لم يكن القبض على محمود عزت القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان، المصنفة على قوائم الإرهاب، في مصر وعدد من البلدان العربية، في أغسطس العام الماضي، ثم الحكم عليه بـ”المؤبد”، مؤخراً، سوى لحظة للبحث وراء القيادي الإخواني الهارب الذي تورط في أعمال “إرهابية” عديدة، من بينها استهداف مسؤولين في الحكومة المصرية، وتنفيذ عمليات عنف من خلال تشكيلات تنظيمات مسلحة، مثل “حسم” و”لواء الثورة”.
ألقي القبض على عزت بعد قرابة سبع سنوات من توليه منصب المرشد العام بالإنابة في 20 أغسطس 2013. وذلك في أعقاب عقب القبض على المرشد محمد بديع، بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.
لدى القبض عليه واجه عزت عدة تهم تتصل بـ” الانضمام لجماعة إرهابية وقيادتها وتلقي تمويل غير مشروع”.
وعليه، أصدرت الدائرة الثانية إرهاب، نهاية الأسبوع الماضي، في معهد أمناء الشرطة في طرة، حكمها على “الإرهابى محمود عزت القائم بأعمال مرشد الإخوان، بالمؤبد بأحداث مكتب الإرشاد”. كما وجهت النيابة للمتهم وآخرين معه في القضة تهماً بـالتحريض على القتل والشروع فى القتل، وإمداد مجهولين بالأسلحة النارية والذخائر والمواد الحارقة والمفرقعات. وذلك بالإضافة إلى التخطيط لارتكاب الجريمة، وأن الموجودين بالمقر في الجماعة الإخوانية، قاموا بإطلاق الأعيرة النارية والخرطوش صوب المجنى عليهم، قاصدين القتل العمد.
ومن جانبه، يوضح الصحفي المتخصص في الإسلام السياسي، سامح فايز، أن العمل السري الذي انتهجه تنظيم الإخوان منذ لحظاته الأولى، وضع أمامنا حقيقة مهمة. وهى ضرورة التعامل مع الإخوان على أن هناك طريقين لعمل التنظيم، الأولى يتزعمها أعضاء يظهرون أمام الجمهور، مثل المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد، ومسؤولي المناطق في تنظيم الإخوان، والثانية وهى الأهم، وهم من يقودون الجماعة حقاً.
من بين تلك الأسماء التي لا تظهر كثيراً أو تتصدر الصورة أمام الناس، لكنهم يعدون الأخطر في التنظيم كان محمود عزت، القائم بأعمال المرشد اضطررا بعد ثورةيونيو عام 2013، التي أزاحت تنظيم الإخوان من حكم مصر.
ولد عزت في الأربعينيات من القرن الماضي، وانضم لتنظيم الإخوان، في وقت مبكر، وقد كلفه ذلك عشر سنوات قضاها في السجن، وهو لا يزال طالب في الجماعة، بعد القبض عليه ضمن تنظيم 1965، أو التنظيم القطبي، نقطة التحول الأهم في تاريخ تنظيم الإخوان في اتجاه الإرهاب المنظم، المتجاوز حدود البلد الواحد، إلى تشكيل تنظيم دولي يحرك الإرهاب في العالم.
وبحسب فايز في حديث لـ”مصر 360″، ففي السجن تواجد عزت مع صديق المقرب محمد بديع، مرشد تنظيم الإخوان، وفي السجن أيضاً تتلمذ الاثنان على يد شكري مصطفى، منظر فكر التفكير والهجرة، الذي انتمى إليه تنظيم داعش مؤخراً، ليبرر أعماله الإجرامية، وعمليات الذبح الممنهجة أمام العالم. وهو تاريخ يؤكد مدى اعتناق عزت للفكر القطبي، الذي تسبب في قضائه الجزء الأكبر من حياته بين جدران السجون المصرية، كان كلما خرج من السجن عاد إليه مرة أخرى، ورغم ذلك كان الأكثر قربا من مصطفى مشهور، المرشد السري لتنظيم الإخوان، قبل أن يتولى مسؤولية الجماعة سنة 1995.
وقد ذكر القيادي الإخواني المنشق مختار نوح في مذكراته المنشورة، كيف أولى مشهور إلى خيرت الشاطر ومحمو عزت مسؤولية إحياء التنظيم المسلح للإخوان فور خروجهما من السجون، في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، المسألة التي عمل عليها عزت دون علم مرشد الإخوان في تلك الفترة عمر التلمساني، ثم تعددت القضايا التي ذكر فيها اسم عزت باعتباره المنظم الأول، أخطرها كانت قضية سلسبيل، التي كشفت مساعي الإخوان للتمكين وحكم مصر.
ويستطرد فايز: “يكفي كي ندرك خطورة محمود عزت، أن نعرف أن استطاع الاختفاء داخل مصر أكثر من سع سنوات، داخل فيلا في قلب القاهرة الجديدة، دون أن تدركه أيدي الأمن، واستطاع خلال تلك السنوات تحريك تنظيمات الدم والعنف المسلح، بداية من العقاب الثوري، حتى حسم ولواء الثورة، التنظيمات التي قتلت مجموعة من أبرز الشخصيات الحكومية في مصر، التي شاركت في إزاحة الإخوان من الحكم”.
اقرأ أيضا:
أسرار ومحطات “محمود عزت” ثعلب الإخوان المهزوم
من يخلف محمود عزت؟.. مرشد الإخوان الجديد برعاية تركيا وقطر وبريطانيا
تأثير غياب عزت على الإخوان
والأهمية التي برزت أيضا بسقوطه في قبضة الأمن المصري ثم محاكمته بالمؤيد، تتمثل في أنه “منذ ذلك التوقيت وتنظيم الإخوان تتهاوي أركانه، وتضعف قوته، ويقدم العديد من التنازلات للدول التي تبنت موقفه، في محاولة لجمع شتات الإخوان الذي فرقه سقوط الرجل الأخطر في تنظيم الإخوان، محمود عزت”.
ولعل ما حدث مؤخرا من تقارب مصري -تركي أبرز مثال على التضحية بالتنظيم الإخواني، خصوصا بعد أن أمهلت السلطات التركية قيادات الجماعة ورموزها الإعلامية فترة لتوفيق أوضاعها وتصويب خطابها الموجه إلى الجمهور المصري.
ومن جانبه، يوضح الباحث المتخصص في الإسلام السياسي ماهر فرغلي إلى أن أهم لمحة في حياة محمود عزت تتمثل في التزامه الأيدولوجي والعقائدي الحاد منذ تعرفه على مصطفى مشهور حيث انخرط في أنشطة التنظيم الخاص، من خلال الأخير، وقد تعرض للسجن على خلفية أزمة تنظيم 65، ومن ثم زادت صلاته القوية بالتنظيم والفكر القطبي، ما طبع على شخصيته الغامضة والمقتضبة في كل شئ.
ويتابع لـ”مصر 360″: “ساهمت هذه الشخصية التي زادت من برزها ندرة ظهور ولقاءاته بإحداث هالة داخل التنظيم عنه، وقد تولى لجنة التربية داخل التنظيم وهي لجنة مسؤولة عن التكوين أو التعبئة الفكرية للشاب من خلال صناعة مناهج تربوية للأطفال والشباب حيث تعمد إلى تكوينهم أيدولوجياً وفكرياً وتنظيمياً، عبر طرح الأدبيات التي تساهم في إنتاج جيل متأثر بالفكر القطبي وقج نجح في تشكيل عناصر وأجيال قطبية عديدة”.
ويلفت فرغلي أن عزت ارتبط اسمه بما يعرف بـتنظيم العشرات” وهو المسمى الذي أطلقه عمر التلمساني على المجموعة التي صدرت بحقها أحكام لمدة عشر سنوات، في قضية 65، وكانت على خلاف معه، نتيجة تأثرها الشديد بالأفكار القطبية المتشدد والتكفيرية، بل أن التلمساني حذر من خطورتها على التنظيم ومستقبله، ما اضطر تلك المجموعة في ذروة احتدام الخلاف بينهما على السفر إلى عدة عواصم عربية، من بينها اليمن، ومنهم عزت ومحمد بديع وغيرهما.
بعد 3 يوليو 2013، دشنت الجماعة من خلال عزت ومجموعته سياسة عرفت بـ”الثغرات مؤلمة”، وهي عبارة عن إحداث ضربات بين فترة وأخرى ضد الدولة ومؤسساتها وأفرادها، بالإضافة إلى الضغط عليه سياسياً من خلال الأنشطة الحقوقية داخل دوائر صنع القرار في الغرب، وبناء عليه “تولى عزت أمر تشكيل المجموعات المسلحة أو النوعية وأوكل إلى محمد كمال مهمة التنفيذ لكن بعد فشل لواء الثورة عاد كمال للوراء وتصدر عزت المشهد من جديد بينا ظهر محمود حسين على شاشة الجزيرة القطرة وأعلن أن تنظيم لواء الثورة وحسم لا يتبع التنظيم، وبدأ الصدام مع عزت الذي ضغط من خلال امتلاكه الموارد المالية على تلك التنظيمات وأنشطتها، ورفض دعمها بالمال، وقد جمد التمويل وضغط على عناصرهم في السودان”.