بات الغموض يكتنف الخيارات المتاحة أمام مصر والسودان بعد فشل المفاوضات الأخيرة بشأن سد النهضة، في ظل تعنت إثيوبي وإصرار على إتمام عملية الملء الثانية في يوليو المقبل.

وأعلنت وزارة الخارجية المصرية بعد ظهر اليوم الثلاثاء أن جولة المفاوضات التي عقدت في كينشاسا حول سد النهضة خلال يومي 4 و5  أبريل 2021 لم تحقق تقدما، ولم تفض إلى اتفاق حول إعادة إطلاق المفاوضات.

علانية التعنت الأثيوبي

وقال السفير أحمد حافظ المتحدث باسم وزارة الخارجية إن إثيوبيا رفضت المقترح الذي قدمه السودان وأيدته مصر، بتشكيل رباعية دولية تقودها الكونغو التي ترأس الاتحاد الإفريقي للتوسط بين الدول الثلاث.

كما رفضت إثيوبيا كافة المقترحات البديلة لتطوير العملية التفاوضية لتمكين الدول والأطراف المشاركة في المفاوضات كمراقبين من الانخراط بنشاط في المباحثات والمشاركة في تسيير المفاوضات، وطرح حلول للقضايا الفنية والقانونية الخلافية.

كما رفضت إثيوبيا مقترحاً مصرياً جرى تقديمه خلال الجلسة الختامية للاجتماع الوزاري ودعمته السودان بهدف استئناف المفاوضات بقيادة الرئيس الكونغولي وبمشاركة المراقبين وفق الآلية التفاوضية القائمة.

حديث الجانب المصري الأخير تطرق إلى أن إثيوبيا لا تمتلك إرادة سياسية للتفاوض بحسن نية، فضلا عن سعيها للمماطلة والتسويف من خلال الاكتفاء بآلية تفاوضية شكلية وغير مجدية.

بهذا المعنى فإنه لا مفاوضات أخرى مرتقبة بشأن السد، وأن مصر والسودان ينخرطان الآن في دراسة الخيارات المتاحة، والتي تتفاوت بين كونها سياسية وعسكرية.

تلويح مصري.. وسيناريوهات مختلفة

السفير أحمد حافظ تحدث عن أن موقف أثوبيا يؤدي إلى “زيادة الاحتقان في المنطقة”، وهي إشارة إلى تصريحات سابقة للرئيس عبدالفتاح السيسي عندما لوّح بأن التعدي على حصة مصر المائية يعني أن اضطرابا سيصيب المنطقة.

المعنى نفسه كرره وزير الخارجية سامح شكري في تصريحات تليفزيونية اليوم الثلاثاء بأن مصر ستتحرك إذا لحق بها أي ضرر مائي جراء سد النهضة، مشيرا إلى أن لدى بلاده سيناريوهات مختلفة لحماية أمنها المائي، دون أن يقدم مزيدا من التفاصيل بشأن هذه السيناريوهات.

وخلال يومين اجتمع ممثلو البلدان الثلاثة (مصر والسودان وأثيوبيا) في عاصمة الكونغو الديمقراطية كينشاسا برعاية الاتحاد الأفريقي من دون الآلية الرباعية الدولية التي طلبتها مصر والسودان لتوسيع دائرة المراقبين لتشمل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للقيام بدور الوساطة واقتراح الحلول بدلاً من مجرد مراقبين في محاولة لتسهيل عملية التفاوض وفك الجمود بين مواقف الدول الثلاثة.

في ظل هذا الموقف تبقى الخيارات مفتوحة على اللجوء لمجلس الأمن أو تدخل اللحظات الأخيرة من قبل طرف دولي ذا ثقل، أو الخيار العسكري الذي ستكون تبعاته مكلفة على كافة الأصعدة.

https://twitter.com/sarafahmmy/status/1376882839673790470?s=20

أستاذ العلوم السياسية طارق فهمي يرى أن الخيارات المتاحة أمام مصر حاليا باتت قليلة، خاصة أن الأداء الأثيوبي كان معلنًا في رفض الاتفاق على بنود إلزامية، وبالتالي النية الإثيوبية في استهلاك الوقت ظهرت جليا في الجولة الأخيرة.

ويرى طارق فهمي أن هناك مسارات سياسية وأخرى عسكرية، ولكن يسبقهما مسار استراتيجي يمكن أن يشكل مفاجئة في اللحظات الأخيرة قبل ملء السد المقرر بعد أسابيع.

ورقة مجلس الأمن

وعن اللجوء إلى مجلس الأمن، أشار فهمي إلى إن مصر والسودان غير متاح لهما الذهاب إلى مجلس الأمن إلا إذا منحهما الاتحاد الأفريقي إقرارا بأنه فشل في إدارة المفاوضات بسبب الجانب الأثيوبي وليس الجانب المصري.

وأوضح فهمي أن الحشد على مستوى أعضاء مجلس الأمن جيد ولكن يد مصر ليست قوية مع دولتي أمريكا والصين، ربما روسيا وفرنسا وبريطانيا هي الأقوي في هذا، وبالتالي مجلس الأمن يحتاج بعض الوقت، بيد أن الوقت لم يعد متاحًا مع الإعلان الإثيوبي موعد الملء الثاني.

وانتهت منذ يومين ترتيبات عسكرية قدبين مصر والسودان يراها طارق فهمي علامة على الذهاب للخيار العسكري، حيث تقوم مصر بإحاطة كافة الأطراف بأن لديها خياراتها وقدراتها.

أنصاف حلول وأشباه خيارات

يرى أستاذ العلوم السياسية أن العودة للمفاوضات بمثابة “عبث” خاصة أنها لا تنتج إلا أنصاف حلول وأشباه خيارات، مشيرا إلى أن مصر ستعمل  في أكثر من اتجاه، لكن الأمر يحتاج وقتا قليلا.

ويضيف: “ما زال أمامنا عدة أسابيع قبل للملء الثاني، وأعتقد أن أي إجراء عسكري يحتاج بعض الوقت سواء داخليا أو خارجيا.. لكن المؤكد حاليا أن آليات التفاوض المصرية انتهت”.

لكن أستاذ العلوم السياسة لا يستبعد تدخلا مفاجئا، متابعا: “لم يعد هناك تفاوض إلا إذا دخلت الولايات المتحدة الأمريكية ووضعت اتفاقا يرضي الطرفين في لحظات معينة إذا استشعرت جدية الحركة العسكرية في هذا التوقيت، فالولايات المتحدة وحدها هي من تستطيع عمل ذلك، وليس هناك أطراف أخرى عربية أو خليجية”.

واختتم فهمي: “نحن نعمل الأن في الوقت المستقطع وهو خطير للغاية وبالتالي ستجعل مصر تفكر في كل خياراتها السياسية والاستراتيجية في هذا التوقيت”.

السودان: الوضع خطير وكل الخيارات ممكنة

وأعلن السودان، مساء الثلاثاء، أن كل الخيارات باتت ممكنة بعد التعنت الأثيوبي.

وفي بيان أوردته وكالة الأنباء الرسمية “سونا“، قالت الخرطوم إن إثيوبيا “رفضت بإصرار” كل الخيارات البديلة والحلول الوسطى.

وقالت السودان إن تجربة الملء الأول في يوليو الماضي ألحقت أضرارا فادحة بالبلاد تمثلت في شح مياه الري والشرب حتى في العاصمة الخرطوم عندما احتجزت إثيوبيا 3.5 مليار متر مكعب من المياه خلال أسبوع واحد فقط دون إخطار مسبق. لكن من المتوقع تخزين 13.5 مليار هذا العام حسب الخطط المعلنة من الجانب الإثيوبي.

وأضاف البيان السودان أن “هذا التعنت الإثيوبي يحتم على السودان التفكير في كل الخيارات الممكنة لحماية أمنه ومواطنيه بما يكفله له القانون الدولي”.

وقالت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق إن “السيناريوهات مفتوحة… هناك الكثير من المصالح الأثيوبية في السودان وقد تشكلت لجنة وزارية للنظر في كيفية التعامل مع هذه المصالح الأثيوبية”.