تطورات جديدة كشفتها النيابة العامة المصرية، اليوم الأحد، في حادثة قطاري سوهاج (المميز والإسباني)، التي وقعت جنوبي مصر في 26 مارس الماضي، وأسفرت عن مقتل 20 شخصًا، وإصابة 199 آخرين. فضلاً عن تلفيات بالقطارين قُدرت قيمتها بـ 25 مليونًا و890 ألف جنيه. إذ تبين -وفق النيابة- تعاطي مراقب برج الإشارات بمحطة المراغة مخدر الحشيش. وكذلك تعاطي مساعد سائق القطار المميز مخدر الترامادول. وذلك وفق نتائج تحليل تعاطي المواد المخدرة الصادرة من وزارة الصحة.

قبل كارثة قطاري سوهاج.. رواية سائق “المميز” كذبها الشهود

وفق بيان النيابة، فقد توقف “القطار المميز” مرتين قبل وقوع الحادث. وكان التوقف الأول قبل مزلقان “السنوسي” بين محطتي سكة حديد المراغة وطهطا لعدة دقائق. قبل أن يتحرك القطار متجاوزًا المزلقان، ويتوقف مرة أخرى كانت الأخيرة قبل وقوع الاصطدام مع القطار الإسباني.

سائق “القطار المميز” ومساعده كانا قد ادعيا -في التحقيقات- ظهور إشارات ضوئية بشاشة التحكم بكابينة القيادة. وأفادا بأن هذه الإشارة تفيد بانخفاض معدل ضغط الهواء بالأنابيب الواصلة بين عربات القطار ما أوقفه آليًا. وأحالا أسباب هذا الانخفاض إما إلى سحب أحد مقابض الخطر بأي من العربات، أو غلق أحد صمامات تحويل الهواء المضغوط بالمكابح (الجزرات). كما ادعيا أنه مع بدء ارتفاع معدل ضغط الهواء تحرك القطار متجاوزًا “مزلقان السنوسي”، ثم توقف آليًا مرة أخرى بموقع التصادم، حيث تبين مساعد السائق غلق أحد الصمامات بين العربتين الثالثة والرابعة وصورها بهاتفه.

إلا أن هذه الإفادة للسائق ومساعده كذبها شهود من المصابين والركاب والعاملين بالقطار من الكمسارية وأفراد الأمن. فأكد جميع هؤلاء أنهم لم يروا سحب أي من مقابض الخطر أو سماعهم الصوت المميز الصادر عن سحبها. بينما أضاف كمسري بتبينه عدم سحب المقابض بأربع عربات. وقدمت النيابة العامة تلك الأقوال مرفقة بصور إلى اللجنة الهندسية المشكلة لبحث حقيقة الأمر فنيًا.

تضارب الأقوال.. من قاد القطار الإسباني؟

في أقواله، أفاد مساعد سائق القطار الإسباني بتوليه القيادة قبل وقوع الحادث، مدعيًا سيره على سرعة 90 إلى 95 كيلومترًا في الساعة، وتأكده من إضاءة جميع الإشارات الضوئية (السيمافورات) باللون الأخضر على طول شريط السكة الحديدية قبل موقع التصادم، ما يسمح له بالمرور. لكنه على مسافة 500 إلى 600 مترٍ من موقع التصادم رأى توقف “القطار المميز” فاستخدم المكابح اليدوية لإيقاف الجرار والعربات، وفشل ذلك فوقع التصادم.

وقد نازع سائق القطار مساعده في هذه الرواية، وأكد توليه هو القيادة وقت الحادث، وسيره على سرعة 90 كيلومترًا في الساعة. مفيدًا بمشاهدته توقف “القطار المميز” على مسافة 100 متر، حيث استخدم ذات المكابح المشار إليها دون تمكنها من إيقاف القطار.

لماذا أوقف سائقا قطاري سوهاج مكابح ATC؟

سائقا القطارين أقرا أيضًا -في التحقيقات- بإيقاف جهاز المكابح والتحكم الآلي (ATC). ذلك بدعوى تعطيلها حركة القطارات وتأخير مواعيد وصولها إلى المحطات. بينما ادعيا إصدار الهيئة القومية للسكك الحديدية تعليمات شفاهية بعدم تشغيل هذا الجهاز. وأفاد أحدهما بسماعه بهذه التعليمات في “معهد تدريب السائقين بوردان”.

اقرأ أيضًا: بعد محاكاة أجهزة التحكم.. هل تقضي الـ”ATC” على حوادث القطارات؟

هذه التعليمات أكدها في 27 مارس الماضي، وزير النقل الفريق كامل الوزير. إذ أشار في مداخلة هاتفية مطولة لأحد البرامج الحوارية، إلى إصداره تعليمات سابقة بشأن التخلي عن تقنية ATC في بعض الأماكن؛ نظرًا لتسببها في بطء الحركة وتأخر القطارات. وأوضح: “لما حصل تأخير في القطارات ومواعيدها، قعدنا مع السواقين وقلنا لهم أنتم سواقين كبار عندكم خبرة، في بعض الأماكن اللي هيعطلك فيها الـATC استغنى عنه وامشي بسرعة قليلة تمكنك من السيطرة على القطار”.

هنا، أعلنت النيابة العامة أنها تلقت إفادة من كل من مدير عام صيانة البنية الأساسية ومدير عام التشغيل على الشبكة بالهيئة القومية لسكك حديد مصر بمنطقة أسيوط. وقد تضمنت هذه الإفادة تأكيدًا على أن منطقة الحادث ليست من مناطق فك الارتباط التي يمكن فيها إيقاف جهاز المكابح والتحكم الآلي (ATC) بمحافظة سوهاج. وأكد المسؤولان مُقدما تلك الإفادة أن تلك المنطقة تعمل بنظام التقاطر الكهربائي. ما يستلزم تشغيل هذا الجهاز. على خلاف ما زعمه سائقا القطارين ومساعداهما.

إهمال قسم المراقبة ساهم في وقوع كارثة قطاري سوهاج

في بيانها اليوم عن الحادث، أشارت النيابة العامة إلى أن التحقيقات أكدت كذلك ترك “رئيس قسم المراقبة المركزية بأسيوط” مقر عمله وقت وقوع الحادث. رغم مسؤولية هذا القسم عن مراقبة حركة القطارات بموقع التصادم. بينما أسفرت التحقيقات مع اثنين من المراقبين بالقسم عن إخلالهما بمهام عملهما. فقد تأخر أحدهما عن تنبيه سائق “القطار الإسباني” بتوقف “القطار المميز”. وأخطأ في رقم هذا القطار حال بدئه في تنبيه سائقه. فيما لم يوال الآخر محاولات الاتصال بسائق “القطار الإسباني” لتنبيهه، بعد إخفاق محاولتين فقط ادعاهما للاتصال به. وقد أكدت سجلات الاتصالات التي أجراها المذكور المستخرجة من شركة الاتصالات عدم إجرائه المحادثتين اللتين ادعاهما. وكانت النيابة العامة قد استمعت إلى محادثات لاسلكية سجلتها أجهزة الاتصالات بمقر القسم، فتبينت منها تأخر محاولات التنبيه واستمرارها بالرغم من وقوع الحادث.

13 محاكاة أثبتت دور برجي المراقبة في وقوع الكارثة

بانتقاله إلى برجي مراقبة محطتي المراغة وطهطا -الواقع الحادث بينهما- تأكد فريق النيابة من إضاءة سيمافورين يقعان قبل موقع التصادم بنحو كيلومترٍ وثلاثمائة وعشرة أمتار. وكان أحدهما مضاءً بلون أصفر يعني وجوب تهدئة السرعة، والآخر بالقرب من محل التصادم مضاءً بلون أحمر يعني لزوم التوقف. وذلك على خلاف ما زعمه مساعد سائق “القطار الإسباني”.

اقرأ أيضًا: ناجون من قطار سوهاج: الاصطدام كان مثل الانفجار.. والأشلاء غطت المقاعد

وقد عاينت النيابة العامة النقطة التي تُرى منها إضاءة “السيمافور الأحمر” والقطار المتوقف بشريط السكة الحديدية. وحددت -بالاستعانة بخبراء هيئة المساحة المصرية- وقوعها على مسافة 535 مترًا من موقع التصادم. وأجرت من تلك النقطة 13 محاكاة لاستخدام كافة أنواع المكابح اليدوية بجرار مماثل للمستخدم بـ”القطار الإسباني” حال سيره على سرعة 90 كيلومترًا في الساعة. وأسفرت النتائج عن توقف الجرار في كل مرة قبل نقطة التصادم.

وأوضحت النيابة أنها ستعرض تلك النتائج على اللجنة الهندسية المشكلة لبحثها من الناحية الفنية واستخلاص النتائج النهائية.

مقعد قيادة القطار الإسباني كان خاليًا وقت الحادث

هذا، وقد أسفرت مشاهدة النيابة العامة لتسجيلات آلات المراقبة بمحطة سوهاج الكائنة قبل محل الحادث يوم وقوعه عن جلوس مساعد سائق “القطار الإسباني” بمقعد القيادة، واستلامه بدلاً عن السائق النموذج “سبعة وستين (٦٧) حركة” الصادر من المحطة. وهو النموذج الثابت فيه السرعة المقررة بمنطقة الحادث وكانت لا تجاوز 90 كيلومترًا في الساعة. وتحفظت النيابة على النموذج وتبينت فيه الإمضاء باسم السائق بما يفيد الاستلام، فاستكتبت السائق ومساعده على هذا الإمضاء وأثبت تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي كتابة المساعد الإمضاء بدلاً من السائق. وبمواجهة الاثنين بتلك النتيجة أقرا بواقعة التزوير، وتمسك كل منهما بقيادته القطار وقت الحادث. وقد كلفت النيابة العامة الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية بفحص نتائج مشاهدة آلات المراقبة المشار إليها للتأكد من صحة ظهور مساعد سائق القطار الإسباني فيها باستخدام تقنية القياسات البيومترية، فتأكد ظهوره بها.

كذلك، أثبت تقرير مصلحة الطب الشرعي وسؤال محرره في التحقيقات عن عدم تناسب الإصابات المشاهدة والموصوفة بسائق القطار الإسباني ومساعده، مع ما ادعياه في التحقيقات من بقائهما بالكابينة الأمامية للجرار إبان التصادم. وأنه من الجائز تصور مغادرتهما الكابينة قبل وقوعه. وعلى هذا شكلت النيابة العامة لجنة ثلاثية من أطباء مصلحة الطب الشرعي للتأكد من صحة تلك النتيجة. وانتهت اللجنة إلى صحة ما انتهى إليه التقرير السابق. مُضيفة تصورين آخرين لما حدث هما إما تواجد السائق ومساعده بالممر الفاصل بين الكابينتين الأمامية والرئيسية وقت التصادم. أو تواجدهما بالكابينة الرئيسية -اللاحقة على الأمامية- في ذلك التوقيت، قاطعة بعدم جواز بقائهما بالكابينة الأمامية حسبما زعما.