يواصل “حلم” الرئيس رجب طيب أردوغان في حفر قناة اسطنبول، تأجيج الأزمة السياسية على الساحة التركية، بعد إعلان القبض على 10 ضباط بحريين معارضين لقراره، ضمن التحقيقات الجارية في بيان الجنرالات المتقاعدين الـ 103، الذي صدر أمس.

الهدف من القناة بحسب التصريحات الرسمية تخفيف الزحام الملاحي في البوسفور الذي شهد عام 2019 مرور 53 ألف سفينة وناقلة ركاب دفعة واحدة. لكن الأزمة بدأت عندما أعلن عدد من ضباط البحرية التركية اعتراضهم على المشروع، لعدم جدواه من ناحية ومخالفته لاتفاقية مونترو 1936 من ناحية أخرى.

وسائل إعلام تركية أفادت باعتقال عدد من هؤلاء الضباط ضمن التحقيقات الجارية في بيان أذاعه عدد من أدميرالات البحرية التركية المتقاعدين الذين وصل عددهم لـ103.

من ناحية أخرى أشار التلفزيون التركي إلى أن المدعي العام في أنقرة أصدر أمرًا باعتقال 10 من المشتبه فيهم في إطار التحقيقات. تلك التحقيقات التي تجرى حول البيان الذي أصدره الضباط المتقاعدين من البحرية. إذ طالبوا بإيقاف مشروع قناة إسطنبول وعدم المساس باتفاقية “مونترو” التي تنظم مرور السفن في البوسفور.

بدروه دعا الرئيس التركي دعا لاجتماع استثنائي لمناقشة البيان، الذي تضمن أيضًا دعوة الجيش التركي إلى التدخل لحماية الدستور. بينما أمر المدعي العام في أنقرة بفتح تحقيق في بيان الضباط المتقاعدين لمعرفة من يقف وراء البيان. وكيف تم التنسيق بينهم. وما إذا كان لهم ارتباطات داخل المؤسسة العسكرية الحالية.

فما هي قناة اسطنبول التي ينوي أردوغان بناءها رغم الاعتراضات؟

المشروع الذي يوصف بـ”البوسفور الثاني”، يهدف لإنشاء ممرّ مائي غرب مطار اسطنبول الجديد موازي للبوسفور بحسب أردوغان. يربط بين بحر مرمرة والبحر الأسود، ويقسم الجزء الأوروبي من المدينة إلى قسمين. جاعلاً من الجزء الشرقي من القسم الأوروبي جزيرةً وسط قارتي آسيا وأوروبا، الأكبر في العالم. ومن المقرر أن تكون القناة بطول 45 كيلومتر، وبعرض 150 مترًا، وعمق يتراوح بين 20-25 مترًا.

القناة تعد أحد المشروعات الضخمة التي أعلنها أردوغان قبل 10 سنوات في عام 2011. بينما تهدف لزيادة إجمالي الناتج المحلي لتريليوني دولار بحلول الذكرى المئة لإعلان الجمهورية عام 2023، بحسب الرئيس التركي.

مؤيد ومعارض مشروع قناة اسطنبول

في الدعاية الحكومية، ستتمكن القناة من خلق 10 آلاف فرصة عمل. وسيقام فوقها 8 جسور لربط الجزئين المنقسمين ببعضهما. وعلى جوانبها سيتم إنشاء وحدات سكنية جديدة للحد من مشكلة الكثافة السكانية المتزايدة التي تعاني منها اسطنبول بشكل كبير. بينما تبلغ قيمة المشروع مبدأيًا 11.5 مليار يورو، فيما يتوقع خبراء زيادة أكبر في التكلفة.

وبحسب بيانات حكومية، سيغير المشروع وجه النقل البري والبحري في تركيا. كما يخفف الضغط على مضيق البوسفور في الشرق. ذلك المضيق الذي يعتبر أحد أكثر الممرات المائية ازدحامًا. التي تشهد كثافة ملاحية هى الأعلى على الصعيد العالمي.

وبحسب موقع “BBC” فإن عام 2017 وحده مرّت من خلال مضيق البوسفور 53 ألف سفينة مدنية وعسكرية. مقارنة بـ17 ألف سفينة مرت عبر قناة السويس، و12 ألف سفينة مرت في قناة بنما.

كذلك قالت الحكومة التركية إن مشروع القناة سيدر عليها 8 مليارات دولار سنويًا، للتعريفات التي تدفعها السفن مقابل المرور عبرها. كوّن القناة لن تخضع لاتفاقية مونترو التي تنص على حرية الملاحة في مضايق البحر الأسود، ومن بينها البوسفور.

في حين يلقى المشروع اعتراضات كبيرة من الداخل قبل الخارج، كان آخرها بيان ضباط البحرية. إذ طالبوا بالتراجع عن تنفيذ مشروع قناة اسطنبول الذي طرحته الحكومة وتعارضه المعارضة.

وحذر الضباط المتقاعدون في بيانهم من محاولة طرح اتفاقية مونترو، الخاصة بحركة السفن عبر المضائق التركية للنقاش. واعتبروها الوثيقة الأساسية لأمن الدول المشاطئة للبحر الأسود.

اتفاقية مونترو.. تاريخ

ترجع اتفاقية مونترو لعام 1936، ووقعت عليها تركيا والاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا واليونان وبلغاريا ورومانيا ويوغسلافيا واليابان وأستراليا.

وتسمح الاتفاقية للسفن التابعة للدول المطلة على البحر الأسود بحرية المرور والوجود في حوض البحر الأسود. بينما السفن التابعة لدول خارج حوض البحر الأسود، فيُسمح لها بالوجود لمدة 3 أسابيع.

وتسمح الاتفاقية بعبور السفن الحربية الصغيرة فقط، خشية تحول حوض البحر الأسود إلى منطقة عسكرية. كما تتضمن الاتفاقية 29 بندًا و4 ملحقات وبروتوكول. كما تتحمل تركيا المسؤولية المباشرة عن مرور السفن الأجنبية لحوض البحر الأسود.

وشهدت المنطقة منذ بدء العمل بالاتفاقية خلافات بين عدد من الدول الموقعة عليها، وخاصة موسكو وأنقرة. في عامي 1945 و1946، احتج الاتحاد السوفيتي على التضييق الذي طال مرور السفن الحربية. بينما دعا لمراجعة الاتفاقية بما يسمح بمرورها وفق شروط أكثر ليونة.

وبرز خلاف آخر نهاية عام 2015 عندما استدعت أنقرة السفير الروسي لديها، احتجاجًا على قيام أحد الجنود. ذلك الجندي كان على متن سفينة روسية بحمل قاذفة صواريخ في وضعية الإطلاق أثناء مرور السفينة بمضيق البوسفور.

واعتبرت تركيا ذلك التصرف استفزازًا، ومخالفة صريحة لاتفاق مونترو الذي يضمن مرور السفن المدنية والحربية وفق شروط واضحة.

أيضًا تثير القناة المزمع إنشاءها، مخاوف موسكو بشأن استخدامها لأغراض عسكرية. “وقد تفتح الباب لوجود السفن الحربية الأمريكية في البحر الأسود” حسب تصريحات للدبلوماسي التركي السابق سنان أولجين لرويترز.

بينما اعتبر سفير روسيا بأنقرة أليكسي يرخوف، أن وجود ممر مائي إضافي بين البحر الأسود وبحر مرمرة أو غيابه لن يغير وضع الاتفاقية. أنقرة بدورها، كثيرًا ماعبرت عن نيتها في اتخاذ تدابير أكثر صرامة عند مرور السفن التي تشكل خطرًا على البيئة من بينها سفن نقل البترول.

إمام أوغلو والتأثير البيئي

أما رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو، الوجه الشاب لحزب الشعب الجمهوري المعارض، أعلن حربه على القناة. كذلك وصف المشروع بأنه “خيانة لاسطنبول”، ويعد بأن “16 مليون مواطن سيعارضوه”.

كما سارع بالتخلي عن بروتوكول تعاون أبرمته إدارة المدينة السابقة مع حكومة أردوغان. كما يشير أوغلو إلى تكاليف البناء الباهظة في ظل الحرب على كورونا.

أما سكان المدينة والعلماء فلهم تحفظات كبيرة تخص الوضع البيئي، فالمشروع قد تكون له انعكاسات كبيرة على طبيعة المنطقة. وستستهلك موارد مائية مهمة، لأنه في الموقع الذي ستمر منه يوجد مخزون مياه اسطنبول. وبحسب خبراء للبيئة محليين، تهدد القناة النظام البيئي المعقد للمنطقة. إذ أن الكثبان الرملية في شمال المدينة توجد بها غابات محمية وسيول ومراع مهمة، وتحتضن مئات أنواع النباتات والحيوانات. كما ستكون له عواقب اقتصادية، فالصيادون في البحر الأسود والمزارعون، سيتعين عليهم مغادرة المنطقة.