تراهن الحكومة على مشروع الدلتا الجديدة في تحقيق نقلة في الإنتاج الزراعي. بالإضافة إلى جذب العمالة الزراعية واستقرارها. ذلك لاعتبارات تتعلق بموقع المشروع المقرر على حدود ثلاث محافظات. والمفترض أن يوفر حياة متكاملة للمستفيدين منه (وحدات سكنية – شبكة طرق). خاصة مع معالجته ما عانت منه المشروعات التنموية السابقة من مشكلة انعزالها في الصحراء وابتعادها عن الخدمات والعجز عن نقل باقي الأسرة. مثل مشروع توشكى الذي دشنه الرئيس الأسبق حسني مبارك، لكن حتى الآن يواجه المشروع عدة مشكلات. إذ جعلت منه مشروع دون جدوى.
حدود الدلتا الجديدة
المشروع الجديد يقع قرب الدلتا القديمة على حدود محافظات البحيرة ومطروح والجيزة. في مكان يمكن ربطه بالموانئ بسهولة. مع شبكة طرق تبدأ من محور روض الفرج الجديد في القاهرة وحتى طريق الضبعة.
تلعب فكرة المشروع على الموقع وتخطي فكرة الإنتاج الزراعي إلى خلخلة توزيع السكان في الدلتا القديمة، التي فقدت مساحات شاسعة من الأراضي منذ الثورة. بينما لم تنجح الجهود التي امتدت لعقود في إخراج سكانها إلى مساحة أكثر رحابة في الصحراء.
كما أن هذه الفكرة تحمل أيضًا قيمة مضافة تتعلق بالعمومية. فلا يمكن تصنيف المشروع باعتباره يخدم منطقة يعينها على مستوى التشغيل. مثل “توشكى” الذي كان يخدم أهالي الوادي الجديد الأقرب لموقعه. أو النوبارية التي ظل الحضور الأبرز فيها لسكان محافظة البحيرة. وإنما تعتمد “الدلتا الجديدة” على التشبيك، بتوفير مصانع مجاورة، للتعامل مع المنتج، دون الحاجة إلى نقله أو تخزينه. إضافة إلى محطات التصدير والإنتاج الحيواني وتصنيع منتجات الألبان.
كان من المقرر أن تبلغ مدة تنفيذ المشروع 10 أعوام. لكن الرئيس السيسي طالب بضغطها في عامين اثنين فقط. ذلك بهدف تسريع تحقيق استراتيجية التوسع الزراعي والعمراني والأمن الغذائي.
تمويل ضخم
يظل التمويل أحد التحديات التي يواجهها هذا المشروع بما يحمله من مكاسب اقتصادية ضخمة على المدى البعيد. فتكلفة استصلاح الفدان الواحد تناهز 200 ألف جنيه. وترتفع التكلفة الإجمالية حال إضافة تكلفة محطات معالجة مياه الصرف الزراعي والرفع وإنشاء الترع سواء مكشوفة أو مغطاة لتوصيل المياه للأراضي. ذلك إلى جانب تكاليف الاستصلاح وشبكة الطرق والكهرباء وغيرها من البنية التحتية اللازمة لتأهيل الأراضي.
شهدت مصر تنفيذ نحو 66 محطة معالجة للصرف الصحي. بطاقة إجمالية تقدر بـ2.9 مليون متر مكعب يوميًا. وإجمالي استثمارات يتجاوز 14.3 مليار جنيه، خلال الفترة عام 2014 وحتى سبتمبر 2018. وتقسم محطات معالجة الصرف الصحي والبالغ عددها 420 محطة لـ16% تعمل بنظام المعالجة الابتدائية، و82% معالجة ثنائية، و2% معالجة ثلاثية.
حسب التكنولوجيا المستخدمة؛ فإن 189 محطة بتكنولوجيا الحمأة النشطة – 89 بخنادق الأكسدة – 75 ببرك الأكسدة – 26 بمرشحات الخفقان – 41 بتكنولوجيات مختلفة. ويقدر حجم مياه الصرف الصحي المعالجة، والتي يتم توجيهها لزراعة الغابات الشجرية ببعض الشركات التابعة، بحوالى مليون متر مكعب يوميًا.
القمح الهدف الأساسي
ووفق الدراسات المتعلقة بالمنطقة، فإن محصول القمح أحد أهدافها الأساسية، وهو محصول ليس غريبًا عليها، فسبق إنتاجه فيها قبل عشرات القرون حينما كانت منطقة الساحل الشمالي الغربي سلة غذاء الإمبراطورية الرومانية كلها. خاصة أن الدراسات الحقلية أكدت أن 93% من المنطقة ذات صلاحية للزراعة، من الدرجة الثالثة والرابعة مؤهلة لجميع أنواع المحاصيل.
وذكرت دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات أن مشروع الدلتا الجديدة يضيف 15% مساحة منزرعة جديدة لمصر تستغل لتحقيق الأمن الغذائي. خاصة أنه يمتد من شمال الواحات إلى جنوب وادي النطرون، وشرق وغرب منخفض القطارة.
كما شهد المشروع دراسة متكاملة التربة شملت الحصر والتصنيف وتحديد قطاعاتها والخواص الفيزيائية والكيميائية، ودرجة الملوحة والخشونة مع فحص 20 ألف عينة معملية بواسطة 3 فرق. كما يضم الفريق الأول هيئة التعمير ومركز بحوث الصحراء ومركز البحوث الزراعية ممثل في معمل الأراضي والمياه، وفرق كليتي الزراعة جامعة القاهرة والإسكندرية.
يقوم المشروع المتكامل على الاستغلال الأمثل لمصادر مياه الري غير التقليدية. كذلك معالجة مياه الصرف الزراعي مع تطبيق نظم الري الحديث كالرش والتنقيط. بالإضافة إلى تعظيم إنتاجية وحدتيّ الأراضي والمياه.
ويعتبر قطاع الزراعة أكبر قطاع مستهلك للمياه في مصر بنحو 35.1 مليار متر مكعب خلال العام قبل وهو ما يمثل نسبة 76.7% من إجمالي الاستخدامات. يليه مياه الشرب الذي بلغ استهلاكه 10.75 مليارات متر مكعب، بنسبة 13.4% من إجمالي الاستخدامات.
مساحات واسعة
قال وزير الزراعة السيد القصير، في تصريحات صحفية، إن الهدف من المشروع الحد من استيراد السلع الغذائية الاستراتيجية خاصة في ظل ما أظهرته جائحة كورونا من أهمية للقطاع الزراعي. ما يدفع الدول إلى إعادة رسم خططها بمجال الزراعة.
وأكد أن الدلتا الجديدة تتكامل مع مشروع مستقبل مصر الذي تبلغ مساحته 500 ألف فدان والذي يقع شمال وجنوب محور الضبعة. الذي بدأ تنفيذه بالفعل باستغلال المياه الجوفية المتاحة بالمنطقة. من خلال زراعة 200 ألف فدان حاليًا يتوقع أن تصل إلى 350 ألف فدان مع بداية 2022.
وأضاف أنه بإضافة المشروعات الأخرى الجاري تنفيذها بمناطق أخرى بشمال ووسط سيناء وتوشكى والوادي الجديد والريف المصري. وقد تصل بإجمالي المساحات التي تضاف إلى الرقعة الزراعية خلال عامين إلى أكثر من 2 مليون فدان.
وقامت فرق عمل متخصصة من الجامعات بجمع البيانات وإعداد خرائط صلاحية الأراضي لـ688 ألف فدان مع إمكانية التوسع المستقبلي في المساحة. وفقًا لمدى توفر مصادر مياه إضافية. وبدراسة عناصر المناخ. إذ تبين أن الأرض تصلح لزراعة المحاصيل الاستراتيجية وعلى رأسها القمح والذرة الصفراء والبقوليات ومحاصيل الخضر وأنواع مختلفة من الفاكهة.
دروس كورونا
ووضعت جائحة كورونا في خضم اشتعالها الدول المستوردة للغذاء في مأزق مع إعلان كبار منتجين الغذاء الأولي وقف التصدر. أو تأخر شحنات القمح والأرز في الموانئ بسبب توقف حركات النقل.
وقبل عام فقط، أعلنت حكومة كازاخستان، التي تحتل مرتبة ضمن أكبر دول مصدرة للقمح في العالم، منع تصديره مع منتجات غذائية أخرى مثل الجزر والسكر والبطاطس. بينما قررت روسيا، التي تتربع على عرش الإنتاج، دراسة الأمر بشكل أسبوعي وفقًا لتطورات الأمور. كما قررت عدم استبعاد اتخاذها قرار بالحفاظ على إنتاجها لأغراض محلية.
وحينها أيضًا، أعلنت فيتنام وقف تصديره لضمان أمن الغذائي الخاص مع تضرر جزء من إنتاجها بموجة جفاف شديد. كما اتخذت كمبوديا وميانمار قرارات شبيهة تتعلق بالأرز. بينما توقفت الشركات الهندية عن تقديم عروض أسعار للمشترين الأجانب لعدم قدرتهم على تحديد موعد الشحن، واستغلت تايلاند الفرصة لرفع أسعار تصديرها لأعلى مستوى في 7 سنوات لتبيع الطن (بنسبة كسر 5%) بحوالي 540 دولارًا، مقابل المستوى المعتاد 365 دولارًا للطن.
“المياه ليست مشكلة”
ويقول حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، إن موقع المشروع الجديد منحه مزايا مختلفة عن المشروعات السابقة حيث يقع قرب الموانئ ومحور الضبعة قرب الدلتا ، ما يوفر الآلاف من فرص العمل، ويضمن نفاذية صادراته بسرعة لأسواق التصدير بدلاً من النقل لفترات طويلة تقلل معها العمل الافتراضي للمحصول.
ويضيف، لـ”مصر 360″، إن المياه لا تمثل مشكلة للمشروع الجديد الذي تصل مساحته لمليون فدان في ظل اتباع الطرق الحديثة في الري التي توفر معها كميات الاستهلاك وفي الوقت ذاته عناصر الزراعة الأخرى كالأسمدة، ما يصب في النهاية في صالح سد الفجوة بين الإنتاج الزراعي في مصر والاستهلاك، مطالبا الدولة بأن تكون الأولية في تخصيص الأرض لصغار الفلاحين الذين يحبون أرضهم ويسعون لتعميرها.
وتتبنى مصر حاليا طرق جديدة للزراعة بالتعاون مع المركز الدولي للزراعة في المناطق الجافة والأراضي القاحلة «ايكاردا» والحملة القومية للنهوض بمحصول القمح بمركز البحوث الزراعية، بهدف توفير 25% من كميات المياه المستخدمة و15% من التقاوي عبر الزراعة على المصاطب العريضة التي تحيط بط منها مجري مياه ما يقلل من الاستهلاك، بجانب استنباط محاصيل ذات جودة أعلى: تتميز بانخفاض حاجتها للمياه، وقصر مدة زراعتها.
التطوير الرأسي والأفقي
يقول الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، إن الحكومة تسعى حاليًا لتبني التطوير الرأسي والأفقي، فالأول عبر تحسين جودة الأراضي الزراعية القديمة وتحسين المجاري المائية بتبطينها، والثاني عبر التوقع الأفقي باستصلاح المزيد من الأراضي الصحراوية، بجانب مشروع المليون ونصف فدان.
ويعتبر جاب الله المشروع الجديد استباق من الدولة لتطوير منطقة ستشهد انتعاشًا مع تطوير محور الضبعة وخط السكك الحديدية الجديدة ما قد يجذب معه نواة مناطق عشوائية، وقررت أن تتولي التطوير وتقسيم المنطقة لكي تعوض المساحات التي تأكلت من الدلتا في البناء والتبوير، كما أن اتباع التقنيات الجديدة في الزراعة سيجعل المنتج الجديد مراعيا للاشتراطات الصحية المطلوبة للتصدير الخارج،
ويقول جاب الله لـ”مصر 360″ـ إن استخدام محطات معالجة مياه الصرف الصحي ذت مردود اقتصادي ايجابي، فهي تعمل على زيادة العائد الاقتصادي والدخل القومي وتحسين ميزان المدفوعات وتقليل التضخم نتيجة استغلال الأشجار الخشبية المروية بمياه الصرف، في الصناعات الخشبية أو محاصيل الألياف أو فى انتاج الوقود الحيوي، وزيادة الثروة السمكية كنتيجة لرفع كفاءة نوعية المياه المعالجة الملقاة بالمجاري المائية، وتحسين نوعية الهواء، ومكافحة التصحر.