يمثل افتتاح مدينة جديدة متخصصة في الدواء محاولة مصرية لدخول عصر الصناعات التكنولوجية الدوائية. بعدما عانت السوق المحلية على مدار عقود من الممارسات الاحتكارية للشركات متعددة الجنسيات. بعد أن أصبحت مصر سوقًا أساسية لتصريف منتجاتها.

وتنتمي صناعة الدواء إلى الصناعات التحويلية الضخمة مرتفعة القيمة المضافة وذات الربحية المرتفعة. كما أن المنتجات غير مرنة ما يجنبه تمامًا هزات العرض والطلب. أو بمعنى آخر لا تراجع عن استهلاك الدواء مهما زادت أسعاره ولا مجال للمستهلك لترشيد شراءه.

حجم سوق الدواء في مصر

يبلغ حجم سوق الدواء المصرية نحو 400 مليار جنيه تعادل 1.3 فقط من الناتج المحلي. كذلك تقدر استثماراته بنحو 80 مليار جنيه في 2018/2019، ما يعادل إنتاج 2.5 مليار علبة دواء سنويًا.

وتؤكد البيانات الصادرة عن وزارة الصحة أن إنتاج المدينة الجديدة سيعمل على ضبط أسعار الدواء. ويدعم الجهود الحكومية في مجال المبادرات والخدمات الطبية والصحية كحملات 100 مليون صحة للكشف عن فيروس سي والسكر..

كذلك بدأ التفكير في مدينة الدواء قبل 7 سنوات، وهي فترة شهدت أزمة الصيادلة مع شركات الأدوية بسبب وجود نواقص في السوق. لا يتم توفيرها إلا بعد إعادة التسعير من قبل وزارة الصحة. التي أكد مسئولوها أن أهم أهدافها توفير مستحضرات آمنة وفعالة للمواطن وتوظيفها لمواجهة حالات نقص الأدوية. بالإضافة إلى خطة تجعلها مركز إقليمي للتعاون مع الشركات الأجنبية العالمية بما يسمح للتصدير.

الرئيس السيسي أكد أن الدولة مستعدة لتوفير جميع التسهيلات لصناعة الدواء بها بهدف توفير الدواء للمواطن بجودة عالية وبأسعار مناسبة. ومطابقة للمعايير العالمية. كما شدد على أن صناعة الدواء تمس كل مريض فمن حقه الحصول على الدواء بسعر مناسب سواء عن طريق الشراء أو التأمين الصحي.

مدينة الدواء المصرية.. الأكبر في الشرق الأوسط

تضم المدينة، التي تعتبر أكبر المدن الصناعية على مستوى الشرق الأوسط على مساحة 180 ألف متر. بطاقة إنتاجية 150مليون عبوة سنويًا في ضبط السوق. مصنعيّن أولهما للأدوية غير العقيمة يضم 15 خط إنتاج، يوفر ما تحتاجه الدولة من أدوية. وتتمثل أولوية التصنيع في الوقت الحالي للأمراض المزمنة مثل الضغط والسكر وأمراض الكلى. بالإضافة للمضادات الحيوية، والخط الثاني للأدوية العقيمة.

وتنقسم المستحضرات الدوائية إلى “عقيمة” يتم فيها تعقيم المنتج بشكله النهائي، أو لكل مادة تدخل في إنتاجه. بينما الأدوية “غير العقيمة” فيقصد بها مستحضرات محضرة في درجة نظيفة طبقًا للمواصفات القياسية للأدوية. وغير القابلة للحقن أو قطرات العين، أو غيرها من المنتجات التي تتطلب تعقيمًا كاملًا.

كما تمثل المدينة تغييرًا كبيرًا في سوق الدواء المصري مع وعود الحكومة بدعم الصناعة. ما سينعكس على الجانب البحثي الذي ظل عائقًا لسنوات أمام نمو صناعة المواد الخام محليًا.

لتوضيح الصورة أقرب، يجب العودة لخريطة المنتجات الدوائية، التي تنقسم إلى “مبتكرة” تحميها براءة اختراع و”مثيلة” خرجت من الحماية بمرور الزمن. وأدوية القيمة المضافة التي تعتمد تغيرات بالإنتاج لإعطاء خصائص مغايرة للمنتج الأصلي. وأدوية”العلامة التجارية” التي تتضمن نقلة على المنتج الأصلي بوضعه تحت ماركة جديدة.

والشركات المصرية تنتج الأدوية المثيلة وذات العلامة التجارية. أما إنتاج أدوية مبتكرة أو ذات قيمة مضافة يتطلب اتفاق كبير على البحث والتطوير والابتكار. بالإضافة إلى منافسة مع الشركات متعددة الجنسيات التي تمتلك براءات اختراع العديد من الأدوية لفترات طويلة بنحو ثلثي السوق. وبالتالي يصبح النوعين السابقين البديل الأرخص والمتاح بالنسبة للمنتج المحلي.

عوائد كبيرة

دخول الشركات المصرية إلى إنتاج الأدوية المبتكرة أو ذات القيمة المضافة يضمن للدولة تحقيق عوائد مالية خيالية. في سوق تصنف الأرباح يه بأنها الأعلى عالميًا بعد تجارة السلاح. فحجم السوق العالمية للمنتجات الدوائية في 2019 بلغ 25.1 تريليون دولار. ويتسم في الوقت ذاته بطبيعة احتكارية مع سيطرة عدد قليل من الشركات على حصة السوق.

ووفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ارتفعت قيمة الواردات المصرية من الأدوية والمستحضرات الصيدلية في ديسمبر 2020. كما بلغت 247 مليون و751 ألف دولار مقابل 217 مليون و975 ألف دولار في شهر ديسمبر عام 2019 بزيادة 13.7%.

وتخوض مصر حاليًا تجربة جديدة فيما يتعلق بالتأمين الصحي الشامل الذي يجعله نظامًا إلزاميًا، يقوم على التكافل الاجتماعي. كذلك تغطي مظلته جميع المواطنين المشتركين في النظام، وتتحمل الدولة أعباءه عن غير القادرين. وتكون الأسرة هي وحدة التغطية التأمينية الرئيسية داخل النظام الجديد والذي سياسهم في زيادة الطلب على الدواء خاصة المحلي.

خريطة الشركات الأجنبية في مصر

ويوجد بالسوق المحلية نحو 154 مصنعًا للدواء يغطي جميع الأشكال الصيدلانية. كما يصل عدد المستحضرات المسجلة إلى 14 ألفًا، متدوال منها 8 إلى 9 آلاف صنفًا. لكن قائمة العشرين شركة الأكثر مبيعًا بالسوق، تتضمن 11 أجنبية و9 شركات محلية.

ووفق آخر البيانات المتعلقة بسوق الدواء عن النصف الأول من 2020 احتلت “نوفارتس السويسرية” الأعلى مبيعًا بقيمة 2.5 مليار جنيه. تلتها “سانوفي الفرنسية” بملياري جنيه، ثم جلاكسو سميثكلاين” البريطانية بـ1.97 مليار جنيه.

كما تحتل شركة “آمون”، المملوكة لشركة “بوش هيلث كوز” العالمية بمصر، المركز الرابع بحجم مبيعات 1.96 مليار جنيه. بينما احتلت “إيفا فارما” بمبيعات تصل 1.6 مليار جنيه. ثم “فاركو” بالمركز السادس بحجم مبيعات 1.5 مليار جنيه تلتها” فايزر” الأمريكية في المركز السابع بـ1.099 مليار جنيه. وتبعها “إيبيكو” التي تملك شركة أكديما (شركة عربية) حصة تقترب من 50% من أسهما بالمركز الثامن بـ1.015 مليار جنيه. ثم “حكمة” الأردنية بالمركز التاسع بـ 935 مليون جنيه.

أما شركة “ميركيرل” فاحتلت المركز الـ12 بحجم مبيعات 818 مليون جنيه. بينما سجلت شركة “جلوبال نابي” مبيعات بقيمة 794 مليون جنيه لتحل في المركز الـ13، تبعتها “أسترازينكا” البريطانية في المركز 14 بحجم بيع 788 مليون جنيه. تلتها “ميرك” التايعة لشركة ميرك الألمانية بمبيعات 720 مليون جنيه ثم “نوفونورديسك” الدانمركية.

جدل المحلية

يقول أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، إن الشركات العالمية لديها مصانع في مصر بعمالة مصرية خالصة. كما أضاف أن ذلك يجعل 80% من الدواء الذي يُباع في الصيدليات “محلي الصنع” و20% فقط مستورد.

كذلك أوضح أن الغالبية العظمى من الأدوية المستوردة غير مصرح بتصنيعها في مصر بسبب حقوق الملكية الفكرية ومنها أدوية السرطان. كما أوضح أن إجمالي عدد مصانع الدواء 154 مصنعًا منها 9 مصانع حكومية مملوكة للقطاع العام.

لكن الأمر سيتغير في خريطة الإنتاج المصرية بعد تصريحات الرئيس السيسي في افتتاح مدينة الدواء. الذي قال فيها إن مصر تسعى لإنتاج أدوية الأورام بنسبة 100% من خلال توفير المخصصات المالية والتكنولوجية والخامات. وأشار إلى أن الحكومة مستعدة لاتخاذ كل ما يلزم لتوطين صناعة الأدوية بمصر.

ضبط الواردات

يقول المركز المصري للدراسات الاقتصادية، إن واردات مصر من المنتجات الدوائية بلغت نحو 2.61 مليار دولار. مقارنة بـ 271.85 مليون دولار فقط للصادرات خلال عام 2019 وفقًا لبيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية. وبالتالي تفوق وارداتنا من المنتجات الدوائية صادراتنا بنحو 9 أضعاف.

وفي تصريحات سابقة لها، قالت الدكتورة نادية زخاري، وزير البحث العلمي الأسبق إن هناك أبحاث كثيرة موجودة خاصة بتصنيع الدواء في مصر. لكن في مراحلها الأولى على حيوانات التجارب. كما أكدت أن تصنيع الدواء سيخرج الدولة من عباءة استيراد الأدوية وأن يكون التصنيع محليًا، ما يقلل أسعاره.

المركز طالب في دراسة حديثة له، بالتخفيف التدريجي للاعتماد على الوارادات خصوصًا المواد الفعالة والخامات الوسيطة اللازمة للإنتاج. وخلق تميّز مصري عبر مزيد من البحث والتطوير في مجال الأدوية المعتمدة على النباتات الطبية والطبيعية المصرية. خاصة مع الاهتمام العالمي بهذا النوع.

كذلك اتخاذ إجراءات سريعة بشكل مرحلي بحيث يتم تنظيم سوق الأدوية في مصر للقضاء على ظاهرتي نقص الأدوية وانتشار الأدوية المغشوشة. واختفاء الأدوية وقت الأزمات نتيجة التكالب على أصناف معينة والتسبب في رفع أسعارها.

المادة الخام (الصين والهند)

ويحمل سوق الدواء المصري مكاسب كبيرة للشركات العاملة. فمصر حققت أعلى معدل نمو في منطقة الشرق الأوسط لاستهلاك الأدوية خلال 2019. وفقًا لمعهد “ims” لمعلومات الصناعات الدوائية. بينما تحتل المرتبة الثانية في المنطقة بعد السعودية من حيث القيمة السوقية لمبيعات الأدوية.

ووفقًا لرستم، فإن التحدي الأكبر لصناعة الدواء يتمثل في المادة الخام وتحتاج إلى قاعدة تصنيع دواء لمنافسة الصناعات في الصين والهند. فضلًا عن ضرورة حصول الشركات على الشهادات الدولية كشهادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. كما أوضح أنه يمكن التصدير إلى الخارج إذا حصلت صناعة الدواء على الدعم الكامل من الدولة. خاصة فيما يتعلق بتوفير المادة الخام بدلًا من استيرادها من الصين والهند.

وتضمن تعديل قانون الضريبة على القيمة المضافة رقم 67 لسنة 2016. إعفاء الأمصال واللقاحات والدم ومشتقاته وأكياس جمع الدم ووسائل تنظيم الأسرة. إضافة إلى الأدوية ومدخلات إنتاجها بناءً على قرار يصدر من وزير الصحة.

تعتمد مصانع الأدوية في مصر على المواد الخام المستوردة خاصة من الصين التي تعتبر أهم المصادر لمواد الخام الدوائية. بفضل جودتها العالية التي تقول تقارير صينية غالبية الأدوية المصرية يدخل في تركيبها مواد خام صينية. لكن يبدو أن الأمر ستغيّر كثيرًا من الدعم الحكومي الكبير لصناعة الأدوية.