يأبى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الاختفاء عن وسائل الإعلام والتواصل، جسدت ذلك عبر ولايته المنتهية بحضور طاغٍ في المشهد الذي جعله مثيرًا للجدل في أغلب أوقاته.

من أجل ذلك أطلق ترامب موقعًا إلكترونيًا خاصًا تحت اسم “45 أوفيس دوت كوم“، بغرض التواصل مع مؤيديه حول العالم، وعلى وجه الخصوص الأمريكيون.

غاب ترامب عن الأنظار لفترة ليست بالقليلة، حتى بدت ملامح العودة بتصريحات قبل أسبوعين لجيسون ميللر مستشار الرئيس الأمريكي السابق، عبر قناة “فوكس نيوز” حين أعلن اقتراب ترامب من تدشين موقع إلكتروني للتواصل مع مؤيديه.

وقال ميللر في لقاء تلفزيوني: “أعتقد أننا سنشهد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى وسائل التواصل الاجتماعي في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر على الأرجح، لافتًا إلى أن المنصة ستكون بشكل مختلف وطريقة عرض وتعاطي مع الأحداث بشكل يناسب المواطن الأمريكي.

وأضاف مستشار ترامب أن “المنصة الجديدة ستكون الأكثر شعبية بين وسائل التواصل الاجتماعي وستحظى باهتمام كبير، من خلال متابعة الملايين لها”. وأكد أن المنصة الجديدة من شأنها أن تعيد تعريف اللعبة بالكامل – في إشارة إلى سباق السيطرة على جمهور السوشيال ميديا –، ملمحًا في هذا السياق إلى أنها ستكون مفتوحة للجميع وباللغة الإنجليزية.

حجب ترامب إلكترونيًا

خطوة التفكير في منصة خاصة، خطرت لترامب بعد تجميد كافة حساباته على موقعي تويتر وفيسبوك (الأكثر انتشارًا)، على خلفية أحداث الشغب التي جرت في مبنى الكابيتول بالعاصمة واشنطن.

وكان مبنى الكابيتول شهد هجومًا من قبل أنصار “ترامب”؛ مما ترتب عليه مقتل خمسة مواطنين، من بينهم ضابط شرطة مكلف بحراسة المبنى. ومثلت تلك الحادثة نقطة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، بوصفها حادثة هزت أسس الديمقراطية الأمريكية.

وفي فبراير الماضي، فشل مجلس الشيوخ الأمريكي في استصدار قرار بإدانة دونالد ترامب بتهمة التحريض على العنف، بعد أحداث اقتحام مبنى الكونغرس في 6 يناير.

مثّل موقع “تويتر” لدى ترامب منبرًا أساسيًا لمخاطبة مؤيديه، لذا قرر موقع التواصل تجميد حساب الرئيس الأمريكي السابق لمدة 12 ساعة. ومن ثم عادت الشركة المالكة للموقع لتأكيد أنها علقت حسابات ترامب على تويتر وفيسبوك حتى تضمن ألا يتم سفك مزيد من الدماء؛ جراء تحريض أنصاره على اقتحام مبنى الكابيتول.

ولجأ ترامب إلى وسائل التواصل في محاولة لتجاوز وسائل الإعلام التقليدية على خلفية مقاطعة الأخيرة له، وعدم فرد مساحات كافية لطرح أفكاره على الناخبين، معتبرًا أن بعض الصحف والمواقع تعمل ضد مصلحة الناخب وضد الرئيس الأمريكي نفسه.

قلة تداول المعلومات المضللة

يبدو أن غياب ترامب عن الساحة الإعلامية كان له تأثير إيجابي على “قلة انتشار المعلومات المضللة، وتراجع كبير في الأكاذيب السياسية”، وفق سياسيين.

قال راسيل مورهيد، مؤلف كتاب “الكثير من الناس يقولون”، وهو عنوان يحمل إشارة إلى أشهر الجمل التي كان يستخدمها ترامب خلال ولايته، إن فترة حجب الحسابات الرسمية لترامب شهدت غياب الأخبار المثيرة للجدل على مواقع التواصل والصحف والمواقع الإلكترونية.

كان لدى ترامب أكثر من 88 مليون متابع عندما جرى تعليق حسابه على “تويتر”، استغلهم جميعًا للتأثير على الرأي العام، والتلويح بوجود تزوير فج في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وحسب كتاب مورهيد، فإن الفترة الأكثر رواجًا للإشاعات كانت خلال الانتخابات الرئاسية، والتي ما زالت آثارها باقية حتى هذه اللحظة في أوساط المجتمع الأمريكي.

ولفت إلى أنه ما زال حوالي ثلث الجمهوريين يعتقدون أن الانتخابات كانت مزورة. ومن المتوقع أن تستمر تلك النظرية قائمة لفترة طويلة.

الإعلام يخسر ماليًا.. يفتقدون الرئيس المثير للجدل

على جانب آخر، نشرت صحيفة فايننشال تايمز تقريرًا تحت عنوان “الإعلام يفتقد ترامب”، رصدت خلاله تراجع مبيعات عدد كبير من المؤسسات الإعلامية؛ نظرًا لغياب عنصر الأخبار الجاذبة والمثيرة للجدل، التي كان يشغل ترامب هذه المساحة بتصريحاته المختلفة.

وحسب التقرير، فإن صحيفة “واشنطن بوست” ضاعفت قاعدة مشتركيها ثلاث مرات خلال رئاسة دونالد ترامب، إلا أن ما حدث في أعقاب رحيل الأخير عن البيت الأبيض كان مفاجأة للجميع، حيث انخفضت إيرادات الجريدة بنسبة 26%. كما انخفضت متابعة صحيفة “نيويورك تايمز” بنسبة 17%، وهو ما يمثل ردة كبيرة في إيرادات الصحيفتين الأكثر انتشارًا في الولايات المتحدة الأمريكية.

وأشار التقرير إلى تراجع نسبة مشاهدات واشتراكات القنوات ذات الاشتراكات المالية. إذ خسرت “CNN” حوالي 45% من جمهورها في أعقاب تنصيب بايدن. فيما كانت قناة “فوكس نيوز” واحدة من القنوات الأقل تضررا لشنها هجوما على جو بايدن.

ولوّح التقرير إلى أن الإعلام بكفتيه (قنوات وصحف) كان مزدهرًا بوجود ترامب؛ نظرا لأحاديثه وتصريحاته المثيرة للجدل، إلا أن غيابه أدى لتقلص مكاسب تلك القنوات.

عودة ترامب الإلكترونية

لم يمر على تصريحات مستشار ترامب إلا أسبوعين حتى فوجئ العالم بإطلاق الرئيس الأمريكي السابق موقعًا إلكترونيًا. وتضمن الموقع صورا خاصة لـ”ترامب” برفقة عدد من الشخصيات التي التقاها خلال ولايته الرئاسية ونبذة عن “إنجازاته سواء خلال دوره كرئيس للولايات المتحدة أو رجل أعمال صاحب ثروة ضخمة”.

ويعرض الموقع على صفحته الرئيسية صورًا لترامب برفقة زوجته ميلانيا ترامب وأفراد في الجيش وزعماء دوليين.

وضمت الصفحة الرئيسية لموقع “45 أوفيس دوت كوم” رسالة جاء فحواها: “مكتب دونالد جيه. ترامب ملتزم بالحفاظ على الإرث الرائع لإدارة ترامب مع إعطاء دفعة لأجندة أمريكا أولا”.

وفي قسم “من نحن؟” بالموقع يجد القارئ موجزًا مكونًا من 850 كلمة، يتم خلالها استعراض ما يقول إنها إنجازات فترة ترامب الرئاسية. بالإضافة إلى تسليط الضوء على عدد من الملفات الهامة التي يزعم أنه حقق فيها نجاحات كبيرة.

يأتي على رأس هذه الملفات “أمن الطاقة والحدود وتعزيز حلف شمال الأطلسي وتحالفات دولية أخرى، وكذلك إدارته لمواجهة جائحة فيروس كورونا”. ويتوقع ترامب أن يكون الحضور بشكل كبير وفعال عبر منصته الخاصة التي ستجمع مؤيديه والمشتركين في أفكاره بأنحاء العالم.