسبوعان في الحجر الصحي في فندق، أنهى الخبراء الدوليون المشهود لهم من قبل نظرائهم في اختصاصاتهم المختلفة والذين كلفتهم منظمة الصحة العالمية بهذه المهمة، دون استنتاجات نهائية.
وفي التاسع من فبراير، اكتفى الخبراء خلال مؤتمر صحفي في ووهان دام ساعات بتقديم الفرضيات الأكثر ترجيحا في رأيهم واستبعدوا أخرى.
ومع ذلك، حاول المسؤولون في منظمة الصحة العالمية إيصال الرسالة قبل أن يغادر الخبراء الصين، ولفتوا إلى أن اكتشاف مصدر جائحة بدقة يستغرق عادة سنوات.
ونوقشت الاحتمالات المتوقعة لوصول الفيروس إلى ووهان، وهي أن خفاشاً يحمل الفيروس أصاب إنساناً بالعدوى، أو أن خفاشاً أصاب حيواناً من الثدييات كان وسيطاً في نقل العدوى للإنسان.
واحتمال آخر يفترض أن شحنات من الأطعمة الباردة أو المجمدة، أو مختبر لأبحاث الفيروسات في ووهان.
الصحة العالمية بين ترامب وبايدن.. “مخاوف جدية” وتحقيق جديد
وعادت منظمة الصحة العالمية لتنال الدعم من الإدارة الأمريكية، بعد أن تخلت عنها إدارة دونالد ترامب لاتهامها بالتساهل مع الصين.
ورغم تغيير الرئيس الديمقراطي لهجته تجاه منظمة الصحة، لا يزال لدى الولايات المتحدة “مخاوف جدية” بشأن تحقيق المنظمة، وقد طلبت من بكين تقديم مزيد من المعلومات.
كما دعا السفير الأوروبي لدى الأمم المتحدة في جنيف والتر ستيفنز مؤخرًا إلى أن يكون هذا التقرير “شفافًا للغاية ويجيب على الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا جميعا”.
وفي رسالة مفتوحة، دعا 24 باحثا دوليا إلى إجراء تحقيق جديد ومستقل وأكثر عمقا، ونددوا بـ”القيود البنيوية” المفروضة على عمل خبراء منظمة الصحة العالمية خلال زيارتهم للصين.
وأكد خبراء منظمة الصحة العالمية السماح لهم بالوصول إلى كل المواقع ومقابلة جميع الأشخاص الذين طلبوا لقائهم. لكن رئيس الفريق بيتر بن امباريك طلب “المزيد من البيانات والمعلومات” للمضي أبعد في التحقيق.
كيف تسير عملية التلقيح حول العالم؟
في سباق مع الوقت تحاول دول العالم تلقيح كامل شعوبها ضد الفيروس القاتل، ولكن طرح اللقاحات على النطاق العالمي لم يكن متساويًا بأي حال.
تمكنت بعض البلدان من الحصول على اللقاحات ومنحه لنسب كبيرة من سكانها، ولكن كثيرا من البلدان الأخرى ما زال ينتظر دوره في الحصول على اللقاح.
وفي مصر تعطي الدولة الأولوية في منح الدورة الأولى من التطعيمات لكبار السن، العاملون في القطاع الصحي، إلى جانب المصابين بحالات سريرية تعرضهم لمخاطر.
وفي دول كإسرائيل وبريطانيا، ظهرت بالفعل أدلة تشير إلى أن اللقاح قلل من ضرورة إدخال المرضى إلى المستشفيات وقلل من عدد الوفيات وانتشار الفيروس في المجتمع عموما.
ولكن بينما أطلقت معظم دول القارات الأوروبية والأمريكية الشمالية والجنوبية برامج التطعيم، لم تفعل ذلك إلا حفنة من الدول الإفريقية بحسب تقرير نشرته هيئة الاذاعة البريطانية.
مديرة شؤون التنبؤات الدولية لدى وحدة معلومات مجلة الإيكونوميست أغاثا ديمارايس، بحثت في قدرة الإنتاج العالمية للقاحات علاوة على كفاءة البنية التحتية الصحية الضرورية لإيصال اللقاح إلى مستحقيها، وعدد السكان الذي ينبغي أن تتعامل معه الدول المختلفة، فضلا عن إن كان بمقدورها تحمل نفقات كل ذلك.
صراع الأغنياء والفقراء
وكالعادة شاب الأمر منافسة بين الأغنياء والفقراء، فالولايات المتحدة وبريطانيا تتوفران على كميات كافية بل وزائدة من اللقاحات في الوقت الراهن، أما الدول الغنية الأخرى، مثل كندا ودول الاتحاد الأوروبي، فهي متخلفة عن ذلك إلى حد ما. وبالعكس بالنسبة لأغلب الدول النامية، التي لم تشرع في حملة التطعيم لمواطنيها أصلا.
وكانت كندا واجهت انتقادات عديدة في أواخر العام الماضي لشرائها خمسة أضعاف ما تحتاجه من اللقاحات لتطعيم سكانها، ولكن يبدو أن السلطات الكندية لم تتخذ الإجراءات الضرورية لتطعيم ذوي الأولويات.
كما تعتمد دولة الإمارات بقوة على لقاح سينوفارم الصيني، إذ شكّل نحو 80 % من اللقاحات المعطاة في تلك الدولة في شهر فبراير. كما تعكف دولة الإمارات على بناء منشأة لإنتاج لقاح سينوفارم حاليا.
وحول استغلال الصين للجائحة تقول أغاثا ديمارايس إن “الصين توفر المنشآت الإنتاجية والعاملين المدربين، ولذا ستحصل على نفوذ طويل الأمد، كما سيجعل ذلك من العسير جدا أن ترفض الحكومات المتلقية طلبات الصين لأي شيء في المستقبل”.
“كوفاكس” ومحاولات الحل
أما مبادرة كوفاكس فتقودها منظمة الصحة العالمية وتحالف اللقاحات غافي، ومركز الاستعداد للأوبئة. ويهدف هذا التحالف إلى توفير اللقاحات إلى كل دول العالم بأسعار معقولة.
وتتعهد المبادرة بتزويد كميات من اللقاحات تكفي لتطعيم 20% من سكان الدول المستحقة، وتعد غانا أول دولة تستلم اللقاحات من خلال هذه المبادرة، وذلك في فبراير الماضي. وتخطط كوفاكس لإيصال نحو ملياري جرعة من اللقاحات بحلول نهاية العام الحالي.
تخطط كوفاكس لإيصال نحو ملياري جرعة من اللقاحات بحلول نهاية العام الحالي وتتعهد بتطعيم 20% من سكان الدول المستحقة
ولكن خطة “كوفاكس” تتعرض للتقويض لأن العديد من الدول المشاركة فيها تتفاوض بشكل منفرد للحصول على اللقاحات، ويشتكي المعنيون من أن زعماء كل الدول الأفريقية تقريبا يتصلون من أجل الحصول على اللقاحات بشكل مستقل.
ولا تشعر أغاثا ديمارايس ووحدة معلومات الإيكونوميست بالتفاؤل بما قد تحققه كوفاكس أيضا، فحتى لو جرت الأمور كما هو مخطط لها، لا تهدف الخطة إلا لتطعيم 20 إلى 27% من سكان أي بلد هذا العام.
التحوّر يقوّض التلقيح
وحسب التقديرات التي وضعتها ديمارايس لوحدة الإيكونوميست للمعلومات، قد لا تحصل بعض الدول على تطعيم كامل قبل حلول عام 2023، أو قد لا تحصل عليه بالمرة.
المشكلة في هذا السيناريو تتلخص في أنه إذا وجد الفيروس مكانا للانتشار، فسيكون بإمكانه التحور والانتقال إلى أماكن أخرى، وسيستمر تطور تحويرات جديدة مقاومة للقاحات.
تسبب الفيروس في وفاة أكثر من 2,768,431 شخصا في العالم منذ أبلغ مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين عن ظهوره نهاية ديسمبر 2019.
وعلى بعد عام وعدة شهور، تسبب الفيروس في وفاة أكثر من 2,768,431 شخصا في العالم منذ أبلغ مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين عن ظهوره نهاية ديسمبر 2019.
وكان تعداد أجرته وكالة “فرانس برس”، تأكدت إصابة أكثر من 126,070,470 شخصا بالوباء، فيما تعافت الغالبية العظمى من المصابين رغم أن البعض استمر في الشعور بالأعراض بعد أسابيع أو حتى أشهر.