كشفت انتخابات التجديد النصفي بنقابة الصحفيين، التي جرت مؤخرا، لاختيار نقيب جديد و6 أعضاء بمجلس النقابة، عن تراجع في شعبية تيار الاستقلال، المعروف دعمه لاستقلال المهنة، داخل أسور قلعة الحريات، بعد هزيمة كبيرة تلقاها رجالاته لصالح آخرين يحسبهم مراقبون على قطاع الخدمات والمقربين من الحكومة.

الانتخابات التي جرت الجمعة الماضية بنادي المعلمين، بفعل فيروس كورونا، أسفرت عن احتفاظ ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، بمنصبه كنقيب للصحفيين لدورة ثانية على التوالي بعد منافسة كانت محسومة نظريا مع الصحفي بمؤسسة أخبار اليوم رفعت رشاد، بفارق 460 صوتا لصالح رشوان، فيما اكتفى مرشح تيار الاستقلال على منصب النقيب هذه المرة كارم يحيى بـ288 صوتا.

أما معركة العضوية، فشهدت إقصاء عضو المجلس عمرو بدر، الرئيس السابق للجنة الحريات، كما خسر الرئيس الأسبق للجنة ذاتها خالد البلشي، وفي مفاجأة كبيرة أيضا خسر الصحفي بجريدة الجمهورية وسكرتير عام النقابة جمال عبدالرحيم، كما لم تستطع الوجوه الجديدة صناعة الفارق في ظل سيطرة الكتلة التصويتية الكبيرة على تشكيل الجمعية العمومية.

كان الاستثناء الوحيد هو محمد سعد عبدالحفيظ، عضو المجلس، الذي نجا من عملية “غربلة تيار الاستقلال” ومر وحيدا في معركة تحت السن بـ1045صوتا، بعد منافسة شرسة مع الصحفي بجريدة الوطن سامي عبدالراضي الذي حصد 978 صوتا.

اللافت أيضا عودة إبراهيم أبو كيلة، العضو المعين بمجلس الشيوخ، ومحمد خراجة إلى عضوية مجلس النقابة فوق السن، بجانب استمرار حسين الزناتي وأيمن عبد المجيد، وبذلك يكتمل تشكيل هيئة المجلس بأغلبية ساحقة للفريق المحسوب على الدولة، إذ يمثل الفريق المحسوب على تيار الاستقلال 3 أعضاء فقط هم هشام يونس ومحمود كامل ومحمد سعد عبدالحفيظ.

بين نتائج عبرت عن واقع الصحافة في مصر، وتشكيك في نزاهة العملية الانتخابية واتهام الأجهزة الأمنية بهندستها، تراوحت التعليقات والتحليلات المصاحبة لهذا المشهد، فيما بقيت النتيجة التي أعلنتها اللجنة العامة مساء الجمعة الماضية هي الحقيقة حتى الآن.

المراقب لانتخابات الصحفيين يعي جيدا أن خسارة المرشحين المحسوبين على تيار الاستقلال مع وجود أغلبية تميل إلى “إبقاء الوضع كما هو عليه”، سيزيد من تهميش دور النقابة من قضية حرية الصحافة وانسحابها مع معارك “السقف” التي يتمسك بها الفريق الأول على مدار العقد الماضي.

يعرف المنتسبون إلى تيار الاستقلال النقابي بأولئك الذين يدافعون عن استقلال مهنة الصحافة والتصدي للتشريعات المقيدة والسالبة للحريات، ولمزيد من التوصيف يطلق قطاع من الصحفيين على هذا التيار “بتوع السلم” في إشارة إلى سلالم النقابة التي يتخذها المعارضون مقرا لاحتجاجاتهم منذ بداية تظاهرات القوى السياسية ضد نظام حسني مبارك في العام2005 .

وتأسس هذا التيار بشكل فعلي في 2013 حينما أعلن أعلن عدد من الصحفيين الذين خاضوا انتخابات مجلس نقابة الصحفيين ولم يحالفهم التوفيق، تأسيس “تيار الاستقلال” داخل النقابة، وإنشاء لجنة لمراقبة أداء المجلس.

بيد أن تيار الاستقلال حاول على مدار السنوات الماضية السباحة عكس التيار، متحديا محاولات “تغييب النقابة” فبحسب الصحفية منى سليم، واحدة من المحسوبين على هذا التيار، لم يعد يمتكلوا “المكان أو الكيان” في ظل منعهم من الاجتماع داخل المبني، بعد إزالة المقاعد من طوابقها بدعوى التجديد والحفاظ على صحة الأعضاء في ظل تفشي فيروس كورونا، فضلا عن تعطيل السلالم بسقالات يروها مفتعلة لمنع تنظيم أية تجمعات عليها.

ورغم وجود خماسي مستقل في المجلس السابق من أصل 12 عضوا، إلا أن النقابة ظلت بعيدة عن ملف الاستقلالية في ظل احتلال مصر للمركز 166 عالميا وفقا لتنصيف منظمة “مراسلون بلا حدود”  للعام 2020، لمؤشر حرية الصحافة حول العالم، وزاد عدد أبنائها في السجون ليصل عددهم نحو 20 صحفيا نقابيا، خرج 3 منهم قبل أيام قليلة من إجراء الانتخابات.

أسباب خسارة تيار الاستقلال

تعزو منى سليم هزيمة تيار الاستقلال في انتخابات التجديد النصفي 2021 إلى أكثر من سبب، أولهم الحضور العالي لأسماء خدمية أكثر منها حقوقية، بجانب الدعم الواضح من أجهزة ومؤسسات وتمرير قوائم بعينها مما أثر على الانتخابات.

وفقا للتقرير الذي أعدته المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، تصاعد استخدام آلية توزيع الهدايا العينية للمرشحين على أعضاء الجمعية العمومية، بما يؤثر على مبدأ المساواة بين المرشحين، خاصة أن القانون لم يضع سقفا للصرف على الحملة الانتخابية للمرشح.

وسبق أن أعلن عضو المجلس محمود كامل، وهو عضو اللجنة المشرفة عى الانتخابات، رفضه لوجود “قائمة أمنية” داخل انتخابات الصحفيين، بعد تمرير 6 أسماء معظمهم محسوبون على المؤسسات القومية، هو ما وصفه كامل في بيان بالظاهرة الخطيرة التي يجب التصدي إليها.

إلا أن هذا لم يكن السبب الوحيد لخسارة مرشحي التيار، فخالد البلشي على سبيل المثال لم يكن المرشح المفضل لكتل تصويتية بعينها مثل “القوميين والصعايدة وشعبة النقاد الرياضيين” حسبما يوضح الصحفي محمود هاشم، أحد منسقي حملة البلشي.

لم يلحظ هاشم وسليم، كلاهما عملا تحت لواء الحملة ذاتها، وجود تصويت عقابي ضد هذا التيار، بدليل حصول البلشي على أكثر من ألف صوت، مما يعكس وجود رغبة حقيقة لدى قطاع يؤمن بالتغيير وتنصيب أشخاص يدافعون عن حقوق زملائهم واستقلال المهنة، بينما توجد أسباب أخرى كالتكلات التي ذكرها هاشم.

اقرأ أيضا:

الطريق إلى نادي المعلمين.. انتخابات الصحفيين بين أصحاب الخدمات وأنصار الحقوق

يلفت هاشم إلى أن هناك من يعتقد أن وجود البلشي في المجلس معناه عودة الصدام مع الدولة، خصوصا أنه واحد من المشاغبين القدامى، وهو ما ترجمته الجمعية العمومية في اختيارها لأشخاص معروف مواقفهم، بدعوى الحفاظ على حالة الاستقرار والتناغم مع الحكومة.

تأخذنا الإجابات إلى أسئلة أخرى عن موضع تيار الاستقلال الآن، إذ ترى منى سليم أن التيار في حالة ضعف”متردد وخياراته مرتبكة”. كما أن الخطاب ليس واضحا بالدرجة الكافية، ويجب أن يكون أكثر راديكالية، وأكثر انفتاحا على الجمعية العمومية.

وبحسب سليم، يواجه التيار أزمة كوادر في ظل وجود تفاوت في الأسماء وغياب التنسيق وعدم الوضوح: محتاج يبقى عنده موقف بالقضايا مش بالأشخاص طرح حلول مش عناوين.. نحتاج إلى ترميم، نقتقد للخطط والمناقشات”.

الراديكالية في كتالوج سليم “مش زعيق بل وضوح”، أي الدفاع عن حرية الصحافة بشكل مباشر، لذا تعتبر الـ 288 صوت الذين حصل عليهم كارم يحيى هم قلب تيار الاستقلال، باعتبارهم دافعوا عن آرائهم بدون حسابات براجماتية دفعت البعض إلى انتخاب آخرين.

كما يعتقد هاشم أنه مع قدرة أكبر على الحشد والتنظيم وإدارة المعركة الانتخابية “هتكون النتيجة مختلفة في المرات المقبلة خاصة مع الفوارق البسيطة بين المرشحين على المقاعد”.

أما النقيب الأسبق يحيى قلاش يتحتفظ على مصطلح “تيار الاستقلال” لاستخدامه في سياقات مختلفة لا تعبر عن مضمونه، وبحسب مفهومه فهو تيار نقابي واسع وعريض يحافظ على استقلال النقابة، والمهنة، والدفاع عن الحريات الصحفية، كونها مهنة معجونة بالحريات ومرتبطة طرديا بها.

يوضح قلاش، في تصريحات لـ”مصر 360″ أن لفظ تيار الاستقلال يستخدم سلبيا باعتبارنا نمارس سياسة وليس صحافة، فارتبط المصطلح بالأشخاص المسيسين، خصوصا أننا نعيش في ظرف استثنائي، لذا يمكن القياس على الانتخابات الأخيرة، في ظل محاصرة سياسيا وصحيا.

برأي أحد قيادات هذا التيار، فإن جمهور النقابة كان غائبا بفعل كورونا، وبفعل الأجواء السياسية، ونقل وقائع الانتخابات إلى مكان خارج النقابة، “انتخابات معملية، عملت في المختبر”.

اعتبر قلاش أن لجنة الإشراف لم توفر مناخا جيدا للانتخابات في ظل الإشراف القضائي المعلن رغم أحقية أعضاء الجمعية العمومية في مراقبة الانتخابات بأنفسهم.

قلاش ليس غريبا على هذه الأجواء، فهو قاد معركة مشابهة ضد نقيب الصحفيين الأسبق عبدالمحسن سلامة، انتهت بفوز الأخير، بعد فترة من قضية اقتحام رجال وزارة الداخلية لمقر النقابة من أجل القبض على العضوين عمرو بدر ومحمود السقا، وهي الفترة التي شهدت توترا كبيرا بين مجلس النقابة وأجهزة الدولة بسبب مطالبة الجمعية العمومية اعتذار رئيس الجمهورية على اقتحام النقابة من قبل الأمن.

النيجاتيف

ويرجع مراقبون ما يحدث من سيطرة على النقابة في السنوات الأخيرة إلى تداعيات هذه الأزمة، خصوصا مع القرار الذي اتخذته النقابة آنذاك بالاعتماد على صورة نيجاتيف لوزير الداخلية في هذا التوقيت اللواء مجدي عبد الغفار، لتدرك معه أجهزة الدولة خطورة وجود مجلس محسوب على تيار الاستقلال في هذه المرحلة، وتبدأ عهدا جديدا من السيطرة.

ينتقل يحيى إلى الحديث عن مستقبل النقابة في ظل التشكيل الجديد للمجلس، مؤكدا أن الوضع الحالي لن يستمر كثيرا وحالة الإغلاق غير قابلة للتكرار، باعتبار أن التركيبة العمرية للنقابة شابة، ولا أحد يستطيع مصادرة المستقبل.

يرفض قلاش تبني مصطلح الخطاب الراديكالي الذي استخدمته منى سليم، فالنقابة برأيه لا تحتاج أكثر من خطاب نقابي حقيقي جاد، نلتف حوله، يشرح أزمات المهنة وليس بحاجة إلى خطاب سياسي، إذ إن النقابة حاليا بلا برنامج أو أولويات.

ويلفت إلى ضرورة التفرقة بين البرامج العامة لمجلس يعمل وفق خطط والوعود الشخصية التي يقطعها المرشحون على أنفسهم قبل فوزهم بالمقاعد.

“لا يجب خطابنا ينشط ومسامنا تتفتح ثم نذهب جمعاء إلى من حيث أتينا، يجب أن نحافظ على الحياة داخل النقابة، فأنا أرفض الاهتمام الموسمي بالنقابة” يختم قلاش.