واقعة جديدة في سلسلة العنف المتنامي ضد المرأة شهدتها محافظة مطروح. والضحية هذه المرة طالبة في المرحلة الثانوية.
تعود التفاصيل إلى تعرض فتاة لا تتجاوز 16 عامًا تدعى “أمل.أ.م”، لاعتداء من شاب هاجمها بسلاح أبيض. نقلت على إثره في حالة خطرة لمستشفى الحمام المركزي، التابعة لمدينة الحمام.
الطالبة ذات الـ16 ربيعًا أصيبت بجرح قطعي في الجبهة وجرحين قطعيين في فروة الرأس بطول 20 سم لكل منها. بالإضافة إلى كسر مضاعف مفتوح في اليد اليسرى، نتيجة اعتداء بالسلاح الأبيض أثناء وجودها بالشارع، وفًقا لمصادر طبية.
تفاصيل بشعة
فيما أفاد والد الفتاة بأن ابنته التي تدرس بالصف الأول الثانوي، تعرضت للهجوم أثناء خروجها من الدرس، من قبل شاب حاول خطفها والتحرش بها تحت تهديد السلاح “ساطور”.
وعلى الفور تداول رواد مواقع التواصل صورة “أمل” مع رواية تفيد بأن الجاني حاول أكثر من مرة التعرض للضحية أثناء ذهابها للدروس. المتهم ادعى أنه أراد عرض الزواج عليها إلا أنها كانت تتجنبه وترفض الاستجابة له، ما جعله يستشيط غضبًا بسبب تجاهلها له ورفض ملاحقته لها. حتى اعتدى عليها بسلاح أبيض كان بحيازته محدثًا إصابتها التي كادت أن تنهي حياتها، وتحرر عن ذلك محضر بالواقعة.
الحادث الذي تعرضت له أمل ليس إلا حلقة جديدة في مسلسل الاعتداءات على المرأة الذي برز بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، فبعد ضحية السلام التي أُلقي بها من الدور السادس. هناك الزوجة إسراء عماد التي تعرضت للاعتداء على يد زوجها. وعلى مسافة منهما تقع فتاة المول، الذي شوه وجهها بلطجي.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش صرح خلال العام الماضي: “نحن بحاجة إلى محاربة المرض الذي يدمر عالمنا. وهذا يبدأ بإنهاء المواجهات في كل مكان”. وفي وقت لاحق غرّد: “أطلب من جميع الحكومات إعطاء الأولوية لسلامة النساء”.
الدراسات تشير إلى زيادة وتيرة العنف خلال كورونا
تؤكد الأمم المتحدة، أنه منذ تفجر وباء كورونا، أظهرت المعلومات زيادة كبيرة في كل أنواع العنف ضد النساء. بينما تصف المنظمة هذا العنف المتنامي، بأنه جائحة الظل الموازية للجائحة.
“إحنا من ساعة ما بنتولد بنعاني من العنف من إلى مبتخدمش أبوها وأخوها حتى لو صغيرة”
من شهادات دراسة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن العنف ضد المرأة
إحصاء وأرقام
أفاد تقرير جهاز الإحصاء في عام 2015، بأن 34% من النساء اللاتي سبق لهن الزواج تعرضن لعنف بدني أو جنسي من قبل الأزواج. وتعرضت نحو 90% من السيدات للختان. وزواج أكثر من ربع النساء المصريات 27.4% قبل بلوغهن 18 سنة.
كما ذكر أن نحو 7% من النساء المصريات تعرضن للتحرش في المواصلات العامة، بجانب تعرض نحو 10% منهن للتحرش في الشارع، خلال الـ12 شهرًا السابقة للمسح.
الإحصاء السابق رغم أهميته إلا أنه لايفسر تصاعد وتيرة العنف، أو التغير النوعي في الحوادث المعلنة. كذلك التفسير النفسي، والاجتماعي للظاهرة.
“استباحة النساء”
“من استباحة المواطنين والمواطنات إلى استباحة المرأة”. هكذا فسرت الحقوقية عزة سليمان الأزمة، كما أضافت أن ما يحدث، يعد أحد توابع تناقص هامش الحريات في المجتمع خاصة للنساء. ذلك من واقع كونهم الأدنى في تراتيبية السلطات.
أيضًا التطبيع مع العنف والتعامل معه كأحد المسلمات حتى بالنسبة للسيدات. فمن جانب الرجل “مينفعش حد يقوله لأ”. ومن ناحية المرأة خلق اللاوعي لديها مفهوم “أرضي بقليلك. لأن مفيش حق بيرجع”.
وإلا ما دافع لجوء بعض الرجال للعنف في حال لم تستجب له المرأة سواء جنسيًا أو حتى اجتماعيًا. باعتباره السلطة الأعلى قدرًا من وجهة نظر مجتمعية. أسست لكلمات “استحملي عشان عيالك”، “والرجل ميعيبهوش إلا جيبه” مهما كان يأتي من أفعال على حد قول عزة.
الأخطر في رأي عزة أن التطبيع مع العنف من قبل المجتمع، والتعامل مع المرأة بدونية تسانده الجهات القانونية. تقول “لا يعنيني هنا النصوص بالرغم من إشكالياتها بقدر القائمين على إنفاذ هذا القانون”.
ضربت عزة مثالًا على ذلك من حياتها اليومية في المحاكم والتحقيقات. “لك أن تشاهد الاستنفار من قبل بعض أفراد الجهات المعنية في قضايا الخلع. لا يزال المجتمع الذكوري لايؤمن بأن للمرأة حق في أن تحصل على الطلاق، أو تضع حدًا لمعاناتها مع رجل بنفسها. قبل أن يلفظها هو، باعتبارها مواطن من الدرجة الثالثة والعاشرة ربما”.
تواطؤ المجتمع
تضيف: أما في قضايا التبليغ عن التحرش، أو حالات العنف فنجد تواطؤ مجتمعي، يتلخص في جملة حرام عليكي بلاش تضيعي مستقبله في مقابل المرأة. التي دائمًا ماتردد لو اعتذر بس كنت قبلت وسكت، وهو مفهوم مصدره الخوف من الوصم المجتمعي. والقانون الذي لن ينصفها، وسط تبعات مواجهة السؤال الشهير آيه وداها هناك؟”.
وتوضح: “حتى مع لجوئها للقانون في حال ابتزازها، أو تعرضها للعنف، يشرع الفنيون في محاكمتها قبل القاضي نفسه. فتراها تدخل أقسام الشرطة مترددة، مطأطأة رأسها متوجسة من معاملة الآخر لها. فهي المتهمة دائمًا وأبدًا في سلوكها، باعتبارها وجه الرذيلة، والمحفز عليه. أما محاولات الدفاع عنها، فتقابل بشكل عدائي.
وتضرب سلطان مثالًا بقضية “الفيرمونت”. فهي بالنسبة لها من الجرائم الكاشفة، فالشهود المنوط بالدولة حمايتهم سجنوا واتهموا بالشذوذ والإدمان و”دول ولاد الناس أمال أم محمد وأم سيد الغلابة هيواجهوا ايه لو حاولوا يكلموا، فبيضطروا يسكتوا!!”.
وتعود قضية الفيرمونت إلى استدراج شباب، إحدى الفتيات خلال حفل في فندق “فيرمونت نايل سيتي” إلى غرفة بالفندق بعد تخديرها. قبل أن يتناوبوا على اغتصابها، ونقش حروف أسمائهم الأولى على جسدها.
في حين ألقت قوات الأمن على شهود الواقعة، واحتجزتهم لأشهر. قبل أن تخلي سبيلهم على ذمة قضايا، وتقرر محكمة جنايات القاهرة الإفراج عن أحمد حلمي طولان ومتهمين آخرين بكفالة 100 ألف جنيه. إلا أن النيابة عادت واستأنفت على القرار.
تحول في مستوى العنف أم ارتفاع لمعدل الإفصاح؟
بين خياري، التحول في مستوى العنف من جهة، وقوة الإفصاح على الجهة الأخرى. تدلي مديرة ومؤسسة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، دكتورة ماجدة عدلي بشهادتها، فترجع إلى تسعينيات القرن الماضي.
تتذكر الطبيبة النفسية أثناء انعقاد مؤتمر السكان في القاهرة عام تمهيدًا لمؤتمر بكين الأول 1994. بادرت بتقديم دراسة تدور حول إدراك النساء للعنف الواقع عليهم”. وتضيف: “تضمنت الدراسة نسبة تعرضهن للختان، والتي وصلت إلى 98% آنذاك، فيما مثل ضرب الزوجات نسبة 45% خلال السنة السابقة للبحث فقط. فضلًا عن العنف الجنسي والنفسي، وغيره من الممارسات المسيئة.
تتابع عدلي: “قوبلنا بهجوم حاد من الجميع، حتى على صفحات الجرائد وفي كل محاولة لمجابهة الظاهرة لاحقًا. كما واجهونا بعبارة عاوزين تخربوا بيوت الستات. ولم نسلم حتى من رسامي الكاريكتير، ولا أنسى سلوك جريدة الأسبوع. حين نشروا رسم لسلك شائك بين زوجين على الفراش، وتارة عسكري للحول بين الأزواج في تعبير عن السخرية من مفهوم العنف الزوجي”.
تراث العنف
تضيف: “تكررت الواقعة في عام 1996 عبر الإذاعة الرسمية. حين طلبت لقائي للحديث عن العنف، ورفضت أن نتطرق لموضوعات تخص الاغتصاب، والتحرش”. ووصفت الوضع: “وقتها كنا بنتكلم في حاجات عيب غير مسموح بها. كما أن التكتم المجتمعي كان شديد الحرص آنذاك على إخفاء رأسه في الرمال”.
“ذلك بالرغم من أن طرحنا آنذاك لم يكن يتضمن عقاب بالسجن أو حتى الغرامة، فكانت اقتراحاتنا تتمحور حول العقوبة المجتمعية. ومع ذلك علقوا بالقول عاوزين الرجالة تسلك البلاعات!!” وفقًا لرواية ماجدة.
وعاشت الناس حالة من الإنكار حتى مع فتاة العتبة التي تم اغتصابها أمام الحشد. ومع ذلك لم يكفوا عن التبرير والتساؤل حينها كان: “أيه اللي يخرج البنت لوحدها”.
الإنكار والتكتم شاركت فيها الدولة في أحداث الحضانة، التي تخص مجموعة من الذكور اعتدوا جنسيًا على مجموعة من الأطفال عام 2004. وبرأهم تقرير الطب الشرعي، فقام النديم بتقديم تقرير طبي مواز، وكل به عشر أساتذة جامعات حكومية، لكن لم يتم الالتفات إليه.
حتى جاءت أحداث الاغتصاب الجماعي أثناء تعديل الدستور والواقعة الشهيرة للراحلة نوال علي. التي حاول مجموعة من بلطجية الحزب الوطني اغتصابهم، وحاول النظام حتى رحيلها. وقيام ثورة يناير بالتكتم على الحادث، وانكاره.
أحلام ثورة يناير
التحول في مستوى العنف أحد الخيارات التي لاتزال قائمة في أطروحات ماجدة عدلي حول الأزمة. فهي ترى أن أحدهما ضروري للآخر، وتستدل على ذلك بأحداث ما بعد الثورة.
قالت ماجدة: “اختلطت دماء الجميع في الميدان، تفتحت عيون البنات على عالم جديد، أكثر حداثة، وتعبيرا عن نفسها. ظهرت الكيانات والحركات المستقلة، وأصبح الجميع يحلم بحياة أفضل أيا كان طبقته”.
“زادت معدلات الإفصاح حتى فيما يخص العنف الجنسي من قبل الأهل والزوج، وهو ما أكدته دراسة للنديم. لكن في المقابل تصاعدت وتيرة العنف بعد وهلة، بسبب الهزة المجتمعية”. وفق عادلي.
وصفت ماجدة الحالة بالبركان المشتعل، والحمم تتصاعد منه طاقة خير، وعطاء يقابلها طاقة غضب، وتمرد.
“ومع سوء الأحوال، وتراجعها، ظهرت حالة من الانكسار، أصبحت الطاقات الشبابية غير موجهة، خاصة في ظل التضييق على محاولات تنظيمهم. فأصبح الجهد فردي”. واستطردت ماجدة: “والناس اللي في النص ضاعوا”.
تغييب المجتمع المدني
تتفق الباحثة في النوع الاجتماعي نيفين عبيد مع ماجدة عدلي فتلفت إلى وجود متغيرات اجتماعية وسياسية غيرت من طبيعة المواطن المصري. كما أضافت: “هزائم 10 سنوات، ونسب بطالة غير مسبوقة، ووباء عالمي، لن يدفع ثمنها على الوجه الأكمل، إلا الحلقة الأضعف في المجتمع وهي المرأة”.
كذلك وصفت الوضع بالظاهرة. وقالت “من خلال متابعتي للحالات التي تحتاج فرص للدعم النفسي. أستطيع أن أجزم بأن هناك تصاعد وتكثيف أعمال العنف ضد المرأة، بشكل يحتاج للرصد والدراسة”.
كما تابعت: “بشكل علمي المجتمعات التي تتعرض لضغوط نفسية ومجتمعية، تتسبب في إصابة مواطنيها بحالة مرضية نفسية. ويصبحوا عرضة لأمراض نفسية ذات ميول مسيئة مثل السيكوباتية والنرجسية. كما ترتفع النسبة بين الرجال نظرًا لموقعهم السلطوي الأفضل. بينما تبرز ظاهرة الشخص المؤذي، وإن كان بشكل واع”.
“تكرار العنف لا يمثل المستوى الوحيد للتحديات التي تواجه المرأة، بل أيضًا بوصفه غير اعتيادي. وبشكل يجعل التدخلات الحالية غير مجدية” على حد قول عبيد.
عبيد ترى أيضًا أن النصوص القانونية لم تعد مفتاح الحل. قائلة: “لو الدولة اختارت أن تحد من دور المجتمع المدني في الرصد والتحليل. فعليها القيام بمسؤولياتها، فلم تعد المشكلة بالسهولة التي يمكن الوصول إلى حل لها عبر تغليظ العقوبة. كما قررت من خلال قانون الختان الأخير”.
وكما الحال مع عزة سليمان، أشارت نيفين عبيد إلى تواطؤ الخطاب الرسمي وتبنيه للرجعية كسياسة عامة. ساعدت الرجال في ممارسة الألاعيب حتى بين النساء الأعلى طبقيًا. ما عمق من سلوك الإيذاء وسهّل مهمته. خاصة في ظل منظومة لا تلتفت إلى الوضع النفسي للمواطنين.
إلا أن عبيد قالت أيضًا: “نعيش في مجتمع أن قيمة الرجعية، وتقاليده البالية. وبعيدًا عن مقتضيات الحداثة والتطور، يجب أن تكون بمثابة قيم حاكمة للجميع حتى المختلفين عنها. وعلى من يخالفها تحمل تبعات الرمي من الدور السادس. كما في حالة ضحية السلام، أو الدهس بالسيارة من قبل الجار المحافظ الذي يعاقب جارته على تقبيل آخر”.
وفي واقعة داليا قتيلة السلام طلبت النيابة مسحة مهبلية من الضحية، ما اعتبرها البعض تواطؤ رسمي. وموافقة ضمنية على القيم الرجعية للمجتمع، ومكافأة على اقتحام منازل المواطنين.
ما العمل؟
تقترح عزة سليمان تطوير مرفق العدالة، عبر بناء جسر من الثقة، و بمعزل عن النصوص القانونية، بالتركيز على التطبيق. ويأتي هذا من خلال التدقيق في اختيار القائمين على إنفاذ القانون، والسماع للضحايا.
كما طالبت عزة بتدريب المعنيين منهم بقضايا المرأة، على الموضوعية والبحث عن العدالة بعيدًا عن الانطباع الشخصي. والاستغلال الخاطئ للسلطة التقديرية. قائلة: “لابد أن ينحصر الأمر في الحقوق. حتى مع استبعاد مبدأ المصلحة الفضلى للأطفال في حال عبر على جثث النساء، ودمر حياتهن”.
أما ماجدة عدلي فتميل إلى النظرة الكلية للأمور والعلاج من الأساس، إذ بدأ الحل من تغيير سلوك المواطنين. لكن عبر تأمين الحد الإنساني الأدنى من أجل حياة كريمة. تحفظ له كرامته في الشارع وقسم الشرطة. وتؤمن له قوت يومه، فتنتشله من حالة الضياع.
وبالرغم من دور التربية البيئية والأسرة بشكل خاص في التطبيع بالعنف إلا أن ماجدة تحذر من أن زيادة القمع السلطوي. والذي يؤثر على سلوك المواطنين، فيتشبعوا بجزء منه يمارسوه عادة على الحلقة الأضعف”.
وتضيف نيفين عبيد لابد من تدخلات نفسية اجتماعية للناس، وفي الجزء الخاص بالرجل والمرأة. كما لابد من خلق جيل من المتدربين على دراية بتأثير التغيرات الاجتماعية على الشخصية المصرية. مطالبة بتسهيل مهمة المجتمع المدني، وتقليل حدة العداء معه، قبل فوات الآوان.
أيضًا تؤكد عبيد ضرورة تغيير وعي المراة والعمل على رفعه، تغيير الطرح المجتمعي المعروف عن العنف وأنماطه، واتباع سياسات وقائية.