قصصٌ كثيرة لسيدات وفتيات داخل غرف الرعاية الصحية تلخص قدرًا متدنيًا من الاهتمام مقارنة بالرجال، وهو ما يكشفه طول فترات الانتظار والتشخيص الخاطئ للألم، فضلاً عن إرجاع أغلبه لأغراض طبيعية ملازمة للسيدات الحوامل.

الحكايات التي تُتهم فيها النساء بمتلازمة الهستيريا، تكشف عن تحيُّز فجّ مسكوت عنه فيما يتعلق بحقهن في الرعاية الصحية، مقارنة بنظرائهم الرجال.

الاستهتار بالألم

“ذهبتُ إلى إحدى مستشفيات القاهرة عندما قُطع شريان إيدي في حادث. أعطاني الطبيب بنج موضعي، إلا أنني كنت أشعر بألم شديد. لم يهتم الدكتور بألمي وأكمل عمله مع صرخاتي مقابل ضحكاته وأني -بدلع-.  بعد ساعات بدأ الجرح ينزف من الداخل وعندما ذهبت لمستشفى آخر وجدوا أن الطبيب لم يربط الشريان من الداخل. وبالتالي لم أكن أبالغ في ألمي كما تمت الاستهانة بي كشأن الكثيرات من النساء سواء في وصفي للأعراض. وأنني لا أعاني من أي شيء، ونصحنا بتجاهل الألم وأخذ قسط من الراحة فقط”.

تشخيص خاطئ

“كنت حامل في الشهر التالت وبدأت أشعر  بوجع شديد في جنبي، ذهبت للطبيب وحدثني أن ذلك طبيعي مع الحمل ومع زيادة الألم ذهبت لطبيب آخر  تخصص مسالك بولية، قال لي إن الحمل متسبب في الضغط على الحالب وسيظل الألم معي حتى الولادة، ومع ارتفاع حدة الوجع وتطور الحالة كان زوجي يصدق الأطباء ويكذب ألمي، معتبرًا أن ذلك دلع، ذهبت لطبيب ثالث وبعد التحاليل والأشعة تبين وجود التهابات شديدة على الكلى”.

“الغيرة”.. وصف طبي لأوجاع النساء

“كانت ليا صديقة في العشرينات تعاني من فقدان الوزن بشكل كبير مع الألم طوال الوقت، وبعد أن ذهبت مع والدتها إلى الطبيب أخبرها أنها تغير من أختها بسبب أنها تزوجت قبلها. بعد فترة اتضح أن الفتاة تعاني من ظروف صحية صعبة تتلخص في مرض الذئبة و توفيت”.

هذه بعض الشهادات لنساء مصريات يعانين داخل غرف الكشف.

يُوصف الشخص بالهستيري عادةً، عندما تصدر عنه انفعالات لا يمكن السيطرة عليها، إلا أن هذا اللفظ ملتصق بشكل ما بالنساء، أيًا كان السبب سواء كانت الشكوى من ألم عضوي، أو نفسي. أو ظروف صحية معينة.

وفي منتصف القرن السابع عشر اعتقد الطبيب توماس سيندهام أن كثيرًا من النساء مصابات بـالهستيريا، ما جعله يعتقد أنه ثاني أكثر مرض انتشارًا في وقته. واستُخدمت كلمة هستيريا لوصف شكاوى النساء الصحية، وآلامهم.

آلام النساء.. “دلع” طبي

والآن في عام 2021 لا يزال عدد كبير من الأطباء الذكور يتعاملون مع ألم النساء على أنه هستريا بدون داعٍ يستخدمونها للتعبير عن آلام بسيطة لا تُذكر، كنوع من الدلع، كما عبر أحد أطباء امتياز عبر موقع التواصل، عندما كان يحكي تجربته مع تشخيصه الخطئ لسيدة مصابة بجرح في اليد وعلاجه لها دون بنج لكي “تتربى”، حسب وصفه.

بعد هذا المنشور خرج سيل من الشهادات الخاصة بالنساء للتعبير عما يحدث لهن داخل غرف الكشف، وكيف تتم الاستهانة بآلامهن وأوجاعهن، وكيف لا يحظين بالقدر نفسه من الاهتمام الذي يحظى به الرجال في أقسام الانتظار بالمستشفيات ما يعبر عن أوجه التفاوت في تقديم الرعاية الصحية.

التشخيص الذكوري: شكوى عاطفية وليست جسدية

وكل ما نعرفه هو أن الأطباء لا يتعاملون مع آلام المرأة بالطريقة نفسها التي يتعاملون بها مع آلام الرجل. إذ إن الكثير من الرجال المصريين شاركوا بقصص تٌشير إلى “العنصرية والتحيز ضد المرأة طبيًا”. سواء في حالة زوجاتهم أو أقاربهم. كما أكدوا وجود تحيز عنصري ضد المرأة في غرف الطوارئ تحديدًا. ويتم وصف أدوية لنظرته للشكوى على أنها شكوى عاطفية بدلاً من كونها جسدية.

قبل بضع سنوات بدأت موجة عنيفة من النقد للعنصرية الجنسية ضد النساء في عالم الطب، بدعوى أن شكوى النساء الطبية لا تؤخذ على محمل الجد. بينما بدأت صحيفة “النيويورك تايمز” موجة الانتقادات في المجتمع الغربي منذ عام 2013 بمقال عنوانه “الفجوة ما بين الجنسين في الشعور بالألم”.

كذلك أشارت الصحيفة في المقال إلى اختلاف التعامل الطبي بين الرجال والنساء في كثير من الجوانب. من بين تلك الجوانب جرعة الدواء المحددة، حيث جرى خفض الجرعة المحددة من بعض الأدوية المهدئة للنصف بالنسبة للنساء مقارنة بالجرعة المحددة للرجال.

تجيز جندرية في التشخيص الطبي

وفقًا لدراسة أجراها المعهد الوطني للصحة، فإن النساء يتعين عليهن الانتظار لوقت أطول من الرجال في المستشفى ويتراوح فرق الانتظار بين النساء والرجال من 13% إلى 25%. بينما ينتظر الرجال عادةً 49 دقيقة قبل أن يتم علاجهم من آلام البطن، بينما تنتظر النساء 65 دقيقة لنفس الأعراض.

بالإضافة إلى أن هناك ميل جمعي إلى عدم تصديق شكوى النساء من آلامهن، فضلاً عن أن أغلب الأبحاث تم إجراؤها على الرجال لمعرفة أعراض التشخيص.

النساء يتعين عليهن الانتظار لوقت أطول من الرجال في المستشفى ويتراوح فرق الانتظار بين النساء والرجال من 13% إلى 25% بينما  ينتظر الرجال عادةً 49 دقيقة قبل أن يتم علاجهم من آلام البطن، بينما تنتظر النساء 65 دقيقة لنفس الأعراض

وفي عام 2008، نشرت المجلة الأكاديمية الخاصة بطب الطوارئ دراسة طبية. الدراسة أفادت بأن النساء المصابات بأمراض ضمن الفئة النسائية يكن أكثر عرضة للتشخيص الخاطئ بأمراض ترتبط بالجهاز الهضمي.

كما يصيب مرض بطانة الرحم واحدة من كل 10 نساء، إلا أنه يستغرق من سبع إلى ثماني سنوات للتشخيص. لذلك أوصى المعهد الوطني للصحة والرعاية في بريطانيا بالإصغاء لشكاوى النساء لتسريع التشخيص.

تهاون مرعب

الدكتورة أمل فهمي، مدير مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي وأحد مؤسسات قوة العمل لمناهضة الختان تعلق على التحيز الطبي ضد النساء. “أثناء عمل المؤسسة مع طلاب كليات الطب في قضية الختان. وجدنا أن أفكارهم تنحصر في أنه أول ما ترى سيدة في غرف الطوارئ مثلًا تشعر بالدوخة أو حاولت الانتحار أو ضيق تنفس نوبات أو هلع. يجب أن يضعوا لها كحول بنسبة عالية في أنفها بدلاً من اتباع طرق بروتوكول العلاج الطبيعي. وهو الأمر المفجع بالنسبة لنا جميعًا”.

الست التي لديها أعراض اكتئاب يتم التهاون بأمرها رغم أن العنف في مصر مرعب، فواحدة من بين 4 نساء يتعرضن للعنف المنزلي أو عنف الشريك

كما أضافت أن السيدة التي لديها أعراض اكتئاب يتم التهاون بأمرها رغم أن العنف في مصر مرعب. فواحدة من بين 4 نساء يتعرضن للعنف المنزلي أو عنف الشريك. وبالتالي الأمر شائع جدًا وليس نادرًا، فضلًا عن التوقعات العالية والمسئولية الكبيرة الموضوعة على أكتاف النساء. وبالتالي لابد أن يكون الطبيب على علم أن النساء لا تدعي الألم.

عنف متوارث

وتواصل فهمي تأكيد ضرورة أن يتم “استيعاب الفكر المجتمعي الذكوري والمتحيز ذالي يرى أن المرأة كائن ضعيف ولا يتحمل. رغم أن الحقائق تشير إلى أن ثلث العائلات تعولها نساء”. كما لفتت إلى أن العنف ضد النساء متورث أيضًا.

وتؤكد أن الطبيب هو نتاج مجتمعي وبدلاً من استخدام بروتوكولات العلاج واستنفاد كل المحاولات لمعرفة سبب الألم يستخدم أغلبهم الثوابت المجتمعية حول النساء.

في السياق نفسه، تقول مديرة ومؤسسة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، دكتورة ماجدة عدلي: “لا يمكن التعميم أو القول إن الأطباء يستهونون بآلام النساء. لكن هناك من يستهين ومن يهتم بالمريض أيًا ما كان نوعه وسنه. لكني أتصور أن من يتحيز في تشخيصه الطبي يكون بناءً على أفكاره المجتمعية السائدة بأن النساء عاطفيات ويبالغن لجذب الانتباه. هناك معتقدات مختلفة تحيط بصفات النساء في المجتمع ليس من بينها أن النساء قويات أو يمكنهن التحمل. رغم اعترافهم بأن الرجال لا يمكنهم تحمل آلام الحمل والولادة، أو رعاية طفل وإرضاعه”.

وتابعت: “هذا يحدث في الواقع، وبحكم عملي رأيت وسمعت كثيرًا عن هذه الحالات، وأول حالة رأيتها أثناء فترة الامتياز في الثمانينات أثناء حضور حالة ولادة طبيعية. السيدة كانت منهكة جدًا وتنهج وفي هذه الحالة يكون غالبًا هناك أزمة في وضع الطفل أو حجمه. وإذا بالطبيب ضربها بالكف على فخذها معللًا ذلك بأنه قلق على الطفل”.

تشجيع لا تعنيف

تصف عدلي أن الطبيب “اختار الحل الذي يعتاد عليه وهو العنف والضرب. معتقدَا أنه أفضل وسيلة للتعامل مع النساء. رغم أنه في موقف آخر لن يتبع هذا الأسلوب مع السيدة. خاصة لو كانت غير متعاونة مع الأطباء وفي هذه الحالة يمكننا أن نُشجّع ولا نعنِّف”.

كذلك تقول إنها كانت تعرف طبيبة أصيبت بسرطان القولون، وجرى تشخيصه بالقولون العصبي بحجة أنها عصبية وعاشت رحلة علاج بعد ذلك إلى أن توفيت. كما تشير الطبيبة إلى أن “قسم الأطباء الذي نقسمه ينص على احترام المريض أيًا كان جنسه. وأيضًا هناك لوائح لآداب المهنة يجب على الناس احترامها”. كما طالبت نقابة الأطباء ووزارة الصحة بتغليظ العقوبة المهنية لمن لا يحترم هذا القسم.

غياب الموقف القانوني

الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي منى عزت قالت إن “نقابة الأطباء ونقابات المهن الطبية لم تأخذ موقفًا واضحًا في قضايا التحرش والختان. كما أنه ليس لها صوت في كل ما ظهر مؤخرًا من أطباء أجروا ختان الفتيات أو في قضية تحرش طبيب الزقازيق”. ما يشير إلى أنه “لا يوجد موقف وسياسات مناهضة للعنف الواقع داخل المستشفيات تجاه النساء”.

كما تستكمل: “لم يتم تدريب الأطباء على كيفية التعامل مع حالات العنف التي تصلهم، أو الذي يحدث داخل المراكز الصحية”. كذلك تلفت: “نقابات المهن الطبية لا تهتم بشكل كافٍ بالجزء الخاص بالنوع الاجتماعي في أماكن تقديم الخدمة الصحية”.

بينما وصفت الحقوقية ورئيس مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، انتصار السعيد أن ما تتعرض له النساء من أثناء تلقي الخدمات الطبية بـ”الانتهاك الصارخ”. رغم ضرورة توافر رعاية طبية آمنة للنساء.

الانتقام الطبي

وأضافت: “السيدات يتعرضن للتمييز بسبب النوع”. كما ضربت مثالًا بالطبيب الذي كشف نظرته الدُنيا تجاه النساء، عندما أجرى لسيدة خياطة دون مبرر طبي سوى ما ذكره بأنه فعل ذلك عقابًا لها. بعدما اصطحبت زوجها معها لإجراء الكشف الطبي بعد تعرضها للإصابة بجرح في المنزل”.

وتابعت السعيد: “من خلال خبراتنا في العمل على الرعاية الطبية للنساء. فإن عددًا كبيرًا من النساء يتعرضن لمشكلات على أساس النوع. خاصة من أطباء النساء والتوليد، تصل إلى تعرضها للإهانة والتوبيخ في غرف الولادة”. كما أكدت أن تبني الأطباء للأعراف المجتمعية التي تحط من شأن النساء أمر يعرض حياة النساء للخطر.

أوضحت أيضًا أن العنف ضد النساء من قبل بعض الأطباء منتشر في أغلب التخصصات الطبية المختلفة. لأنه له علاقة بالثقافة المجتمعية والنظرة الدُنيا للنساء.

وهنا، تلفت أن إحدى السيدات كانت في حالة وضع بأحد المستشفيات العامة. حيث قيل لها إنها ليست في موعد ولادتها المقرر “أنت بتدلعي”. هكذا نطق الطبيب متخذًا قراره بشأنها، قبل أن تأتيه التوصية ويجرى تحويلها لغرفة الولادة. لم تكن السيدة في وضع يسمح بـ”الدلع” الذي افترضه الطبيب.

الحل من وجهة نظر السعيد يكمن في فكرة التوعية وبناء القدرات. إذ يجب أن يستوعب مقدمو الخدمات الطبية بشكل عام أن ما يفعلوه يقع تحت مسمى العنف والتميز. وفي الوقت ذاته على المريضة أن تعي حقوقها. كذلك يجب أن تُنشر مدونة سلوك أخلاقي يتم تعميمها مع التدريب المستمر للأطقم الطبية.