حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من استيلاء النظام السوري بشكل غير قانوني على منازل وأراضي السوريين الذين فروا من الهجمات العسكرية السورية، الروسية في محافظتَي إدلب وحماة.
وقالت المنظمة إن ميليشيا موالية للحكومة و”الاتحاد العام للفلاحين” الذي تسيطر عليه الحكومة في الاستيلاء على هذه الأراضي وبيعها بالمزاد العلني لمؤيدي الحكومة.
وبحسب الباحثة في المنظمة سارة الكيالي “فإن النقابة التي من المفترض أن تساعد في حماية حقوق المزارعين، أصبحت أداة أخرى في قمع الحكومة السورية المنهجي لشعبها”. وقالت: “ينبغي أن تضمن منظمات الإغاثة عدم دعم اتحادات الفلاحين في زراعة الأراضي المسروقة”.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان أشارت إلى مصادرة السلطات في حماة وإدلب على ما لا يقل عن 440 ألف دونم، من الأراضي الزراعية بعد انتزاع الحكومة للمنطقة من الجماعات المنشقة.
شهادات أصحاب الأراضي المسروقة
وتوثيقا لما يجري على الأرض قابلت “هيومن رايتس ووتش ستة أشخاص”، خمسة منهم قالوا إن السلطات السورية استولت على أراضٍ يملكونها أو تعود لأقاربهم المباشرين في محافظتَي إدلب أو حماة، من دون إشعار أو تعويض، بين مارس، ونوفمبر 2020.
وذلك في أعقاب فرارهم من هجوم التحالف العسكري السوري-الروسي على شمال غرب سوريا في 2019، والذي استمر عشرة شهور.
في إحدى الحالات، دفع شخص من بلدة مورك 5 آلاف دولار لاستعادة أرضه لعنصر في ميليشيا “قوات النمر” المنتهِكة، والموالية للحكومة، والتي تسيطر على المنطقة، وتعمل تحت قيادة رجل الأمن بالنظام المثير للجدل سهيل الحسن.
ولإبقاء الأرض خارج قوائم المزاد، اشترطت الميليشيات أن يكون لديه قريب مباشر في المنطقة. دفع أموالا لإعادة والدته إلى المنطقة، حيث كان مطلوبا من الحكومة السورية. في حين كانت القوات الحكومية قد اعتقلت شقيقه.
شملت الأراضي المصادرة تلك المزروعة والمستخدمة لزراعة الفستق الحلبي، والقمح، وأشجار الزيتون، وأنواع أخرى من المحاصيل، في معظم الحالات، كانت المصدر الأساسي لدخل العائلات.
في شهادة أحد ضحايا المصادرة قال “عندما اكتشفنا الأمر كعائلة كان مثل الصاعقة. يمكنني مقارنة ذلك بشجرة زيتون اقتُلعت من جذورها، فقدنا أرضنا، ومنزلنا، ووطننا. كانت هذه الأراضي مصدر دخلنا، وساعدتنا في معيشتنا، كنّا نحصدها ونستفيد منها”.
وقد تداول عدد من رواد مواقع وسائل التواصل الاجتماعي قوائم للمزادات العامة للأراضي التي يمتلكها النازحين المعارضين، بعد أشهر قليلة من سيطرة الحكومة على هذه المناطق.
اللجان الأمنية والجمعيات الفلاحية
راجعت هيومن رايتس ووتش عددا من هذه الإعلانات المنشورة علنا من قبل “الجمعيات الفلاحية التعاونية” في حماه وإدلب.
كما دعت الإعلانات إلى طرح مناقصات لتأجير الأراضي العائدة لـ “أشخاص مقيمين خارج الجمهورية العربية السورية أو في مناطق خاضعة لسيطرة متطرفين.
وكذلك أفاد موقع الاتحاد العام للفلاحين وجود 5,621 جمعية تضم نحو مليون عضو، إذ توحّد الجمعيات التعاونية وسائل الإنتاج، بما فيها القروض، والثروة الحيوانية، والأعلاف، والسماد، والآلات الزراعية، وتعيد توزيعها.
في ثلاث حالات، قال الأشخاص إن لجنة أمنية مكونة من المخابرات العسكرية السورية، والجمعيات الفلاحية التعاونية، وأعضاء ميليشيا موالية للحكومة “الشبيحة” كانوا مسؤولين عن الاستيلاء على أراضيهم ثم تأجيرها.
وفي ثلاث حالات أخرى، قال أشخاص إن أفرادا موالين للحكومة أو قادة رفيعي المستوى من الميليشيات الموالية للحكومة استأجروا الأرض وقدموا أسماء مستأجرين.
كما كان جميع أصحاب الأراضي الستة الذين قوبلوا مطلوبين من الحكومة السورية لقضايا مختلفة، مثل الانشقاق عن الجيش السوري والمشاركة في احتجاجات سلمية، بالتالي كانوا يعيشون في الخارج أو في مناطق لا تسيطر عليها الحكومة، ولم يتمكنوا من العودة إلى مناطق سيطرة الحكومة بسبب مخاوف أمنية.
والأكيد أن أحدا من أصحاب الأراضي لم يحصل على تعويض، كما قال أحد أصحاب الأراضي بعد أن تمكّن من الاتصال بالمستأجر، إن الشخص أخبره أنهم سيؤجّرونه إياها إذا وعد بتقاسم نصف عائدات الحصاد.
ادعاءات كاذبة من قبل النظام
وفي المقابل، زعمت بعض الإخطارات التي نشرتها الجمعيات وراجعتها هيومن رايتس ووتش أنّ الاستيلاء على العقارات حصل بسبب قروض مستحقة للمالكين مع “المصرف الزراعي التعاوني” السوري.
في حين نفى 5 ممن قابلتهم المنظمة الأمر، وأشاروا إلى أنهم لم يتلقوا أي إشعار أو طلب بالسداد، ولم يتمكنوا من الطعن في شرعية المصادرة، ما يثير مخاوف بشأن الإجراءات القانونية الواجبة في سوريا.
كما قال جميع مَن قوبلوا إن لديهم أو لدى والدَيْهم صكوك ملكية للأرض، لكن فقد ثلاثة وثائقهم الشخصية والممتلكات عندما فروا أثناء الهجوم العسكري السوري، أو بسبب الهجمات أو المداهمات على منازلهم التي أتلفت الوثائق، وفي ثلاث حالات، تشير القوائم بوضوح إلى أنهم المالكون.
وسبق أن وثقت “هيومن رايتس ووتش” تمرير النظام السوري لقوانين وسياسات لمصادرة الممتلكات، في غياب الإجراءات القانونية الواجبة أو التعويض، وذلك في القانون رقم 10 عام 2018، الذي يسمح ظاهريا للحكومة بمصادرة الممتلكات وتطويرها، وقانون مكافحة الإرهاب عام 2012، الذي استخدمته الحكومة لمعاقبة عائلات بأكملها من خلال إدراجها التعسفي على قائمة الإرهابيين المزعومين وتجميد أصول أفرادها.
كما أشارت المنظمة الحقوقية إلى نقص شديد في القمح في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة نجم عنه نقص حاد في الخبز، وذلك بسبب القيود الحكومية، والفساد، والنهج التمييزي.
وقف دعم الأراضي المسروقة إغاثيا
في عام 2020، أثناء مصادرة أراضي المواطنين، أصدرت وزارة الزراعة، بدعم من جمعيات الفلاحين، خطة لدعم المزارعين لزراعة القمح والمحاصيل الأخرى اللازمة. وكذلك قدمت مجموعات الإغاثة البذور وأصلحت أنظمة الري، بما فيها في بعض أجزاء محافظة حماة، وعليه طالبت “هيومن رايتس ووتش” منظمات الإغاثة ضمان عدم دعمها للزراعة في الأراضي المسروقة.
ويحمي القانون الدولي العرفي حقوق الملكية، ينص “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” على أن “لكل شخص حقّ التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره”، وأنه “لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا”.
وكذلك يحق للحكومات مصادرة الأراضي للأغراض العامة، لكن وفق القانون، ,بمشاركة عامة، وتبعا للإجراءات القانونية الواجبة، والتعويض المناسب، ومع ذلك، تُظهر هذه الحالات عدم تقديم مثل هذه الضمانات.
تشير “مبادئ بينهيرو”، المتفق عليها بشكل واسع والتي تحكم حقوق الملكية للاجئين والنازحين داخليا، عددا من تدابير الحماية الإضافية التي تنطبق في هذه الحالة.
إذ تحمي المبادئ اللاجئين والنازحين من التمييز وتشترط ألّا تكون التشريعات التي تغطي السكن، والأرض، واستردادها تمييزية، ليس بحكم الواقع، ولا بحكم القانون، وأن تكون شفافة ومتسقة. إذا حُرم لاجئ أو نازح من ممتلكاته بشكل غير قانوني أو تعسفا، يحق له المطالبة باستردادها أمام هيئة مستقلة ومحايدة.
ليست المرة الأولى
باحثة المنظمة الكيالي قالت “ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها السلطات السورية القوانين والسياسات لمعاقبة الأشخاص الذين تعتقد أنهم يعارضون حكمها القمعي” وأضافت “ما لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات حاسمة لمعاقبة هذه الانتهاكات، لن نرى إلا مزيدا من هذه المبادرات”.
المنظمة طالبت السلطات السورية الكف فورا عن مصادرة ممتلكات المواطنين وبيعها بالمزاد العلني من دون الحصول على موافقتهم، أو إخطارهم، أو التعويض عليهم بشكل كامل ومناسب.
كما أن عليها أن تبلغ هؤلاء المالكين بنيّة الاستيلاء على أراضيهم، أو أي طلبات لسداد قروض، أو أي مشاكل تتعلق بأراضيهم، وأن تتيح لهم الطعن في هذه القرارات في محاكمة عادلة.
وكذلك على وكالات الإغاثة الدولية العاملة في هذه المناطق ضمان عدم دعم أي من برامجها لهذه الانتهاكات، بما فيه توفير البذور والأدوات للمزارعين في المناطق تحت سيطرة الحكومة.