بين 22 ملكا وملكة يغادرون موقعهم إلى متحف الحضارة بحي مصر القديمة، في موكب جنائزي ينطلق من ميدان التحرير مع غروب شمس اليوم الثالث من أبريل، يبرز اسم الملك المصري سقنن رع الثاني، الذي لقي حتفه في إحدى المعارك الحربية مع الهكسوس. هنا ملخص لحروبه وطريقة موته.

هذا الملك المصري، الذي حكم طيبة القديمة وبدأ حربا مقدسة ضد الغزو الهكسوسي أنهاها ابنه أحمس بطردهم خارج البلاد، مات بطريقة شديدة البشاعة، إذ كٌسرت أنفه، وعينه اليمنى، وأصيب بجراح غائرة في مخه، وتهشم وجهه بالكامل، وفقا لأحدث اكتشاف أثري نشرته مجلة Frontiers in Medicine لعالم الآثار المصري المعروف الدكتور زاهي حواس، والدكتورة سحر سليم أستاذة الأشعة بكلية الطب جامعة القاهرة.

يتداول المؤرخون قصة درسها المصريون في كتبهم المدرسة، حين بدأ الخلاف بين سقنن وملك الهكسوس “عاقنن رع أبوفيس”،  بعدما أرسل الأخير من أواريس الواقعة في شمال الدلتا رسالة إلى سقنن رع يخبره في أن أصوات أفراس النهر في بحيرة طيبة في الجنوب تزعجه وتقض مضجعه بالرغم من أنه بينه وبين طيبة 500 ميل، ويأمره بأن يجد أى وسيلة للقضاء عليها، وهو ما فهمه رع بنفخ الهسكوس نيران الحرب.

خاص رع معركة كبيرة في دير البلاص، وهناك قٌتل بطريقة وحشية للدرجة التي جعلت الزمن يفشل في محو الندبات التي تركتها المعركة في جسده، وهو ما توصل إليها مؤخرا عالم الآثار زاهي حواس والدكتورة سحر سليم.

اقرأ أيضا:

فنانون و400 قناة وذكاء اصطناعي.. كل ما تريد معرفته عن موكب المومياوات

استخدم حواس وسليم قنية الأشعة المقطعية، وهي إحدى تقنيات التصوير الطبي تستخدم لدراسة البقايا الأثرية، في سرد حقيقة مختلفة تماما عما هو سائد في الكتابات التاريخية عن وفاة الملك سقنن رع الثاني، الذي ينتمي للأسرة السابعة عشرة.

وبحسب حواس، تم اكتشاف مومياء سقنن رع تاعا الثاني، والد الملك أحمس، في خبيئة الدير البحري عام ١٨٨١ وتم فحصها لأول مرة حينها، وكذا تم دراسة المومياء بالأشعة السينية في ستينيات القرن الماضي.

أشارت هذه الفحوصات إلى أن الملك المتوفى قد عانى من عدة إصابات خطيرة في الرأس ولكن لا يوجد جراح في باقي الجسد.

نظريات الرحيل الدامي

اختلفت النظريات في سبب وفاة الملك فرجح البعض أن الملك قد قتل في معركة ربما على يد ملك الهكسوس نفسه، وأشار آخرون إلى أن سقنن رع تاعا الثاني ربما قُتل بمؤامرة أثناء نومه في قصره، ورجح آخرون أن التحنيط ربما تم على عجل بعيدًا عن ورشة التحنيط الملكية، وذلك لسوء حالة المومياء.

لكن البحث الجديد أعاد للمحارب القديم حقه المهدور، وأدحض نظرية موته غدرا في فراش نومه حسبما توضح الدكتورة سحر سليم، أستاذة الأشعة بكلية الطب.

كيف مات سقنن؟

“سقنن رع قتل في المعركة وليس في سريره أو في مؤامرة داخل قصر” هو بطل شجاع قاد معركة ضد الهكسوس في الخط الأول، وأسره جنود العدو وأعدموه” تقول سليم في حديث لـ”مصر360″ عن وقائع موت الملك المصري.

الجثمان المحنط الذي خضع للأشعة المقطعية كشفت وجود جروح في الجانب الأيمن لم تر بالعين المُجردة، حيث استخدم المحنطون طريقة متطورة لإخفاء جروح رأس الملك تحت طبقة من مادة التحنيط التي تعمل بشكل مشابه للحشوات المستخدمة في الجراحة التجميلية الحديثة.

وجرت العادة أن يخفي المحنطون الجروح حيث هدفهم الأول هو الإبقاء على الجثمان جميلا حتى عودته للعالم الآخر.

تحكي سليم أن الملك تكبلت يداه وتلقى الضربات من جميع الاتجاهات حتى سقط في المعركة، واستخدم في عملية قلته الفأس والبلطة والحربة والخنجر، وهي الأدوات المتطابقة مع الموجودة حاليا في المتحف المصري.

كما تشير إلى أن مخه تحلل حيث كان ملقى في الفضاء فترة من الوقت حتى وصل إلى المحنطين. وتلفت أيضا إلى أنه كان يعتبر وسيما لكن الهكسوس هشموا وجهه كنوع من أنوع الإذلال للملك المصري.

وبحسب سليم، أنشأ الملك سقنن رع ترسانة عسكرية في دير البلاص قاد من خلالها حربه المقدسة لطرد الهكسوس من مصر والتي استكملها ابنه أحمس إلى النهاية.

تذكر أستاذة الأشعة أن هناك محاربين كثر من مصر القديمة لم يلحظ على أجسادهم تشوهات أو نتوء أو آثار الطعنات، إذ نجح المحنطون في تجميلها جميعا، لكن الملك سقنن رع الثاني الذي توفى وعمرهه يناهز  40 عاما تظهر جراحه بوضوح من خلال الأشعة المقطعية، ما يعكس حجم المعركة التي خاضها في دير البلاص.

لم يكن سقنن وحده في هذه المعركة، إذ شاركت زوجته أعح حتب كذلك وتقدلت بقلادات عسكرية، وتوجد لوحة في الكرنك لشكرها على مجهودتها في الحروب العسكرية ضد الهكسوس.

هذا الكشف بالنسبة لـسحر سليم، هو إعادة كتابة التاريخ من جديد، وأن موته لم يذهب سدى، ويؤكد أنه لم يكن متهورا كما صوره البعض حيث خاض معركته بشرف حتى النهاية من أجل تخليص بلاده من الغزاة.