قفزت أسعار النفط العالمية خلال فبراير ومارس، مدعومة باستمرار الخفض الطوعي لإنتاج البترول حتى أبريل المقبل. وكذلك تأثرًا بقرار “أوبك” بتمديد قيود الإنتاج. ما ساعد على ارتفاع سعر خام برنت لنحو 64 دولارًا للبرميل، مقابل 49 دولارًا للبرميل نهاية 2020. تحرك الأسعار جاء للمرة الأولى منذ بداية جائحة كورونا، مدعومًا بتفاؤل المستثمرين الحذر حول عودة الطلب العالمي على النفط واستعادة النشاط الاقتصادي.
وباعتبار مصر من الدول التي تستورد حوالي 40% من احتياجاتها النفطية، فإن ارتفاع سعر خام برنت من شأنه أن يؤثر على تسعيرة الوقود محليًا في ظل اتباع الحكومة برنامجًا لهيكلة تسعيرة الوقود كل 3 أشهر. ومع استعداد لجنة تسعير الوقود لإعلان خريطة أسعار الربع الأخير من العام المالي 2020/2021 “أبريل – يونيو” فإن تحرك أسعار النفط تفتح المجال للتنبؤ بسيناريوهات تأثير هذه الزيادة على السوق الداخلي. وما إن كانت لجنة التسعيرة ستلجأ إلى تحريك الأسعار لمنع تحمل الموازنة العامة للدولة أعباءً إضافة، أم ستُبقي الأسعار على وضعها الحالي مراعاة للظروف الاقتصادية للمواطنين.
تسعير الوقود كل 3 أشهر
وتطبق مصر آلية للتسعير التلقائي لبعض منتجات البترول منذ يوليو 2016 بعد أن وصلت بأسعارها إلى مستوى التكلفة من خلال برنامج نفذته على عدة سنوات لتحرير أسعار الوقود.
وتحدد لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية الأسعار كل 3 أشهر بناءً على التغيير في متوسط الأسعار العالمية في الفترة الماضية مقارنة بسابقتها. إلى جانب التحرك في سعر الصرف، بالإضافة إلى تكاليف الشحن وغيرها.
من بين 6 قرارات اتخذتها لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية منذ يوليو 2019، خفضت اللجنة سعر لتر البنزين مرتين، بقيمة 25 قرشًا في كل مرة
ومن بين 6 قرارات اتخذتها اللجنة منذ يوليو 2019، خفضت اللجنة سعر لتر البنزين مرتين، بقيمة 25 قرشًا في كل مرة، وذلك في أكتوبر 2019، وأبريل 2020. بينما كانت القرارات الأربعة الأخرى، والتي كان آخرها في يناير الماضي، تتمثل في التثبيت. وكثير من بلدان العالم، تربط سعر الوقود بالتغيرات التي تحدث في أسعار البترول العالمية. فإذا ارتفع سعر البترول يرتفع سعر الوقود، وإذا انخفض البترول ينخفض السعر وهكذا.
سيناريوهات متوقعة
تباينت آراء محللي وخبراء الطاقة حول تفكير الحكومة بشأن تسعيرة الوقود المنتظر الإعلان عنها خلال أسبوع. وذهب البعض إلى احتمالية إقرار زيادة جديدة في تسعيرة الوقود خلال الفترة من أبريل وحتى نهاية يونيو، ارتكازًا على الزيادة سعر خام برنت في فبراير ومارس. في حين رجح البعض اتجاه الحكومة لتثبيت الأسعار استنادًا إلى ما تحقيق الموازنة العامة وفرًا في فاتورة استيراد الوقود خلال النصف الأول من 20/2021 بنحو 45%، بسبب تراجع الأسعار العالمية كنتيجة جائحة كورونا.
أسامة كمال: الوفر الذي تحقق في فاتورة استيراد الوقود خلال النصف الأول من العام المالي الحالي يُجنب الدولة اللجوء إلى سيناريو زيادة الأسعار حاليًا
وزير البترول الأسبق أسامة كمال، رجّح تثبت الحكومة أسعار البنزين والسولار 3 أشهر جديدة، عندما تجتمع لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية وتتخذ قرارًا جديدًا بشأن الأسعار في الأيام الأولى من أبريل المقبل.
وتابع كمال، لـ “مصر 360″، أن الوفر الذي تحقق في فاتورة استيراد الوقود خلال النصف الأول من العام المالي الحالي يجنب الدولة اللجوء إلى سيناريو زيادة الأسعار حاليًا. وذهب إلى الأوضاع الاقتصادية التي تعرض لها المواطن خلال الفترة الماضية عقب جائحة كورونا، والتي قد تكون مُبررًا للحكومة لمنع تحريك الأسعار.
استقرار السعر عالميًا
وتوقع الوزير السابق استقرار سعر برميل البترول العالمي خلال الفترة المقبلة قرب 65 دولارًا، وذلك حال عدم حدوث أي ظروف غير طبيعية لها تأثير كبير في الأسواق. وأوضح أن السعر العادل لبرميل النفط في حدود 60 دولارا، وأنه إذا انخفض عن هذا المستوى بأكثر من 5 دولارات يمثل خسارة للمنتجين، والعكس يمثل خسارة للمستهلكين.
اتفقت معه رضوى السويفي، رئيسة قسم البحوث ببنك استثمار فاروس، حيث تتوقع أن تظل أسعار النفط العالمية بين 60 و65 دولارًا للبرميل حتى نهاية 2021، وبالتالي فإن الحكومة قد تثبت أسعار الوقود محليًا لـ 3 أشهر مقبلة.
مصادر بالهيئة العامة للبترول: زيادة أسعار المواد البترولية خلال الفترة من أبريل وحتى يونيو نظرا لوصول سعر خام برنت لـ 66 دولارًا للبرميل خلال الشهرين الماضيين
في حين توقعت مصادر مسئولة بالهيئة العامة للبترول، لـ”مصر 360″، زيادة أسعار المواد البترولية خلال الفترة من أبريل وحتى يونيو، نظرا لوصول سعر خام برنت لـ 66 دولارًا للبرميل، خلال الشهرين الماضيين بمعدل أعلى من المقدر بموازنة الدولة 61 دولارًا للبرميل.
وبحسب المصدر، فإن الزيادة سترتكز إلى تحرك أسعار البترول العالمية بالإضافة إلى تغيير أسعار صرف الدولار مقابل الجنيه، والتي بدأت في الارتفاع مع نهاية الشهر الماضي، مشيرًا إلى أن قرار زيادة الأسعار لن يتجاوز حاجز الـ 10% ارتفاعًا عن سعر البيع الساري حاليًا.
فائض فاتورة سابقة يدعم تثبيت التسعيرة
وزير البترول الأسبق المهندس عبدالله غراب، يقول لـ”مصر 360″، إن وضع السوق العالمية لا زال يتأثر بتراجع الطلب على النفط بسبب تفشي فيروس كورونا، حيث تأثرت الأنشطة الصناعية بمختلف الدول، ما تسبب في حدوث فجوة بين قوى العرض والطب وحدوث تراجعات قياسية بالأسعار طيلة الأشهر الماضية.
وأضاف غراب أن مصر تعد إحدى الدول التي استفادة بشكل مباشر من التراجع الحاد بأسعار النفط، باعتبارها دولة مستوردة للمنتجات البترولية والنفط الخام الذي يتم توجيهه إلى معامل التكرير المحلية للتكرير وتوفير الوقود المحلي.
قيمة الفاتورة الشهرية للوقود تراجعت خلال النصف الأول من العام المالي الحالي بنسبة تتراوح بين 40 و50%، إذ تراوح سعر برميل النفط خلال الفترة من أغسطس وحتى نوفمبر الماضي بين 30 و40 دولارًا للبرميل
ولفت إلى أن قيمة الفاتورة الشهرية للوقود تراجعت خلال النصف الأول من العام المالي الحالي بنسبة تتراوح بين 40 و50%، إذ تراوح سعر برميل النفط خلال الفترة من أغسطس وحتى نوفمبر الماضي بين 30 و40 دولارًا للبرميل، ومن ثم لا يمكن زيادة أسعار الوقود محليًا لمجرد ارتفاع سعر خام برنت بنسب طفيفة عن المقدرة بالموازنة خلال فبراير ومارس.
هل تتأثر الموازنة؟
مصادر مسئولة بالهيئة العامة للبترول، أكدت لـ “مصر 360″، أن الموازنة العامة للدولة للعام المالي الحالي لن تتأثر بالصعود الأخير لأسعار البترول، لأن المستويات التي وصلت لها الأسعار الحالية لا تزال ضمن توقعات الحكومة لمتوسط أسعار البترول عن العام الحالي، وذلك بحساب متوسط سعر البرميل عن العام المالي كاملًا وليس شهرين فقط.
وأضافت المصادر أنه حتى لو ارتفعت الأسعار عن المستويات الحالية خلال الفترة المقبلة، فإن الموازنة لن تتأثر بسبب تطبيق الحكومة سياسة التحوط في حالة ارتفاع أسعار البترول عن المقدر لها في الموازنة.
وتتوقع وزارة المالية أن يصل متوسط سعر البترول خلال العام المالي الحالي إلى 61 دولارا لبرميل خام برنت مقابل سعر تقديري 54.6 دولار للبرميل خلال العام المالي الماضي، بحسب البيان المالي لموازنة عام 2020-2021.
تقييم منحنى الأسعار يُرجح استقرار سوق الوقود محليًا
يقول المهندس مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، إن تراجع أسعار النفط عالمياً خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2020/2021، وفر جزءاً كبيراً من فاتورة الدعم السنوي للوقود، وحقق فائضًا للموازنة العام للدولة بما يقدر بـ 40%. في الوقت الذي أثر فيه تراجع خام برنت سلبًا على الدولة المنتجة والمصدرة للنفط نتيجة تخمة المعرض وتراجع الطلب لتوقف الأنشطة الصناعية حول العالم تأثرًا بجائحة كورونا.
لفت يوسف، لـ”مصر 360″، إلى أن تسعيرة الوقود الجديدة تحدد وفقاً لآليتين؛ الأولى أسعار النفط العالمي والتي تؤثر عليها العديد من المحددات منها ما يتعرض له العالم من أحدث سياسية وصحية تؤثر على كافة الأنشطة الاقتصادية، والآلية الثانية هي سعر الصرف.
7 أشهر من التراجع
وأضاف أن أسعار النفط تراوحت بين 42و48 دولارًا للبرميل طيلة الـ 7 أشهر من العام المالي الجاري 2020/2021، ولم ترتفع الأسعار إلا خلال فبراير ومارس 2021، وبالتالي فإن الوفر الذي حققته الدولة خلال الفترة الماضية من المفترض أن يدفعها لتثبيت الأسعار واستغلال فائض الفترة الماضية في دعم الوقود للمواطن.
مدحت يوسف: أسعار الوقود التي ستعلن في أبريل تُبنى على أساس متوسط أسعار خام برنت القياسي خلال الفترة (يناير – مارس 2021) والتي شهدت تفاوتا سعريا كبيرا
وأوضح أن أسعار الوقود التي ستعلن في أبريل تُبنى على أساس متوسط أسعار خام برنت القياسي خلال الفترة (يناير – مارس 2021) والتي شهدت تفاوتا سعريا كبيرا. وأنه بحساب المتوسط من واقع أسعار يناير وفبراير، والأسعار المتوقعة خلال مارس فإن متوسط الفترة لن يصل لمتوسط سعر البرميل المقدر في الموازنة العامة للدولة خلال العام المالي الحالي عند 61 دولارًا.
وأشار إلى تخوفات شركات التنقيب العالمية من تقلبات الوضع الحالي بسوق النفط، نتيجة ارتفاع تكاليف البحث والتنقيب عن النفط والغاز في الوقت الذي تراجعت فيه أسعار عمليات البيع، نتيجة تأثر حركة التجارة والأنشطة الصناعية بكبريات الدول الصناعية على مستوى العالم، ومن ثم قد تحجم بعض الشركات عن ضخ استثمارات جديدة خلال الوقت الراهن أو على المدى القصير في المشروعات العالمية، وذلك لحين اتضاح الرؤية عالميًا بشأن مستقبل صناعة النفط، لمنع تكبد خسائر مضاعفة.
كيف تراجع دعم الوقود في 6 سنوات؟
يواصل دعم المواد البترولية في مصر، تراجعاته خلال العام المالي الحالي، والتي بدأها العام قبل الماضي. وبحسب طارق الملا وزير البترول فإن دعم المواد البترولية هبط نحو 45% في النصف الأول من السنة المالية الحالية 2020-2021 مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية.
دعم المواد البترولية هبط إلى 8.4 مليار جنيه في النصف الأول من الموازنة التقديرية البالغة 14.1 مليار جنيه، وذلك مقابل 15.25 مليار جنيه قبل عام، وفق وزير البترول.
ويعد دعم المواد البترولية في النصف الأول من العام المالي الحالي أقل من الدعم خلال العام المالي الماضي، وبالتالي يتجه الدعم هذا العام نحو الانخفاض للعام الثالث على التوالي.
في العام المالي الماضي 19/2020 سجل دعم المواد البترولية 18.7 مليار جنيه وخلال النصف الأول من العام المالي الحالي سجل نحو 8.4 مليار جنيه
وشهد دعم المنتجات البترولية في مصر تباينًا واضحًا آخر 6 سنوات ونصف السنة، حيث بلغ إجمالي الدعم خلال العام المالي 14/2015 نحو 73.9 مليار جنيه، وفي عام 15/2016 بلغ 51 مليار جنيه. ثم عاود الارتفاع في العام المالي 16/2017 وسجل نحو 115 مليار جنيه. وسجل أقصى ارتفاع في عام 17/2018 حيث بلغ 120.8 مليار جنيه، لتبدأ مرحلة تقليص الدعم بشكل واضح في عام 18/2019 والذي سجل حينها 84.7 مليار جنيه. وفي العام المالي الماضي 19/2020 سجل 18.7 مليار جنيه، وخلال النصف الأول من العام المالي الحالي سجل نحو 8.4 مليار جنيه، وفق مصادر مسئولة بوزارة البترول.
كيف تتم تعاقدات شحنات الوقود؟
مصادر مسئولة بهيئة البترول أوضحت لـ”مصر 360″، أن التعاقدات الخاصة بشحنات النفط الخام التي يتم الاعتماد عليها في تكرير الوقود تتم لفترات طويلة الأمد مثل عمليات الاستيراد من الكويت والعراق، وذلك يكون وفقًا لتسعيرة ثابتة وفق بنود الاتفاق تجنبًا لتقلبات الأسعار العالمية.
وأضافت المصادر، أن الدولة استفادة خلال السنوات الماضية من تعاقداتها العربية فيما يتعلق باستيراد البترول، حيث منحت بعض الدولة العربية مصر تسهيلات في السداد وفي تسعيرة الوقود.
مصر استفادة خلال السنوات الماضية من تعاقداتها العربية فيما يتعلق باستيراد البترول حيث منحت بعض الدولة العربية تسهيلات في السداد وفي تسعيرة الوقود
أما بالنسبة للتعاقدات الخاصة باستيراد المنتجات البترولية، لفتت المصادر إلى أنها تتم بشكل دوري وشبه شهري؛ لسد حاجة السوق المحلي من الوقود، وهنا يكون السعر وفقًا لبورصة الأسعار العالمية الخاصة بسعر برميل خام برنت وتتأثر تلك التعاقدات بتقلبات خريطة الأسعار.
ويكفي إنتاج مصر من المنتجات البترولية حوالي 60 إلى 70% من استهلاكات السوق المحلية من الوقود. في حين يتم تدبير باقي احتياجات قطاعات الدولة من خلال التعاقدات والاستيراد الخارجي. وتتبنى الدولة حاليًا مخططًا لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الوقود خلال 2023، ارتكازًا على بعض الاكتشافات المتوقع دخولها مرحلة الإنتاج خلال العامين المقبلين -وفق المصادر.