يدخل قوانين الانفصالية التي أعلنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مرحلة جديدة، بعد أن اتخذت مجموعة من التدابير القانونية، تضمنت النقاش حول الصلاة داخل الجامعات، وارتداء الرموز الدينية، وكذا منع الحجاب لمن هم أقل من 18 عاما.

في السياق ذاته، صوت مجلس الشيوخ الفرنسي، مساء أمس، على بعض فصول القانون المتعلقة تحظر ممارسة العبادة داخل المؤسسات الجامعية، ولا يتعلق الأمر بالفصول الدراسية أو المدرجات فحسب، بل يمكن أيضا أن يطال الممرات، أو أي أماكن تابعة للجامعات، وذلك بهدف تعزيز الحياد في الجامعة، وفقاً للموقع الرسمي للمجلس.

وتأتي هذه القرارات بعد حوادث عنف دينية متكررة كان أبرزها استهداف المدرس الفرنسي صمويل باتي، 47 عاما، بقطع رأسه بسبب عرض رسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول محمد “ص” على طلابه.

وقُتل مرتكب الجريمة، عبد الله أنزوروف البالغ من العمر 18 عاما، برصاص الشرطة بعد وقت قصير من الهجوم، لكن سبعة أشخاص، من بينهم طالبان ووالد أحد تلاميذ باتي، اعتقلوا في الأيام التي أعقبت جريمة القتل.

رفض حظر إبراز الرموز الدينية

في المقابل رفض النواب مقترحا بحظر إبراز الرموز الدينية في مؤسسات التعليم العالي، بعد رفضه من لجنة الثقافة والتعليم داخل البرلمان، والتي أشارت إلى عدم وجود طلب من رؤساء الجامعات بهذا الخصوص.

وكان النائب عن التيار الجمهوري جيروم باشر قد تقدم في 30 مارس الماضي بطلب تعديل على الفصول المتعلقة بالتعليم العالي داخل نص القانون يهدف إلى حظر ابراز الرموز الدينية في مؤسسات التعليم الجامعي، وقع عليه أكثر من 30 نائبا في مجلس النواب.

وفي 30 مارس الماضي، صوت مجلس الشيوخ الفرنسي لصالح الحظر في الأماكن العامة لأي علامة دينية من ملابس وغيرها، بالإضافة إلى ذلك، سيتم منع الأمهات المحجبات من مرافقة الرحلات الميدانية المدرسية، وسيتم حظر البوركيني في حمامات السباحة العامة.

وقدم مشروع القانون أعضاء مجموعة إر. دي. سي ذات الأغلبية اليمينية المتطرفة، فيما دعا الحزب الاشتراكي إلى رفض مشروع القانون من البداية.

وفي القانون الفرنسي، تنص المادة العشرون من قانون يرجع للعام 2004، إلى حظر ممارسة العبادة في الأماكن المغلقة المخصصة لمؤسسات التعليم العالي، باستثناء المراكز المخصصة للدعاة أو القسيسين، والتي يجب أن تكون موضوع عقد رسمي بين الجمعيات الطلابية ورئاسة الجامعات.

في حين قدم النائب الجمهوري، ستيفان بيدنوير، تعديلا يوسع حظر ممارسة العبادة هذه ليشمل كامل الأماكن داخل الجامعات وليس فقط أماكن التعليم، بما في ذلك الممرات والحدائق وغيرها من مباني الجامعات التي يمكن أن تقام فيها الصلوات.

كما أقر النواب المادة التي تلزم الجمعيات الطلابية التي ترغب في الاستفادة من مقرات في إحدى الجامعات بالتوقيع على عقد الالتزام بمبادئ الجمهورية وعلى رأسها العلمانية. كما تم إضافة بند جديد من قبل النائب الجمهوري ماكس بريسون حول حظر القوائم الانتخابية القائمة على الدين أو العرق داخل المؤسسات الجامعية.

وحذر بريسون، خلال المداولات العامة، من أنه “منذ عدة سنوات نشهد تطور مطالب مجتمعية، غالبا ما تكون ذات طابع ديني، ضمن قوائم انتخابية للمرشحين لانتخابات تمثيل الطلاب”.

حظر الحجاب للفتيات تحت 18 عاما في فرنسا

وفي وقت سابق، اتخذت فرنسا موقفا أكثر صرامة تجاه الحجاب مع تحركها لحظر الحجاب على النساء تحت سن 18 عامًا، في الأماكن العامة.

وأثارت مصادقة مجلس الشيوخ الفرنسي، على هذا القرار، جدلًا واسعا في فرنسا مما اعتبرته المسلمات تقيدًا على حرية التعبير الشخصي.

وكانت وزيرة الدولة لشؤون المواطنين في فرنسا، مارلين شيابا، علقت على المشروع الذي أقرته الحكومة الفرنسية أخيرا، وقالت “أجد أنه من غير المحتمل أن أرى طفلة تبلغ من العمر 5 سنوات ترتدي الحجاب”، وتابعت: “كما أنني لا أحتمل أن أقابل فتاة تبلغ من العمر عامين، ترتدي الحجاب وهي في عربة الأطفال”.

ويوجد في فرنسا نحو خمسة ملايين مسلم، وهي أكبر أقلية مسلمة في أوروبا.

كان نواب الجمعية الوطنية، الغرفة البرلمانية الأول، قد صادقوا في 16 فبراير الماضي، في قراءة أولى، بغالبية كبيرة على نص مشروع القانون ليتم إحالته على مجلس الشيوخ.

وكان رئيس الوزراء جان كاستيكس، أن القانون الذي اصطلح عليه “معزّز مبادئ الجمهورية الفرنسية” والذي وافق عليه المجلس الوزاري ليس “ضد الأديان” بل يستهدف “الفكر الخبيث الذي يحمل اسم الإسلام المتطرف”.

وقال كاستيكس بعد اجتماع مجلس الوزراء إن “هذا القانون ليس نصاً ضد الأديان ولا ضد الديانة الإسلامية بشكل خاص”، مؤكداً أنه “وعلى العكس قانون للحرية وقانون للحماية وقانون للتحرر في مواجهة الأصولية الدينية”.

وكان مصطلح “الانفصالية” التي تحدث عنها الرئيس ماكرون، سابقاً أثار جدلاً واسعاً، إذ اتهمت السلطات الفرنسية بمحاولة استهداف المسلميين والتمييز بينهم وبين مكوّنات المجتمع الفرنسي الأخرى. ودخلت دول عربية في حملة مقاطعة للمنتجات الفرنسية اعتراضا على الخطاب الفرنسي العدائي للإسلام، خصوصا بعد تصريحات من قبل مسؤولين بارزين بضرورة التعبير عن الرأي بإعادة تداول الرسوم المسيئة للرسول على واجهة المباني الحكومية.

وتدافع الحكومة الفرنسية عن القانون، بوصفه يطمح إلى مكافحة “خطابات الكراهية” وكبح التمويل الخارجي للمجموعات الدينية، إلى جانب الالتزام بمبادئ العلمانية.

اقرأ أيضا:

تطرف الإسلام أو أسلمة التطرف؟ أو على حد قول ماكرون: هل الإسلام في أزمة؟

ماكرون والإسلام السياسي: لا تلعنوا حامل الرسالة!

 

سياسات تمييزية وضعف الجاليات

الباحث في الشأن الاسلامي أحمد بان يرى أن موقف الدول الأوروبية من الإسلام السياسي، والمسلمين بشكل عام، يتحمل أكثر من تأويل فمن ناحية فإن تصرفات المتطرفين الإسلاميين دفعت هذه الدول إلى اتخاذ مجموعة من التدابير القانونية، وإعادة النظر في سياستها القديمة المتعلقة بالحريات.

وفي المقابل، طالما طال التمييز الجاليات المسلمة هناك، أكثر من مثيلاتها، رغم وجود اتجاهات متطرفة تنتمي لتيارات وديانات أخرى.

ويفسر الباحث الأمر بأن القوانين التمييزية عادة ما تكون في صالح القوى التي تملك السلطة الدولية، وضرب مثالا على ذلك بالكيان “الإسرائيلي” الذي ساهمت قوته في الحفاظ على جالياته، بل وسن قوانين تحميهم مثل قانون “معاداة السامية”.

في حين أن الجانب العربي والإسلامي يظهر متفككا، ولايملك جماعات ضغط فاعلة، تعمل على حماية مصالحه في العالم، وليس فرنسا وحدها، على حد قول بان.

ولفت الباحث أن هذه النوعية من القوانين تخضع بالإساس للإرادة السياسية، وعليه لايمكن الجزم  بحدية تمييزها  إلا بعد بدء سريانها، ومعرفة آليات تنفيذها.

في وقت سابق نشرت “جريدة لوموند الفرنسية” مقالا بعنوان “أصبح الإسلام تدريجيا مشكلا في الوقت الذي أصبح فيه الإسلام فرنسيا” يُظهر فيه الباحث هشام بنعيسى كيف أن الأدوات القانونية تُستعمل، مع الإحالة للعلمانية، للإبقاء على المسلمين في طور الدونية، ودفعهم بعد أن تجاوزوا الحواجز الطبقية إلى حصرهم في دائرة «أصولهم الثقافية والدينية».

يختم الباحث: “كان المشكل مضمرا، لما كان المسلم يقوم بالأعمال الوضيعة والشاقة، ولا ينظر إليه إلا بصفته مهاجرا عابرا، محكوما عليه بالعودة، والتشجيع على ذلك، لكن المشكل برز بشكل جلي حين برز جيل جديد متعلم، يتطلع للشغل والارتقاء الاجتماعي”.