في ظل تنامي المؤشرات داخل إيران بخصوص عسكرة الرئاسة، لاسيما مع اقتراب الانتخابات، المزمع إجراؤها منتصف العام الحالي، وتوالي أسماء المرشحين من داخل صفوف قادة الحرس الثوري الإيراني، كان من المباغت وقوع مناوشات بين عدة أطراف داخل الجناح الراديكالي والمتشدد، وظهور ملاسنات حادة بينهم.
انتخابات إيران التي أظهرت خلافات الراديكاليين
ظهر ذلك جليًا مع التصريحات الأخيرة للواء يد الله جواني، المساعد السياسي لقائد الحرس الثوري الإيراني. والذي قال إن العميد سعيد محمد، رئيس مقر “خاتم الأنبياء” -الذراع الاقتصادية للحرس الثوري- قد أقيل من منصبه ولم يتقدم باستقالته. ذلك على خلفية “مخالفات قانونية تتعلق بالترشح للانتخابات.
وفق جواني، فإن “الحرس الثوري لا يدعم أي مرشح في الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة”. كما أن عزل “سعيد محمد” من منصبه جاء بسبب “تجاوز قوانين الحرس في ما يتعلق بالترشح للانتخابات”. وذلك كله يكشف تباينًا في وجهات النظر بخصوص إدارة الانتخابات الرئاسية.
ومع احتدام الخلاف والتنافس داخل الحرس الثوري، تبنت الأحزاب والصحف المنتمية للتيار الأصولي في إيران الاتجاه الذي عبر عنه المساعد السياسي لقائد الحرس الثوري. قال حميد رضا ترقي، عضو “حزب مؤتلفة”، أحد الأحزاب الراديكالية في إيران، إن سعيد “طُرد، ولم يستقل”.
انتخابات إيران وأزمة الجيلين بالحرس الثوري
هذه الحالة التي تبرز -في جانب منها- خلافًا معلنًا بين الجيل الأول والثاني في قيادات الحرس الثوري، نفى الحرس الثوري التصريحات الصادرة عن المساعد السياسي لقائده.
وقد أوضح الناطق الرسمي بلسان الفيلق، رمضان شرف، أن “سعيد محمد لم يرتكب مخالفات بناءً على قوانين الحرس الثوري الرسمية، وقد يتراجع المساعد السياسي للحرس الثوري عن اتهامات.. وكل من يقول إن هناك مخالفة يجب أن يوضح ما هي المخالفة بدقة”.
على ما يبدو، أن ترشح الجنرال الشاب في الحرس الثوري، والذي انخرط في أنشطته، منتصف ثمانينيات القرن الماضي، بينما تولى قيادة أحد أقوى المؤسسات الاقتصادية له عام 2018، قد بعث بعدة مخاوف. كما رفع حمى المنافسة الجيلية داخل التنظيم المسلح والعسكري بإيران.
واللافت أن المرشحين المحتملين غالبيتهم من قيادات الصف الأول، مثل حسين دهقان القيادي في “الحرس”، ومستشار المرشد الإيراني، علي خامنئي، للشؤون العسكرية. وهو أول من أعلن خوضه الانتخابات، نهاية العام الماضي.
الانتماء العسكري لا يعني الوثوق بالمرشح المحتمل
الباحث في الشأن الإيراني، رمضان قدور، يوضح أنه “بالنسبة إلى الحرس الثوري الإيراني، فإن وجود تاريخ وسجل عسكري لدى المرشحين المحتملين كلهم، لا يعني الوثوق فيهم أو الاعتماد عليهم اعتمادًا مطلقًا. فعلى سبيل المثال، علي لاريجاني، أحد المرشحين العسكريين المحتملين، يمتلك سجلاً عسكريًا، وعلى علاقة جيدة بقادة الحرس الثوري أغلبهم. لكنه في المجال السياسي يمتلك حلقته الخاصة به. كما أن له علاقات جيدة مع فريق حسن روحاني. وهو يمتلك وفريقه خلافات سياسية عميقة مع بعض التيارات الموالية للحرس الثوري.
يلفت قدور -في دراسة أعدها بهذا الشأن- إلى أن بعض الشخصيات العسكرية حديثة الظهور، مثل حسين دهقان تمتلك مشكلات أخرى. مثل “تاريخها وسجلها في العمل مع حكومة محمد خاتمي الإصلاحية، وسعيها الدؤوب للظهور بوصفها شخصية معتدلة من الناحية السياسية”. ذلك فضلاً عن الشكوك التي تدور حول دهقان ومدى قدرته على حشد الناخبين وتشكيل كادره الخاص.
من ناحية أخرى، هناك حالة من عدم الثقة ومخاوف عدة تدور حول شخصيات عسكرية مثل عزت الله ضرغامي، وبرويز فتاح، بحسب قدور. يقول قدور: “عزت الله ضرغامي شخصية سياسية قليلة الخبرة وتمتلك علاقة جيدة مع تيار محمود أحمدي نجاد”. ذلك إضافة إلى عدم امتلاكه شعبية كبيرة أمام الرأي العام الإيراني. بسبب عمله في هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني سنوات. أما برويز فتاح فقد بدأت المخاوف تدور بشأنه منذ أن أقدم على فتح قضايا فساد تتعلق ببعض الشخصيات المحسوبة على التيار الأصولي.
وعليه، فإن رغبة الحرس الثوري في إيران في الاستيلاء على مؤسسات السلطة الأساسية، هي مهمة ليست وليدة اللحظة. بل تمتد لثلاثين عامًا. ذلك حسبما يوضح الباحث في الشأن الإيراني.
تأثير الانتخابات الأمريكية في سير نظيرتها بإيران
شكل فوز جو بايدن في معركة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة فرصة سانحة لإيران للخروج من عنق زجاجة سياسة الضغط الأمريكية القصوى. وهي التي كان يتبعها ترامب ضد إيران، موجهًا ضربات قاسية للاقتصاد الإيراني. ما أدى إلى تخفيض غير مسبوق في معدل صادرات النفط الإيرانية، وقيمة العملة الوطنية الإيرانية.
ومن ثم، فإن عامل الانتخابات الرئاسية الأمريكية سيكون له انعكاسات سلبية مؤثرة في احتمال وصول رئيس عسكري إلى سدة الحكم. إذ أنه في “حالة انتخاب ترامب مجددًا، كان النظام الإيراني سيتجه نحو الانكماش (مجلس نواب عسكري ورئيس عسكري). ذلك للمحافظة على حكومة موحدة متماسكة (خالية من الانشقاقات) في ظل ما يواجهه من عقوبات أميركية مشددة نتجت عنها أزمات مستعصية على الصعيد الداخلي والإقليمي. لكن مع مجيء شخصية مثل بايدن يعرفها الإيرانيون جيدًا وكانت قريبة من المفاوضات الأميركية الإيرانية والاتفاق النووي، سيحتاج النظام الإيراني اليوم إلى رئيس يمتلك خبرة في المجال السياسي والدبلوماسي، كمحمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني الحالي الذي تحدث في إحدى مقابلاته التلفزيونية عن علاقة صداقةٍ قديمة ومتينة تربطه بجو بايدن.
الصراع المحموم بين المخابرات والحرس
في حديثه لـ”مصر 360″، يشير المحلل السياسي الإيراني محمد المذحجي إلى أن الخلافات داخل الحرس الثوري، تفصح عن وجود أجنحة متباينة داخل التنظيم الموازي للجيش في إيران. خاصة مع وجود أصوات متفاوتة بخصوص بعض القضايا السياسية القائمة والمنخرطة فيها طهران.
ويوضح المذحجي أن “القيادي السابق في الحرس محمد عزيز جعفري تمت إقالته، مثلاً، على خلفية رفضه تحويل إيران لمستعمرة صينية بفعل الاتفاقية الجديدة التي تعطي بكين حق التصرف في حقول الغاز والنفط وبتخفيضات تصل 35% وهو رقم هائل”. ذلك فضلاً عن السماح للجيش الصيني أن يستخدم إيران كمسرح لصراعها مع الولايات المتحدة، أو القوى المنافسة لها في الشرق الأوسط. وهذه الأطراف التي تتفق مع رأي حعفري تعتقد أنه لا ينبغي لإيران أن تتورط في مثل هذه المشاحنات، لكن الاتفاق الاسترايتيجي جعل الأمر واقعاً”.
المال السياسي.. معركة انتخابية أخرى
ويضيف المذحجي أن الخلاف داخل الأجهزة الأمنية بإيران يعكس صراعات محمومة تدور بين المخابرات وجهاز استخبارات الحرس الثوري. وهي صراعات تجري بوسائل متفاوتة، بعضها أمني، والبعض الآخر يكون من خلال المنصات الإعلامية القريبة منهم أو التابعة مباشرة لهم. كما أن الأحزاب والشخصيات السياسية تتحرك كذلك. وقد يتم “تفجير بعض مناطق التوتر في ظل هذه الخلافات. من خلال تعبئة مناطق الأقليات وإحداث نزاعات داخلها.
وظهرت، مؤخراً، تفجيرات وحوادث دموية، في بلوشستان، لفرض أجندة طرف ما في مواجهة الطرف الآخر. كما أن هناك صراعات جديدة كشفت عنها معركة الانتخابات الرئاسية، بين أجنحة الحرس الثوري وقادته. وجرى ذلك أيضًا مع قائد مقر خاتم الأنبياء وآخرين. حيث أن الأخير يهيمن على ما لا يقل عن خمس المشاريع التنموية بإيران. وقد تم الهجوم عليه من قبل مجموعات مختلفة داخل الحرس، بحسب المذحجي. ووصفوه بأنه “استغل منصبه والأموال التي بحوزته لحساب الانتخابات”.
ومن بين الأسماء المتوقع ترشحها وستحظى بالدعم محمد باقر قاليباف رئيس مجلس النواب الحالي وقائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني سابقًا. وأيضًا علي لاريجاني رئيس مجلس النواب الإيراني سابقًا ومستشار خامنئي وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام ونائب رئيس هيئة الأركان العامة في الحرس الثوري، في الفترة بين عامي 1982 و1992. وأخيرًا اللواء محسن رضائي أول قائد لوحدة استخبارات الحرس الثوري الإيراني.