عادت الحياة إلى طبيعتها في الصين التي تتنفس الصعداء من جديد عقب عاصفة جائحة كورونا. المطاعم وأماكن التسوق والحانات عادت لتزدحم بروادها مرة أخرى. الواقع يقول لنا أن بكين نجحت في السيطرة إلى حد كبير على الوباء، وهو ما تترجمه الحصيلة اليومية للإصابات التي عادت لتقتصر على بضع عشرات الحالات الجديدة، وفق الإحصاءات الرسمية.

قبل عام تحديدًا في شهر يناير شهد العالم 2020 أول إغلاق في مدينة ووهان الصينية بسبب الجائحة، لم يكن أحد يظن وقتها أن إغلاق المدن سيحدث في باقي العالم، كأحد الحلول العاجلة للقضاء على الفيروس القاتل.

وبعد مرور أكثر من عام عادت الصين للحياة مرة أخرى. رغم أنها البلد الذي خرج منه الفيروس إلا أن البلد الوحيد الذي نجح في محاصرة الفيروس تقريبًا. لكن كيف انتقلت الصين من الإغلاق إلى الحياة الطبيعية مرة أخرى؟

“ووهان”.. بداية جائحة كورونا

في يناير 2020 انتقد تقرير مؤقت صادر عن لجنة مستقلة عينتها منظمة الصحة العالمية استجابة الصين الأوليّة للفيروس قائلًا: “كان من الممكن تطبيق تدابير الصحة العامة بقوة أكبر”. لكن بمجرد أن أدركت الصين وجود مشكلة اتخذت السلطات إجراءات صارمة.

وفي 23 يناير 2020 بعد استيعاب تفشي الفيروس تم وضع حوالي 11 مليون شخص تحت الحجر الصحي المشدد. كما أصبحت أقنعة الوجه والتباعد الاجتماعي إلزاميًا.

بعد 3 أشهر فقط من هذا الوضع أعلنت الصين انتصارها المحلي التام على الفيروس، بعد أن أصاب أكثر من 80 ألفًا من الصينيين. كما فتك بأرواح أكثر من 3 آلاف منهم. بينما انتقلت المعركة الرئيسية مع الفيروس إلى بقاع أخرى، مثل أوروبا التي أصبحت رسميًا البؤرة الجديدة للوباء.

إذ أعلنت لجنة الصحة الوطنية الصينية في مارس 2020 تخطي الصين ذروة تفشي الوباء، بينما سجلت انخفاضًا لافتًا في أعداد الإصابات الجديدة. بالإضافة إلى أعداد الوفيات. إذ تم تسجيل 13 إصابة جديدة فقط. وبعد مرور عام يبدو أن البيانات الرسمية أوضحت انخفاضًا في عدد القتلى وعدد الإصابات. سجلت الصين أقل من 100 ألف إصابة مع 4800 وفاة بكورونا.

في حين أن أعداد الحالات ظلت منخفضة للغاية في الأسابيع الأخيرة من عام 2021 أي تكاد تكون منعدمة. كما أنه من الناحية النظرية عادت الحياة إلى طبيعتها تقريبًا في مساحات شاسعة من الصين.

ما جعل تجربة الصين في تحجيم الوباء تحظى بإعجاب الجميع، رغم الانتقادات الكثيفة التي تعرضت لها مع اندلاع الفيروس، نتيجة تأخر السلطات الصينية في الأيام الحرجة الأولى في الاعتراف بوجود وباء تنفسي جديد.

الخطوات والإجراءات الصارمة لتحجيم الوباء وعبور جائحة الفيروس

تحركت السلطات الصينية جميعها بشكل سريع، وبدأت بمرحلة العزل التام لبؤرة الوباء الأساسية. ففرض الإغلاق التام على أكثر من 56 مليون مواطن صيني. هم سكان مقاطعة هوباي وعاصمتها مدينة ووهان ذات الـ11 مليون نسمة. التي فُرض عليها الإغلاق يوم 23 يناير 2020. كما التزم غالبية السكان بالعزل المنزلي، وطافت دوريات الشرطة بالشوارع للتأكد من عدم تواجد الناس إلا للضرورة.

وبحسب التقارير الحكومية أنشأت الدولة 14 مستشفى، مع استقدام آلاف الفرق الطبية إلى مقاطعة هوبي للمساهمة في هذا الجهد الهائل. كذكل تم إغلاق آلاف المصانع وغيرها من المؤسسات الكبرى.

الصحة العالمية أشادت بجهود الصين الذي التزم بشكل أثار إعجاب الجميع في تطبيق تعليمات السلامة والصحة. بالإضافة إلى عدم مغادرة المنازل في مناطق العزل إلا للضرورة القصوى. فضلًا عن سرعة تعرف الفرق العلمية الصينية على كل المعلومات الأساسية والثانوية عن تركيب الفيروس. كذلك عرفوا طرق انتشاره ونقاط قوته وضعفه، والتحرك على أرض الواقع بما يتلائم مع كل مستجد.

التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي

من ناحية أخرى، شكلت التكنولوجيا والاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي سُبلَ مساعدة في التعامل مع تفشي الفيروس. حيث تم استخدام روبوتات ذكية لتعقيم المؤسسات والشوارع، وكاميرات حرارية عالية الدقة لكشف الحالات المصابة بالحمّى عن بعد. كذلك الأدوار الأخرى مثل استخدام تقديم الوجبات الغذائية إلى السياح القابعين في الفنادق تحت الحجر الصحي.

كذلك استخدمت الصين الطائرات لتطوف الشوارع لمسح المارة، والتعرف على المصابين بارتفاع الحرارة منهم. ليتم التحقق من إصابتهم من عدمها، واستخدمت الطائرات أيضًا في نقل العينات الطبية من المرضى إلى المراكز البحثية وأماكن التحليل. بدلًا من قيام العاملين الصحيين بذلك، وتعرضه لاحتمالات العدوى.

الحكومة أيضًا أرسلت رسائل هاتفية لكل سكان ووهان بجميع المعلومات الخاصة بتطور الأحداث مع “كورونا” المستجد. سواء نصائح طبية لا بد من اتباعها، أو أعراض المرض، وأعداد الإصابات والوفيات. كذلك تخصيص سيارات أجرة لنقل المشتبه في إصابتهم، “والاتصال بهم من خلال “WeChat”.

وبمجرد عودة الحياة إلى طبيعتها بشكل تدريجي، كان تطوير اللقاح يسير على قدم وساق. ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة الشعب اليومية، أجازت الصين إجراء التجارب السريرية على أول لقاح تطوره.

بجانب العقاقير، استخدم الصينيون بلازما مستخلصة من دماء متعافين من “كورونا” المستجد لعلاج آخرين، وفق مجموعة الصين للتكنولوجيا الحيوية. في الوقت نفسه قدمت الشركات المتخصصة والجامعات ومعامل الأبحاث المساعدة خلال الأزمة لعمل اختبار تشخيصي دقيق. للتعرف على أسرار الفيروس، وكيفية انتقاله ومهاجمته للأجساد، ومحاولة للوصول إلى دواء دون آثار جانبية تؤذي المرضى.

الصحة العالمية: درس للعالم

هذه الإجراءات دفعت ممثل منظمة الصحة العالمية في الصين، الدكتور جوادين جاليا، أن يصرح بأن الصين أعطت درسًا كبيرًا في العالم. الدرس كان مفاده بأن يكون لدينا نظام صحي قوي، وأهمها السرعة في التعامل مع الأزمة، والجدية في تطبيق الإجراءات. فضلًا عن التحري النشط لاكتشاف الحالات والإسراع بعزلها ومعالجتها، وتتبع المخالطين، وإجراء الفحص المختبري على الحالات المشتبه فيها.

وفي المقابلة ذاته، أفاد الطبيب أن الصين أظهرت أنه بالإمكان تغيير مسار المرض، أي أنه وباء تم القضاء عليه أثناء نموه وتوقف في مساره، وهو ما يتضح في المعطيات التي تحصلوا عليها إضافة إلى مراقبتهم للمجتمع بشكل عام.

في مارس 2021 أعلن مسئول لجنة الصحة الوطنية في مؤتمر صحفي حصول ما يقرب من 65 مليون صيني بالفعل على لقاح كورونا. كذلك تم تلقيح الذين تزيد أعمارهم على 60 عامًا بعد الانتهاء من حملة التطعيم للمجموعات المعرضة للخطر. مثل الموظفين الحكوميين، وموظفي الموانئ، وعمال النقل.

كما سمحت السلطات الصينية بطرح أربع لقاحات مضادة لجائحة كورونا في الأسواق، من إنتاج سينوفارم، وكانسينو، وسينوفاك.

جدير بالذكر أنه خلال شهر مارس الماضي لفت فريق بحثي أمريكي إلى أن فيروس كورونا كان ينتشر على الأرجح في ووهان بالصين. قبل أن يتم اكتشافه بشهرين على الأكثر.

وتم الإبلاغ عن حالات جائحة كورونا لأول مرة آواخر ديسمبر 2019 في ووهان وسط الصين وانتشر الفيروس بسرعة خارج المدينة. وفي أبريل 2020 كان الوباء منتشرًا في أكثر من 100 دولة.