بينما كانت فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الأفضل لنظام الحكم في السعودية. كان لتولي الديمقراطي جو بايدن مسؤولية البيت الأبيض أوائل العام الجاري وقع الصدمة على الرياض. فالرئيس الجديد بدأ حملته الانتخابية بالتعهد بمعاقبة المملكة على خلفية حرب اليمن واغتيال الصحفي جمال خاشقجي. لذا كان من الضروري ومن الجلي كذلك أن السعودية تتجه إلى تغيير في سياستها ينقذ صورتها ويبعد عن ولي عهدها محمد بن سلمان شبح العزلة السياسية التي باتت تحاصره. وهي سياسة بدت في أشد صور تغيرها وضوحًا أثناء قمة العُلا وما أفضت إليه من اتفاق ينهي الأزمة الخليجية مع قطر. ذلك إلى جانب خطوات أخرى تحاول الرياض بها أن تمحو خطوط الخلاف مع البيت الأبيض في هيئته الجديدة.
بن سلمان ومبادرات الحفاظ على البيئة.. لماذا الآن؟
في 27 مارس الماضي، أعلن ولي العهد اهتمامه بمسألة التغير المناخي والبيئة، بإطلاق مبادرتين رئيسيتين في هذا المجال. تهدف المبادرة الأولى “السعودية الخضراء” لزراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة، بما يتطلب إعادة تأهيل “40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة”. في حين تسعى المبادرة الثانية بعنوان “الشرق الأوسط الأخضر” لزراعة 40 مليار شجرة في منطقة الشرق الأوسط. ضمن ما روج له باعتباره أكبر برنامج لإعادة التشجير في العالم.
وبحسب ما صرح به بن سلمان فإن المبادرتين محاولة من المملكة للمساهمة في تخفيض الانبعاثات الكربونية العالمية بنسبة كبيرة. مرجعًا ذلك لمدى إدراكه أن السعودية رائدة في إنتاج النفط عالميًا. ما يجعله يدرك جيدًا المسؤولية التي تقع على عاتقه في مكافحة أزمة المناخ.
أيضًا، حاول بن سلمان أن يثقل رؤيته 2030 وتشمل مبادرات متعلقة بمجال البيئة. ذلك من خلال التواصل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لبحث التحديات البيئية والحديث عن مبادراته البيئية. وقد نالت هذه المبادرات ترحيبًا من دول مثل بريطانيا، وروسيا، وباكستان، التي أعربت عن رغبتها في المشاركة.
هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها التغير الملحوظ في توجهات واهتمامات ولي العهد. خاصة بعد صعود جو بايدن. فقد أعلن من قبل عن مشروع مدينة “ذا لاين – The Line” ضمن مشروع نيوم. ووفق أهداف “ذا لاين”، تسعى المملكة لإنشاء “مدينة مليونية” طولها 170 كيلومترًا، تحافظ على الطبيعة بنسبة 95%. بحيث لا توجد بها سيارات، أو انبعاثات كربونية. وبحسب شعار بن سلمان فإنها ستكون “ثورة حضارية للإنسان تضع الإنسان أولاً”.
منذ توليه مهامه الرئاسية سعى الرئيس الأمريكي جو بايدن لمكافحة التغير المناخي. وهي قضية من أهم أولوياته بلا شك. ويبدو أنه سيحقق تقدمًا فيها أكثر من أي رئيس سابق، كما يرى رجله في هذا الملف جون كيري.
هذا الأمر يدركه جيدًا بن سلمان الساعي لفرصة لفت انتباه جو المختلف تمامًا عن سلفه ترامب في تعاطيه مع الشرق الأوسط وأنظمة الحكم به. أو هكذا بدا من توجهه الأخير نحو مبادرات الحفاظ على البيئة.
بن سلمان الأمير التنويري.. ولكن
منذ اليوم الأول لتوليه السلطة في 2017، روج معسكر بن سلمان للأمير محمد باعتباره “المنقذ التنويري” الذي سينتقل بالمملكة من الرجعية إلى التحضر. فهلل الإعلام لقرارات السماح للمرأة بقيادة السيارات وافتتاح قاعات السينما، وإقامة الحفلات الغنائية.
3 سنوات كاملة وهادئة قضاها الأمير دون قلق رغم استمرار التضييق السياسي والانتهاكات في مجال حقوق الإنسان. والتي كان أبرز مثال عليها اعتقال الناشطة في مجال حقوق المرأة، لجين الهذلول. وما سُرب عن سنوات سجنها الست وتعرضها للتعذيب.
وحتى مع انفجار أزمة مقتل جمال خاشقجي في العام 2018، كان للأمير سند واضح داخل البيت الأبيض (دونالد ترامب) أبعد عنه شبح المساءلة رغم الاتهامات الدولية المباشرة. قال ترامب حينما سئل عن تورط محمد بن سلمان في القتل المروع: “ربما فعل وربما لم يفعل!”.
لكن هذا الوضع تغير مع إعلان جو بايدن رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة. إذ أصدرت إدارته في فبراير الماضي تقريرًا استخباراتيًا -طال انتظاره- يُحمل الأمير محمد مسؤولية مقتل خاشقجي.
كيف سيطرت المملكة على أزمة خاشقجي؟
لكن ومع هذا أيضًا فقد رفض بايدن معاقبة ولي العهد مباشرة لدوره في مقتل خاشقجي. واكتفت الإدارة الأمريكية بمواقفها في عدد من الملفات التي سكتت عنها إدارة ترامب. فأنهت الدعم الأميركي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن. كما ألغت تصنيف إدارة ترامب للحوثيين كإرهابيين. وكذلك ألغت العقوبات التي كان البعض يخشى أن تعاقب ملايين المدنيين الجوعى أكثر من المتمردين.
وفي مقابل ذلك التراجع في موقف بايدن المتشدد تجاه السعودية، دفع الديمقراطيون في الكونجرس لاتخاذ موقف أكثر حزمًا. كما دعوا لمساءلة بن سلمان عن جريمة مقتل خاشقجي.
ذلك التغير في موقف بايدن تجاه بن سلمان والسعودية يشير إلى نجاح تعاطي المملكة مع الإدارة الأمريكية الجديدة. وربما صفقة ما أبعدت واشنطن عن الصدام مع حليفها الأقوى بمنطقة الخليج العربي، في مقابل خطوات إصلاحية، شملت تراجعًا في عمليات الإعدام. وأيضًا إطلاق سراح الناشطة لجين الهذلول.
وقد لعبت ريما بنت بندر، السفيرة السعودية لدى أمريكا، أيضًا دورًا رئيسيًا في تحسين صورة ولي العهد. ذلك بالحديث المستمر عن برامج تمكين المرأة السعودية ودور الأمير في إطلاقها. والتأكيد على إيمانه بتحقيق المساواة بين الجنسين والتنوع والتعايش.
السلام السعودي في اليمن
في 22 مارس الماضي، عرضت السعودية على الحركة الحوثية في اليمن وقفًا شاملاً لإطلاق النار. ذلك ضمن سلسلة مقترحات تهدف إلى إنهاء الصراع المستمر منذ ست سنوات. بعد أسابيع قليلة من قرارات إدارة بايدن بإلغاء الدعم الأمريكي لهذه الحرب.
وقد قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بن عبد الله، في مؤتمر صحفي لإعلان مبادرة بلاده: “نريد أن تصمت المدافع تمامًا”. هكذا أعلن بينما بدا للجميع أن المملكة تغير سياستها استجابة للضغط الأمريكي حتى لا تخسر صورتها التي روجت لها في الحرب التي بدأتها في مارس 2015 وقتل خلالها حوالي 130 ألف شخص، بينهم أكثر من 12000 مدني. ما خلف أسوأ أزمة إنسانية في العالم في بلد يعد أكثر دول العالم العربي فقرًا.
الرياضة لتحسين الصورة
في 28 مارس الماضي، كشف أوردته صحيفة “الجارديان” أن المملكة العربية السعودية أنفقت ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار على الأحداث الرياضية الدولية رفيعة المستوى. ذلك في محاولة لتعزيز سمعتها.
ذكر التقرير الصادر عن منظمة حقوق الإنسان جرانت ليبرتي إن الدولة الغنية بالنفط استثمرت الملايين في جميع أنحاء العالم الرياضي. وشمل ذلك بطولات الشطرنج والجولف والتنس.
وقد أنفقت السعودية 60 مليون دولار كاملة في كأس السعودية. البطولة المعروفة بأنها أهم حدث لسباق الخيل في العالم. وذلك بجوائز مالية 20 مليون دولار. كما عرض التقرير تفاصيل صفقة المملكة البالغة 650 مليون دولار لمدة عشر سنوات مع الفورمولا 1.
رغم ذلك، حذّر مقال نشرته “فورين أفيرز” للخبير الأمريكي إف جريجوري المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، من خطورة محاولات الإطاحة بولي العهد السعودي. ذلك لأن ذلك سيقضي على قدرة الإدارة الأميركية على “كبح سلوكه في الخارج”. خاصة وأن موقف الرئيس الأميركي، جو بايدن أكثر تشددًامن سلفه الرئيس السابق، دونالد ترامب، في تعاطيه مع ولي العهد.