بيان مفاجئ من الديوان الملكي مساء الإثنين يقلب الأمور في الأردن، ويضع فيما يبدو أحداث الثالث من أبريل في ثلاجة التاريخ. لكن اللافتة الأبرز على مدار 48 ساعة من الارتباك هو موقف الأمير حمزة بن الحسين المتهم بتدبير ما سمته وسائل إعلام “محاولة انقلاب” على حكم أخيه غير الشقيق.
تسلسل.. من أقصى اليمين لليسار
لاحظ المهتمون بما يحدث في الأردن لهجة “المُحاصر” عندما سرّب الأمير الشاب مقطع فيديو لوسائل إعلام أجنبية قال فيها إن السلطات اعتقلت دائرته المقرّبة وضيقت الخناق عليه ومنعته من الحركة أو التواصل.
حينها تحدث الأمير الهاشمي لأول مرة بشكل علني عن فساد وبيع لمقدرات الوطن، عندما كان ينفي عن نفسه تهمة التآمر على زعزعة استقرار البلد، كما زعمت السلطات عشية حملة اعتقالات واسعة لشخصيات بارزة.
هنا كانت السلطات مرتبكة، كيف تتعامل مع شقيق الملك وهو يُعلي صوته في وجه أخيه بأن الفساد منتشر ولا مساومة على الإصلاح. وقتها رأت السلطات أن الشدة وسيلة عاجلة، فأرسلت رئيس الأركان لمنزل الأمير حمزة، قال النظام إن الجنرال كان “يطلب” من الأمير وقف محاولة “زعزعة الاستقرار” لكن حمزة قال في مقطع مصور إنّ القائد العسكري جاء يهدده.
الارتباك تزايد ومصير الأمير حمزة مساء الأحد كان غامضًا، وفي صباح الاثنين سرّب الشاب البالغ من العمر 41 عامًا، تسجيلاً صوتيًا قال فيه إنه لن يمتثل لطلبات الجيش له بعدم التواصل مع العالم الخارجي والتزام الصمت، بعد وضعه قيد الإقامة الجبرية. بل توعّد ولي العهد السابق في التسجيل الصوتي الذي بثته المعارضة اليوم الاثنين بـ”التصعيد” بعد تقييد أنشطته.
لدى تلك المرحلة كان الجميع يتحدث عن مسار مختلف للأحداث وأن الأمير الشاب يحتمي بقادة العشائر، وأن حديثه عن الفساد ربما يُجمّع حوله لفيف شعبي.
لكن بحلول ليل الإثنين، انقلبت الأمور عندما نشر الديوان الملكي رسالة موقعة من الأمير حمزة قال فيها الأخير إنه “يضع نفسه بين يدي الملك والتزامه بعهد الآباء والأجداء وأن يبقى مخلصاً لمسيرتهم ورسالتهم وللملك”.
تغيير الأمير حمزة موقفه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بدون مقدمات، يمكن إعادته إلى 3 عوامل رئيسية سيطرت على المشهد خلال اليومين.
وساطة عائلية.. الأمير الحسن يجمع الأسرة
السبب الأول وراء التغيير المفاجئ لموقف الأمير الشاب هو العائلة الهاشمية، من خلال إعلان الديوان أن الملك عبدالله الثاني أوكل التعامل مع موضوع الأمير حمزة إلى عمه الأمير الحسن.
بعدها قال الديوان إن “الأمير الحسن والأمراء هاشم بن الحسين، وطلال بن محمد، وغازي بن محمد، وراشد بن الحسن، اجتمعوا اليوم الاثنين مع الأمير حمزة في منزل الأمير الحسن”.
منذ اللحظة الأولى كان خطاب السلطة يركز على أن التعامل مع الأمير حمزة سيكون وفق البروتوكولات الملكية، في إشارة إلى تدخل عائلي لإنقاذ الموقف قبل تفاقمه.
من غير المعروف ما دار في الجلسة الهاشمية، كما أن عدم خروج الأمير حمزة بشكل مباشر للحديث عن موقفه يجعل الباب مفتوحًا على جديد ربما تكشفه الساعات القادمة.
قبضة أمنية أخافت الحراك
لا يمكن الذهاب بعيدًا عن الرد الفعل الرسمي تجاه الشخصيات البارزة في الدولة، والتعامل شديد اللهجة تجاه رموز من الأسرة المالكة، بل إن وضع ولي العهد السابق قيد الإقامة الجبرية يمثل أول واقعة من نوعها تتعلق بأحد أفراد العائلة المالكة منذ وصول الملك عبد الله إلى العرش.
عندما تصل يد السلطة إلى شخصيات من الأسرة الهاشمية، فإن ذلك أدعى باختفاء المجموعة التي كانت في محيط الأمير حمزة من القبائل والتي شكلت مؤخرا مع عُرف بـ”الحراك”، حيث دعوا خلال الأسابيع الأخيرة إلى احتجاجات ضد الفساد.
هذه المجموعة كانت الصوت الأقل ظهور على الساحة الداخلية في الأردن خلال اليومين الماضيين، وهو ما دفع المتابعين للموقف للقول إن إمساك يد شقيق الملك يبدو أصعب بكثير من جعل فكرة الحراك شيئًا من الماضي.
الحراك العشائري تشكّل على خلفية التضرر الاقتصادي الذي أدى إلى ارتفاع البطالة إلى مستويات قياسية، وتفاقم الفقر، وقمع السلطات عدة مظاهرات واعقتال العشرات.
وبعدما كان اعتقال شخصيات من العائلة المالكة أو مقربة منها أمرًا نادر الحدوث في الأردن، بات طبيعيًا في ظل حديث عن “مؤامرة لزعزة استقرار البلد”.
حُزَم الدعم.. خوفٌ من العدوى
العامل الثالث الذي ربما كان سببًا في تقوية موقف السلطات في الأردن، يتمثل في حجم الدعم الذي تلقته من دول عربية خاصة الإمارات والسعودية منذ اللحظات الأولى، فضلاً عن الموقف الأمريكي الذي دعّم أي خطوة يتخذها الأردن لـ”الحفاظ على استقراره”.
البعض قرأ هذا الدعم على نحو يرى في موقف قادة المنطقة رسالة مبطنة أن أحدًا “لا يود أن يرى الفوضى تصيب أي نظام… يمكن أن يكون ذلك معديًا”، وفقما قال لبيب قمحاوي، المحلل السياسي الأردني لوكالة أسوشيتد برس.
كما سارع قادة وزعماء عواصم خليجية وعربية حليفة بالاتصال بالملك عبدالله، وتأكيد دعمهم له، حيث يُنظر إليه كأحد دعائم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. كما قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن “العاهل الأردني شريك رئيسي للولايات المتحدة، وهو يحظى بدعمنا الكامل”.
في وقت متأخر من الإثنين نقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن محامي الأمير حمزة قوله إن “الوساطة ناجحة”، لافتًا إلى أن هناك “توقعات بحل للنزاع العلني في العائلة المالكة”.
لكن الملاحظ في حديث المحامي أنه استخدم مصطلح “توقعات” ما يعني أن عدم خروج الأمير للحديث علنًا يرجح أن تكون الساعات القادمة حُبلى بجديد في هذا الملف.
هل يكون للأمير حمزة دور في مستقبل الحكم
الأمير حمزة الذي لم ينسَ على ما يبدو لحظة أن أبلغه أخيه الملك عبدالله رسالة بإقالته من ولاية العهد، هل يمكن أن يكون له دور في مستقبل الحكم الملكي في الأردن؟ هذا واحد من التصورات المطروحة على الساحة.
إلى أن يخرج الأمير الشاب إلى العلن ويتحدث عن تفاصيل الماضي وطموحه للمستقبل، يبقى الباب مفتوحًا على أن الأسرة الهاشمية لمست طموح الأمير الشاب الذي فقد فرصة الوصول إلى عرش المملكة مرتين من قبل.