تسير العلاقات المصرية- التركية، شبه المتوقفة منذ العام 2013، بوتيرة متسارعة نحو التقارب الدبلوماسي، فبعد ساعات قليلة من الإعلان عن أول اتصال هاتفي منذ فترة طويلة بين وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، ونظيره المصري، سامح شكري، بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك، انسحب اثنان من رموز إعلام الإخوان معتز مطر ومحمد ناصر من الخريطة البرامجية لقناتي الشرق ومكملين اللتين تبثان من أسطنبول، بدعوى حصولهما على إجازة مفتوحة.

وبحسب مصادر لموقع العربية نت، فإن السلطات التركية أبلغت الثنائي بتغيير طبيعة وسياسة برنامجيهما ومنحهما إجازة لحين الاتفاق على شكل جديد أو البث من دولة أخرى تاركة حرية اتخاذ القرار لهما.

ووفقا لما أعلنه مطر، فإن هذا الانسحاب جاء لرفع الحرج عن السلطات التركية في ظل التقارب مع الحكومة المصرية، معتبرا أنه من واجبه ألا يثقل هو وزملائه على الحكومة التركية، لأنها تحملت الكثير على مدار 7 سنوات.

مطر صحفي وإعلامي مصري عٌرف من خلال ظهوره على قناة مودرن سبورت، قبل أن يتحول إلى أحد رموز قناة الشرق الإخوانية.

حكم على مطر بالحبس في 8 يوليو 2015، بعشر سنوات غيابيا لاتهامه بمحاولة “قلب نظام الحكم والتحريض ضد مؤسسات الدولة، والترويج للقيام بأعمال عنف ضد رجال الجيش والشرطة”.

وفي يونيو 2016، حكم عليه غيابيا بالسجن عامين، وكفالة 5000 جنيه مصري بتهم التحريض وبث الشائعات ضد القوات المسلحة والشرطة ومؤسسات الدولة.

أما ناصر فهو نحات مصري قدم عددا من البرامج على الفضائيات المصرية، ليختفي ويظهر مرة أخرى من خلال قناة “الشرق”.

كان لناصر خلفيات فنية، إذ شارك بالتمثيل في فيلمي محمد خان “بنات وسط البلد” و”في شقة مصر الجديدة “، رُفعت ضده الدعاوى القضائية.

كما كتب العديد من الأغنيات من بينها “مش نظرة وابتسامة” لسيمون، وكتب للمخرجة نادين خان فيلم ” هرج ومرج “، وحُكم عليه هو الآخر بأحكام غيابية من بينها 10 سنوات للتحريض ضد مؤسسات الدولة.

تركيا تدير ظهرها للإخوان

وتحتضن تركيا قيادات جماعة الإخوان، التي تصنفها حكومات عربية عدة، ضمن الجماعات الإرهابية، وكذا رموزها الإعلامية، منذ عزل محمد مرسي في صيف 2013، إلا أن هذه الاستضافة لم يعد مرغوبا فيها بعد 7 سنوات وأكثر من القطيعة مع النظام المصري بسبب الخطاب التحريضي الذي تتبناه وسائل إعلامية تبث من العاصمة التركية. ويتجلى هذا التقارب في التصريحات الرسمية التي حملت توددا للجانب المصري، مثل تصريح وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الذي أكد أن بلاده تسعى إلى علاقات جيدة مع كل دول جوارها، بما في ذلك مصر.

خطوة متوقعة

كان هذا التصريح بمثابة الضوء الأخضر لتصريحات أخرى، فظهر  القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، إبراهيم منير، في 20 مارس الماضي، على قناة الجزيرة التلفزيونية التي تتخذ من الدوحة مقرًا لها للحديث عن التقارب الجاري بين القاهرة وأنقرة.

في الوقت ذاته خرج أيمن نور المعارض المصري الهارب في تركيا، ورئيس قناة “الشرق” بتصريح يوضح فيه موقف القنوات الإخوانية المعارضة في تركيا بعد أنباء عن عودة العلاقات وتخفيف حدة الانتقاد للنظام المصري، بل وإغلاق عدد من القنوات.

وقال نور في مداخلتين مع قناة “الجزيرة مباشر” وقناة “مكملين”، إنه جرى لقاء تم بين مسؤولين أتراك وممثلين عن المعارضة المصرية في تركيا نوقشت فيه التطورات الأخيرة في العلاقات بين مصر وتركيا، بالإضافة إلى أداء القنوات المصرية التي تعمل في تركيا.

وذكر أن هناك رغبة في تعديل خطاب هذه القنوات بما يتسق مع مواثيق الشرف الإعلامية والصحفية و”تقليل التجاوزات التي قد تقع بين وقت وآخر”. مع نفى نور أن تكون تركيا قد طلبت إغلاق قنوات معارضة للنظام المصري أو إلغاء برامج سياسية، أو ترحيل معارضين أو إعلاميين مصريين، قائلا إنه لم يتم طرح ذلك على الإطلاق.

ثبات مصري

هذا التحول المفاجئ استقبله القاهرة بثبات انفعالي كبير، إذ قال مسؤولون أمنيون ودبلوماسيون إن تصرفات تركيا “يجب أن تظهر توافقا مع المبادئ المصرية” لتطبيع العلاقات.

كما عرضت تركيا مساعدة مصر في حل أزمة السفينة الجانحة في قناة السويس، فضلًا عن الأوامر التي تم إرسالها للقنوات المعارضة في تركيا بشأن تخفيف حدة الانتقادات الموجهة لمصر.

وقبل ذلك، أشاد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بموقف مصر من التنقيب شرق المتوسط. معلقًا على خريطة مصرية لأول مزايدة عالمية للتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي واستغلالهما لعام 2021. والتي التزمت وفق الإشادة التركية بـ”احترام الجرف القاري التركي”. 

على مدار شهر كامل، اتخذت القاهرة موقف المراقب فقط، إلى أن جاء الاتصال الهاتفي من أسطنبول، وخرج الثنائي مطر وناصر بإعلان مغادرتهما الشرق ومكملين، في وقت أعلن فيه الأول أنه قد يتوجه إلى بريطانيا أو كندا أو البرازيل أو إفريقيا في حالة صدر قرار نهائي بترحيل إعلاميي الإخوان وقادتهم أو إغلاق فضائياتهم.

البدائل الإخوانية

الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، سامح عيد، علق على ما حدث من تطور في توقف البرامج المعارضة في القنوات التركية قائلًا: “إن الإعلاميين على شكلية معتز مطر ومحمد ناصر وغيرهم سوف يخلقون بدائل ومنابر أخرى لهم ولن يغلبوا في ذلك مثل استخدام السوشيال ميديا أو اليوتيوب خاصة وقد ظهرت بوادر هذا الأمر بعرض الإخواني عبدالله الشريف بعرضه على الإعلاميين استخدام قناته على اليوتيوب.

وكان عبد الله الشريف وجه دعوة إلى محمد ناصر ومعتز مطر لاستخدام كقناته على يوتيوب بعد حصولهما على الإجازة، قائلا: “أحسن الله عزاءكم في منابركم الإعلامية، ومن باب الأخوة في الله فإن قناتي تحت أمركم لاستعمالها في البث المباشر كل ليلة إن أردتم، لا يغلبنكم القرار”.

وذكر عيد، في تصريحات خاصة، أنه بشكل أو بآخر أعلن بعضهم صراحة سفره إلى كندا أو أمريكا وبالتالي أغلبهم بحث عن البديل ورتب ظروفه كما أن معتز مطر أعلن من قبل عن فكرة توجه للندن، لافتًا أنه ليس من الصعب أن يعملون أو حتى ينشأون قنوات خاصة بهم لأن الأمر غير مكلف.

ما حدث كان متوقعا لاستعداد الجماعة وتوقعها لما يحدث، من خلال قيامهم بهيكلة إعلامية تساعدهم في الإنتاج الفنى، وزيادة الانتشار  على السوشيال ميديا وإنشاء فضائيات جديدة في أماكن أخرى ومنها لندن على سبيل المثال، مؤكدًا أن التقارب المصري التركي وشيك للغاية وبدا ذلك واضحًا من خلال التحذيرات التركية للقنوات الإخوانية، ومحاولات التواصل المستمرة، مرجحًا أن السبب في إعلان الإعلاميين الإخوانين الآن التوقف هو أمر مباشر وليس قرار شخصي.

اقرأ أيضا:

الإخوان وتركيا.. مستقبل قلق تقوضه التبعية والأدوار الوظيفية

حلول تركيا لرفع الحرج

 الباحث المختص في شئون الجماعات الإسلامية أحمد بان يعتقد أيضا أن النظام  التركي يلوح بهذه الورقة المتعلقة بالإعلام الإخواني فقط في محاولة لجس النبض للنظام المصري لكنه لن يتخلى عنها.

لا يستبعد بان التضحية بهم في مرحلة لاحقة عندما تتضح معالم الصفقة -إن جاز التعبير-. معتبرا أن إعلاميى الإخوان ليس لهم إرادة منفصلة يتحركوا من خلالها، وبالتالي فهو قرار من الحكومة التركية.

ويعلق على أنه لا يوجد ربط بين المسار القضائي الذي تم بعدم قبول دعوى إسقاط الجنسية المصرية عن عدد من الهاربين لتركيا ومن بينهم  معتز مطر، ومحمد ناصر، وبين ما يحدث لأن ذلك مسار قضائي منفصل عن المسار السياسي ولا يمكن الحديث عن أن هذا قرار فردي وغير مؤسسي، إذ يرجح أن هؤلاء  الذي صدر ضدهم أحكام قضائية نهائية أصبح مطلوب تسليمهم، سيكون أما تركيا ختارين إما تسلميهم أو تدفعهم للخروج لرفع الحرج عن الحكومة التركية، مع التأكيد عن أن جماعة الأخوان لا تزال لها حضور في العديد من الدول وارتباط مع عدد من الحكومات، وبالتالي ربما يكون لها بدائل أخرى في بلاد مثل ماليزيا وإنجلترا.

غير أن تاريخ الإخوان الممتد خلال 90 عاماً يبرز قدرة التنظيم على التكيف مع المتغيرات السلبية في محاولة تكتيكية للتراجع أمام ضربات الرباعي العربي القوية، والمؤثرة، سعياً للالتفاف مرة أخرى، وأملاً في العودة إلى المشهد. وهى لعبة نجح الإخوان في تنفيذها أكثر من مرة منذ عام 1942 وحتى عام 2011. غير أن الوضع الآن مختلف بعض الشيئ في ظل تفاهم عربي بين الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، والتحرك الجماعي من تلك الدول لإحباط المشروع الإخواني، بعد إدراكهم لحقيقة فيروس الإسلام السياسي المتطرف، حسبما صرح لنا الباحث المنشق عن جماعة الإخوان سامح فايز.