على وقع عام جديد من جائحة كورونا، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، من مظاهر انعدام المساواة والعدل اللذين يكتنفا النظم الصحية، وذلك بمناسبة يوم الصحة العالمي.
وقال جوتيريش: “لاحظنا داخل البلدان أن معدلات المرض والوفاة الناجمين عن مرض كـوفيد-19 أعلى بين السكان والمجتمعات التي تكابد الفقر وظروف المعيشة والعمل غير المواتية والتمييز والاستبعاد الاجتماعي”.
وتشير منظمة الصحة العالمية بدورها إلى أن الخدمات الصحية الأساسية غير متاحة لعدد لا يقل عن نصف سكان العالم؛ فهناك أكثر من 800 مليون شخص ينفقون ما لا يقل عن 10% من دخل أُسرَهم على الرعاية الصحية، كما أن النفقات من الأموال الخاصة تدفع ما يقرب من 100 مليون شخص إلى دائرة الفقر كل عام.
وكانت منظمة الصحة العالمية أعلنت حالة طوارئ دولية، لكن التعبئة في العالم لم تبدأ إلا بعد وصفها الوضع بالوباء في 11 مارس من العام الماضي.
كما انتشر الوباء في القارة العجوز أوروبا، وتسبب في وفاة 2.87 مليون شخص، وفرض حجر على أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية، كما توقفت قطاعات اقتصادية كاملة.
لكن البعض كان يرى أن المنظمة تأخرت في إطلاق التحذير، لتجنب إغضاب الصين الناشطة في مختلف هيئات الأمم المتحدة.
كوفيد-19 أبرزت عدم المساواة
وفقا لمنظمة الصحة العالمية فقد سلطت جائحة كوفيد-19 الضوء كيف أن بعض الناس يمكنهم أن يتمتعوا في حياتهم بالصحة وأن يحصلوا على الخدمات الصحية أكثر من غيرهم، لأسباب تعود كلها إلى الظروف التي يولدون ويكبرون ويعيشون ويعملون ويشيخون فيها.
ففي جميع أنحاء العالم، تكافح بعض الفئات من أجل تلبية احتياجاتها بالدخل اليومي القليل، وتعيش في أوضاع سكنية وتعليمية سيئة، وتحظى بفرص عمل أقل، وتعاني من قدر أكبر من عدم المساواة بين الجنسين، وتقل أو تنعدم فرص حصولها على البيئة الآمنة والمياه والهواء النظيفين، والأمن الغذائي، والخدمات صحية.
وتلفت منظمة الصحة إلى أضرار كوفيد-19 بجميع البلدان بشدة، ولكن أثره كان أشد وطأة على المجتمعات المحلية التي كانت تعاني بالفعل من الضعف، والتي كانت أشد تعرضاً للمرض، وقلّت احتمالات حصولها على خدمات الرعاية الصحية الجيدة، وزادت احتمالات تعرضها لعواقب خطيرة نتيجة للتدابير المتخذة لاحتواء الجائحة.
في مصر، يصل الإنفاق على الصحة من ميزانية المواطن الشخصية، مايصل إلى 70%، فيما تنفق الجهات الحكومية أقل من 30%، وفي ظل نسبة للفقر تصل إلى 29%، حسب آخر إحصائية أجريت قبل كورونا، يبقى الحديث مفتوحا حول فاعلية المنظومة الصحية المصرية.
التوزيع غير العادل للقاحات
وفي سباق مع الوقت تحاول دول العالم تلقيح كامل شعوبها ضد الفيروس القاتل، ولكن طرح اللقاحات على النطاق العالمي لم يكن متساويًا بأي حال.
شاب توزيع اللقاح منافسة بين الأغنياء والفقراء، فالولايات المتحدة وبريطانيا تستحوذان على كميات كافية بل وزائدة من اللقاحات في الوقت الراهن، أما الدول الغنية الأخرى، مثل كندا ودول الاتحاد الأوروبي، فهي متخلفة عن ذلك إلى حد ما. وبالعكس بالنسبة لأغلب الدول النامية، التي لم تشرع في حملة التطعيم لمواطنيها أصلا.
ولكن بينما أطلقت معظم دول القارات الأوروبية والأمريكية الشمالية والجنوبية برامج التطعيم، لم تفعل ذلك إلا حفنة من الدول الإفريقية بحسب تقرير نشرته هيئة الاذاعة البريطانية.
وفقا للأمين العام، بفضل مبادرة مبادرة كوفاكس، بشأن إتاحة لقاحات كوفيد-19 على الصعيد العالمي، زاد عدد الدول التي بدأت تتلقى حاليا إمدادات من اللقاحات، “ولكن لا يزال يتعيّن على معظم سكان البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل الترقب والانتظار”.
وكوفاكس مبادرة تقودها منظمة الصحة العالمية وتحالف اللقاحات جافي، ومركز الاستعداد للأوبئة، ويهدف هذا التحالف إلى توفير اللقاحات إلى كل دول العالم بأسعار معقولة.
وتتعهد المبادرة بتزويد كميات من اللقاحات تكفي لتطعيم 20% من سكان الدول المستحقة، وتعد غانا أول دولة تستلم اللقاحات من خلال هذه المبادرة، وذلك في فبراير الماضي. وتخطط كوفاكس لإيصال نحو ملياري جرعة من اللقاحات بحلول نهاية العام الحالي.
وفي السياق ذاته أشار جوتيريش إلى أنه على الصعيد العالمي، ظهر أن الغالبية القصوى من جرعات اللقاحات التي تُعطى يستأثر بها عدد قليل من البلدان الغنية أو البلدان المنتجة للقاحات، مضيفا “هذه المظاهر من انعدام الإنصاف ليست أخلاقية، وتشكل خطرا على صحتنا واقتصاداتنا ومجتمعاتنا”.
ودعا الأمين العام إلى تنفيذ سياسات وتخصيص موارد حتى يتمكن الجميع من التمتع بنفس النتائج الصحية، وبالتالي تحقيق أهـداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، وتوفير التغطية الصحية الشاملة حتى يتسنّى للجميع، في كل مكان، أن يحيوا حياة مزدهرة.
وقال في رسالته: “فلنلتزم، في يوم الصحة العالمي هذا، بالعمل معا كي تعمّ الصحة والإنصاف هذا العام”.
وفي مصر تعطي الدولة الأولوية في منح الدورة الأولى من التطعيمات لكبار السن، العاملون في القطاع الصحي، إلى جانب المصابين بحالات سريرية تعرضهم لمخاطر.
سياسات عنصرية لبنانية وكورونا
حذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن عدد اللاجئين قد تجاوز الآن حاجز الـ 80 مليون شخص، أي ما يعادل عدد سكان ألمانيا على سبيل المثال.
ودفع فيروس كورونا في الأردن ولبنان والعراق مليون لاجئ سوري و 180 ألف نازح داخليًا إلى هوة الفقر، إلى جانب أكثر من أربعة ملايين شخص من أفراد المجتمعات المضيفة.
وتشير المفوضية السامية لحقوق اللاجئين إلى أن حالة اليأس بين اللاجئين في العالم وصلت إلى درجة شديدة، ظهر ذلك في تزايد حالات إيذاء النفس، بما في ذلك الانتحار في بلدان مختلفة مثل أوغندا ولبنان، وهي علامة على درجة حادة من المعاناة.
ومع ذلك، فإن العديد من اللاجئين قادرون ومستعدون لرد الجميل للمجتمعات المضيفة إذا ما أتيحت لهم الفرصة، ففي الأردن وفرنسا والبيرو، على سبيل المثال، انضم اللاجئون ممن لديهم مؤهلات في مجال الصحة العامة أو الطب إلى طليعة المستجيبين في جهود التصدي للوباء.
في السياق ذاته، قالت “هيومن رايتس ووتش” أمس إن برنامج الحكومة اللبنانية للتلقيح ضد فيروس “كورونا” قد يستثني الفئات المهمشة، بما فيها اللاجئون والعمال المهاجرون، وبينما وعدت الحكومة ببرنامج عادل، إلا أن التنفيذ يتسم بالتدخل السياسي وغياب المعلومات.
تُظهر بيانات الأمم المتحدة أن معدل وفيات اللاجئين السوريين والفلسطينيين جراء كورونا تبلغ أربعة وثلاثة أضعاف المعدل الوطني على التوالي، ويظهر على منصة التسجيل والمتابعة الحكومية على الإنترنت لتلقي لقاح كورونا أن 2.86% فقط من الذين تلقوا اللقاح، و5.36% من المسجلين لتلقيه، هم غير لبنانيين، رغم أنهم يشكلون 30% من السكان على الأقل.
في السياق نفسه، قالت باحثة حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش نادية هاردمان “واحد من أصل كل ثلاثة أشخاص في لبنان هو لاجئ أو مهاجر، ما يعني أن ثلث السكان معرضون لخطر الاستثناء من خطة التلقيح” مطالبة الحكومة الاستثمار في الوصول الهادف لبناء الثقة لدى فئات طالما هُمّشت، وإلا باءت جهود التلقيح ضد كورونا بالفشل”.
سنة العاملين الصحيين
أعلن الأمين العام عام 2021 سنة دولية للعاملين في مجالي الصحة والرعاية تقديرا وامتنانا لتفانيهم المستمر في مكافحة كوفيد-19، وتطلق منظمة الصحة العالمية حملة طوال العام تحت شعار “معا. الحماية. الاستثمار” والغرض منها هو إبراز الحاجة الملحة إلى الاستثمار في العاملين الصحيين من أجل تحقيق مكاسب مشتركة في مجال الصحة وفرص العمل والفرص الاقتصادية والإنصاف.
كما دعت المنظمة إلى اتخاذ إجراءات لدعم القوى العاملة في مجالي الصحة والرعاية وحمايتها وتحفيزها وتزويدها بالمعدات اللازمة من أجل تقديم رعاية صحية مأمونة في جميع الأوقات وليس فقط خلال الجائحة .
وكانت منظمة الصحة العالمية، في سبتمبر الماضي، قالت إن كل سبع إصابات بالفيروس جرى إبلاغ المنظمة بها، كان بينها واحد من العاملين في القطاع الصحي، بل إن هذا الرقم يرتفع في بعض الدول إلى واحد من بين كل ثلاثة مصابين.
وقال مدير عام المنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس، “عالمياً، كان نحو 14% من إصابات كوفيد-19 المسجلة التي أُبلغت بها المنظمة، لعاملين في المجال الطبي، وفي بعض الدول تبلغ هذه النسبة 35%”.