تشهد الجامعات المغربية حالة من الحراك هذه الأيام. عقب ما أثير حول قانون جديد أصدرته وزارة التعليم العالي وُصف بالتدخل غير المسبوق في العمل الأكاديمي. القانون يمس بشكل كبير، الجانب المالي لأساتذة الجامعات والباحثين، بالإضافة إلى الجوانب الأكاديمية والتعليمية.
يأتي هذا في الوقت الذي تمسك فيه عدد كبير من أساتذة الجامعات في البلاد بخيار التصعيد وتوسيع نطاق الاحتجاجات في الجامعات. للضغط لتحقيق مطالبهم المالية والأدبية. إذ أثار التعديل الحكومي لنظام التعاقد معهم غضب المجتمع العلمي في المملكة.
الجامعات المغربية.. على ماذا ينص التعديل القانوني الجديد؟
يمنح التعديل وزارة التعليم العالي صلاحيات كبيرة للتحكم في امتيازات الأساتذة المادية والمعنوية. وهو الأمر الذي يرفضه عدد كبير من الأساتذة ودفعهم لتنظيم عدة وقفات احتجاجية أمام مقر الوزارة.
وتمنح مسودة القانون الجديد الصلاحيات لوزارة التعليم العالي في إدخال تعديلات في المناهج الدراسية وطبيعة عمل الأستاذ الباحث.
كذلك يؤسس القانون الجديد لنظام تعاقد كأساس للعلاقة بين الأستاذ والجامعة. كما يحدد راتبه من خلال الطلب والعرض. ما يضرب مبدأ الحرية الأكاديمية واستقلالية الأستاذ الباحث.
وتمنح مسودة القانون الجديد سلطة للهيئة الإدارية في الجامعة والوزارة للتحكم في امتيازات الأساتذة المادية والمعنوية. ليصبح الأساتذة مستخدمين تحت إدارة رئيس الجامعة. دون أن يكون هذا الرئيس منتخبًا. بالإضافة إلى أنه لايمكن محاسبته أمام مجلس الجامعة.
لم تصدر وزارة التعليم العالي أي بيانات رسمية للرد على احتجاجات الأساتذة، لكن بيانات سابقة للاحتجاجات ذكرت أن تعديل القانون هدفه تحسين الأوضاع المادية للأساتذة.
ردود أفعال أساتذة الجامعات المغربية
بينما تسعى النقابة الرسمية لأساتذة التعليم العالي التمهل في الرد حتى الحصول على رد نهائي من جانب وزارة التعليم العالي على مطالب التي رفعها أساتذة الجامعات.
من ناحيتها، أصدرت تنسيقية الكرامة للأساتذة الباحثين المغربيين بيانًا أكدت فيه رفض مشروع النظام الجديد بشكل بات. كما طالبت بنظام أساسي عادل ومحفز يحقق زيادة حقيقية لأجور الأساتذة الباحثين. كذلك يحفزهم على القيام بالأدوار الإيجابية داخل منظومة التعليم العالي والبحث العلمي.
تغييرات مجحفة
ويقول الدكتور جواد الرباع، عضو المكتب الوطني لتنسيقية الكرامة المستقلة للأساتذة الباحثين، إن القانون الجديد في غاية السوء لعدة أسباب. أولها أنه سيخضع الأستاذ الجامعي للسوق والخصخصة. ما يضرب حرية الأساتذة الأكاديمية في مقتل.
الرباع، الذي يعمل أستاذًا للعلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة إبن زهر أكادير أضاف أن القانون منح سلطة كيبرة للهيئات الإدارية. ما يجعل من وزارة التعليم العالي آداة للتحكم في أوضاع الأساتذة المادية والمعنوية. كما أوضح أن القانون سيضع الأساتذة تحت وصاية رئيس الجامعة دون رقيب أو حسيب.
يتفق العديد من أساتذة الجامعات المغربية مع الرباع على ضرورة إضفاء تعديلات على النظام الذي ينظم علاقاتهم مع الجامعة. إذ تم وضعه قبل 25 عامًا. لكنهم يعتقدون أن التعديلات الأخيرة تضفي قيودًا جديدة على حريتهم الأكاديمية. كما أنها لا تفي باحتياجاتهم الحقيقية خصوصًا فيما يتعلق برواتبهم.
أرقام البنك الدولي
وبحسب البنك الدولي، يبلغ الحد الأدنى لأجر الأستاذ في الجامعات الحكومية المغربية لـ1500 دولار أمريكي تقريبًا. بينما لا يتجاوز الحد الأعلى 3000 آلاف دولار. بينما يبلغ متوسط دخل الفرد سنويًا في المغرب نحو 3000 آلاف دولار أمريكي تقريبًا.
ويعتبر البنك الدولي أجور أساتذة الجامعات في المغرب من ضمن الأقل بين نظرائهم في المنطقة العربية منذ سنوات. بحسب استبيان أعده موقع الفنار للإعلام قبل 6 سنوات.
وبحسب الموقع فإن أساتذة الجامعات الحكومية العربية يواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى مستوى معيشة الطبقة الوسطى. وهو ما أظهرته نتائج استبيان خاص بأجور أساتذة الجامعات الحكومية في 12 دولة عربية.
فمن بين 12 دولة شملتها الدراسة، تعتبر أجور أساتذة الجامعات الحكومية في لبنان ودول الخليج الأعلى. بينما تعتبر أجور الأساتذة في اليمن والمغرب الأقل.
وفي كل بلد شملها الاستطلاع، كان متوسط الأجور أقل من الأجر المطلوب واللازم لتأمين حياة في مستوى معيشة الطبقة المتوسطة. وتحديدًا ما يعرف باسم تعادل القوة الشرائية. أو إلى أي مدى يمكن لأجور الأساتذة أن تكفي في الاقتصاد المحلي.
يأتي هذا رغم صعوبات يعاني منها الأكاديميون العرب في الوصول إلى مستوى معيشة الطبقة الوسطى. إلا أنهم يتقاضون أجورًا جيدة مقارنة مع باقي السكان. حيث تعاني العديد من الدول العربية من مشكلات اقتصادية تجعلها في درجات متدنية في قائمة الاقتصادات العالمية.
في دول مثل ليبيا وسوريا وتونس، لا يحصل حتى الأكاديميون ذوو الأجور المرتفعة على ما يكفي للوصول لأدنى الأجور السنوية. كما يحصل الأكاديميون المبتدئون في أدنى درجات الأجور في هذه البلاد على أجور قليلة جدًا. ففي العراق، وليبيا، والمغرب، وسوريا يحصل الأساتذة على أجور تبدأ من أقل 13.000 دولارًا أمريكيًا سنويًا.
أما في مصر، واليمن، والمغرب، لا يقترب أعلى أجر من الحد الأدنى اللازم لتخطي مستوى الطبقة المتوسطة. إذ يبلغ أعلى أجر يدفع للأكاديميين في اليمن والمغرب حوالي 22000 و 30000 دولاراً أمريكياً سنوياً بالتوالي.
ليست المرة الأولى
وشهدت المغرب احتجاجات عديدة خلال العامين الماضيين نظمها أساتذة للمطالبة بتحسين أوضاعهم. لكنها لم تلق استجابة مناسبة حتى الآن بحسب قولهم.
ويقول نور الدين الفقيه، أستاذ بكلية الحقوق في جامعة عبدالمالك السعدي في تطوان، إن النظام الأساسي الحالي غير عادل. إذ يتحمل الأستاذ الجامعي أعباء عمل كبيرة جدًا بين التدريس والبحث والعمل الإداري. كما أن ما يحصل عليه لا يناسب الجهد الذي يقوم به ولا متطلبات الحياة اللائقة.
وأصدر المجلس الوطني للنقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي بيانًا الشهر الماضي. أكد فيه إرسال مجموعة من المقترحات والتحفظات والملاحظات حول مسودة القانون الجديد لوزارة التعليم العالي. كذلك طالبها بالتعجيل بإخراج الصيغة النهائية للنظام الأساسي مشتملاً على هذه التعديلات.
كما شملت أبرز هذه المتطلبات العدول عن نظام التعاقد، وإبقاء نظام الترقية الساري في القانون الحالي. واعتبار التعليم عن بعد وسيلة تكميلية للتعليم الحضوري ويلجأ إليها عند الضرورة. واختتمت النقابة البيان باستعدادها لتنفيذ برنامج نضالي لدعم احتجاجات الأساتذة، حال تأخر الوزارة عن الاستجابة للمطالب العادلة لأساتذة الجامعات.
زيادة متواضعة
بحسب القانون الجديد تتراوح الزيادة في أجور الأساتذة من 165 دولارًا إلى 385 بحسب الدرجة الوظيفية للأستاذ الجامعي. وهي تشمل فئة أساتذة التعليم العالي فقط. وهي الدرجة التي يصل لها الباحث قبل نهاية خدمته بسنوات محدودة. كما أنها تستثني الأساتذة المساعدين والأساتذة المؤهلين الذين تقع عليهم المسؤولية الأكبر في عدد ساعات التدريس.
ويقول عبدالقادر لشقر، عضو المجلس الوطني للنقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي: “نأمل في الحصول على رد إيجابي. خاصة من ناحية الوزارة بعد نقلنا ملاحظات وانتقادات الأساتذة لهم خلال اجتماعات سابقة”. كذلك أوضح أنه لمس حرصًا من جانبهم للاستماع لمختلف الأراء. لكنه أكد أحقية الوزارة في إصدار القانون حتى لو رفضته النقابة.