لم يكن بكاؤها هو ما أخرسني، كانت تلك اللوعة وإحساس الهزيمة الذي خرج من باطنها، تحتضر الحروف على لسانها، تبدو الكلمات ثقيلة، والنفس عزيز، حتى أنني في لحظة شعرت أنها ترفض أن يرتد النفس إلى صدرها.

كم هو قاس إحساس الخذلان، ومؤلم أن نُقتَل بيد من صنفناهم أحباب، في أوقات الهزيمة ليس على الجمهور دفع الخاسرين لجلد ذواتهم، فقط نتركهم لبعض الوقت يبكون وجعهم، ولهذا لم يكن علي أن ألومها، وأقول إن الحقائق واضحة، والمقدمات ترسم النهايات، لكننا نعمى ولا نرى.

إنه الخطأ الذي نقع فيه جميعًا عندما نستقبل أحزان صديق/ة نظن أننا حين نكشف العلامات، نفند المقدمات التي ساقت إلى الخسارة، نوضح العيوب نكون بذلك نضمد جراح الموجوع، لكن ذلك ليس صحيحًا، فمن حق المنكسر أن يحزن ولو قليلًا، يبكي، ونطيّر دمعه، نجبر خاطرها بكلمات غير كشف الجرح، أما المكاشفة فوقتها سيكون الخطوة التالية.

والحقيقة أننا ننكسر لأكثر من سبب

  • حين نقترب أكثر من اللازم، القرب الشديد يُعمى، فلا نتبع العلامات، لا نرى النصال الموجهة لنا، ولا ننتبه للأخطاء والفخاخ التي ننغرس فيها، نعم نحن النساء نعاني من أزمات عِدة مرتبطة بعاطفيتنا المفرطة، وقربنا الغير مدروس، يتندر بنا الرجال، إن بضع دقائق تقضيها امرأتان كفيلتان بجعلهما صديقتين حميمتين، وهو أمر للأسف صحيح في غالبية الفتيات والنساء، لننظر على أنفسنا في صالونات التجميل، أو محلات الملابس، أو الأماكن التي نلتقي فيها بأخريات لا يربطنا بهن سوى النشاط الذي نقوم به، لكنه وخلال النشاط أيا كان نكون قد تبادلنا الهواتف وكثير من المعلومات الشخصية، هذا القرب الشديد والغير مدروس يتم أيضًا مع الرجل، وإن كان الخجل وبعض عوامل تُرجئ تحققه، إلا أن المرأة عقب أن تطمئن فإنها تكاد تلتصق بالآخر (صديق/ حبيب)، وكم من تفاصيل كاشفة لم نرها لأننا كنا أقرب مما ينبغي.
  • ما هو الخذلان أو الانكسار؟ هو أن ننتظر شيء أو فعل من شخص فلا يؤديه، وما الذي يجعلنا ننتظر؟ إنها التوقعات، العلاقات المعتمدة على توقعات كثيرًا ما يُصيب أحد طرفيها الوجع، فتلك التوقعات لا تعتمد أسس صحيحة، التوقعات المدعومة بعشم، ومن أين نبت العشم؟

إن كثير من النساء يعتمدنا عشمًا وطموحات بلا أي سند أو تجربة، كما أنها مفرطة الخيال، فعلى سبيل المثال، تتوقع إحداهن أن صديقتها ستترك ما لديها من ترتيبات حتى تصاحبها إلى مكان، ورغم بساطة المثال إلا ان الغضب الذي يعقب رفض الثانية للفكرة، يكون مبالغ فيه مثل العشم بالضبط، نحن أغلبنا مبالغ في أحلامه، طموحاته وأيضًا أحزانه، وشعوره بالهزيمة، ذات يوم بكت صديقتي حتى احمرت عينيها، وكان السبب أن حبيبها لم يُجيب اتصالاتها طيلة اليوم، مع احتمالات عديدة أنه يعرف أخرى، وأنه يهملها، ثم في اليوم التالي حين تحدث إليها، أخبرها أنه نسى هاتفه لدى أخته عندما كان يزورها، وسارت الأمور، أهدرت صديقتي دموعًا وأسكنت قلبها وجعًا من جراء احتمالات.

أطرح أمثلة بسيطة، لنقيس عليها ما هو أكبر من ذلك، وليس كل الخذلان هو حقيقة، فبعضه وهمًا صنعناه بخيالاتنا وتطلعاتنا نحو الآخر، وبالطبع هناك خيانات، وهناك أذى قد يوقعنا فيه البعض، وهو أمر أصعب بكثير، لكننا شركاء في هزيمتنا، مساهمين في تضاعف الانكسار، لأننا ممن البداية اقتربنا أكثر من اللازم، رسمنا أحلامًا دون أن ننتظر لنعرف ما يُقدمه الآخر.

لهذا كان البطء والاعتدال، لماذا لا نقترب ببطء، ولماذا لا نعطي كل شيء وقته لينمو؟ هل وجد أحدكم بذور نضعها في التربة فتُثمر في اليوم التالي؟ هل وقت الحمل متساو عند كل الإناث؟ هل وقت الازهار متساو مع كل أنواع البذور؟

كثيرات منا لا تتأملن ولا تتعلمن من الكون والدروس والعلامات المشبعة في حيواتنا، الرغبة الكبيرة في السعادة تجعلنا نتعجل، نقترب، نتوقع وننتظر ثم ننكسر.

وإذا كنت أتحدث عن التفاصيل العادية، والعلاقات التي إن وجعتنا كانت بغير قسوة، فما بالنا بالعلاقات المؤذية، بالأشخاص الذين يسرقون طاقتنا ومشاعرنا، يدفعون بنا للتضحيات، ماذا لو تعاملنا برفق، تركنا كل شيء ينضج بما يليق به، أليس من المتوقع حينها أن نرى العلامات، أن نلاحظ بوادر الأذى فنحتاط؟

التعامل بوصفة واضحة أشبه بالطهي، لكل منا في المطبخ طريقتها، لكن دومًا هناك طريقة، هناك وصفة ومقادير كل امرأة تغير فيها بما يتناسب مع خبرتها وذوقها، العلاقات لا تختلف كثيرًا، فلا تنتظري أن تُشعلي الفرن علي 280 درجة ولا يحترق منك الكعك، لو فكرت كل امرأة قبل أن تبدأ أي علاقة أن عليها أن تُفكر جيدًا، تتروى، تدقق في التفاصيل، تُعطي لمشاعرها وثقتها الوقت لكي تنضج، سنوفر على أنفسنا الكثير من الانكسارات، فليست الرغبة في السعادة والحب كافية لأن نحصل عليه، فليس بالرغبات وحدها ننال ما نحتاج، لكنه بالرغبات والاندفاع نسقط في آبار الأذى والوجع.

اقرأ أيضا:

ما تحكمش