في دراسة حديثة لتقييم حصاد البرلمان السابق، ذكرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن الحريات الدينية والحق في عدم التمييز لم تحظ باهتمام جاد خلال السنوات الخمس الماضية لمجلس النواب. مشيرةً إلى تقصير واضح لم يتناسب مع ما شغلته هذه القضايا من حيز بالنقاش العام، ذلك رغم ما عُقد من آمال حول الحياة النيابية في مصر في أعقاب أحداث الثالث من يوليو 2013.

فقد مثّل انتخاب البرلمان السابق الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق التي أُعلنت عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. وقُدمت إجراءات هذه الخارطة المقترحة كمحاولة “لاحتواء الانقسام المجتمعي وإزالة أسباب الاحتقان بين المصريين”. بينما جرت انتخابات المجلس في ظل التزام دستوري وقانون انتخابي، ينشئ نظامًا للتمثيل الملائم (كوتا) للمسيحيين المصريين. وبالتالي، عُقدت آمال كبيرة على هذا المجلس. وتدعمت سلطاته وصلاحياته نسبيًّا مقارنةً بالدساتير السابقة. بما كان يؤهله للعب دور فعّال عبر أدواته التشريعية والرقابية، في دعم حريات الدين والمعتقد ومواجهة العنف الطائفي وإرساء قواعد شفافة وديمقراطية لإدارة المجال الديني. وهو ما أخفق فيه المجلس وفق ما توصلت إليه الدراسة. وقد انطلقت من تحليل أدوار المجلس الرئيسية الثلاثة: الدور التمثيلي المتمثل في التعبير بشكل حقيقي عن التنوع المجتمعي – الدور التشريعي المتمثل في إنتاج تشريعات تعزز المساواة وتمنع التمييز على أساس الدين – الدور الرقابي المطلوب لضمان مدى التزام السلطة التنفيذية بتحقيق أهداف الدستور والقانون في حماية حريات الدين والمعتقد.

ما أخفق فيه البرلمان السابق

ترى الدراسة أن البرلمان -في دورته السابقة- سيطرت عليه النظرة الضيقة لسُبل علاج قضايا الدين والحريات من منظور أمني فقط. علاوة على ضعف الدور التشريعي والرقابي للمجلس بشكل عام في كافة القضايا تقريبًا. وهو ما يمكن استنباطه من تحكم هيئة المكتب في القضايا التي تمت مناقشتها. فضلاً عن عدم دعوة المجلس أيًّا من الوزراء المسؤولين. خصوصًا عند مناقشة أحداثٍ جسام كتفجيرات الكنائس، والتي خلَّفت أعدادًا كبيرة من الضحايا.

أيضًا، سجلت الدراسة غيابًا لدور اللجنة الدينية بالمجلس السابق في مراقبة أداء المؤسسات الدينية، ومناقشة سُبل دعم الحريات الدينية للمواطنين، وعدم تعرضهم لأي انتهاكات بسبب رؤاهم ومعتقداتهم الدينية. فبالرغم من أهميتها، إلا أن هذه اللجنة لم تَنَل الاهتمام الكافي من النواب وهيئة المكتب. وانضم إليها عدد قليل من أعضاء المجلس (9 نواب فقط). بالإضافة إلى أنها ركزت فقط على الشأن الإسلامي ودور المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية. وهو ما انعكس على أدائها من تبني وجهة نظر وزارة الأوقاف وإدارتها للشأن الإسلامي. وانعكس كذلك على عدم التعامل مع قضايا الاعتداءات الطائفية، وما صاحبها من خطابات حاضَّة على العنف أو الكراهية والتمييز.

كذلك جاء دور لجنة حقوق الإنسان هزيلاً، وفق ما تشير إليه الدراسة، فلم يتسق هذا الدور مع المهام والمسؤوليات المحددة للجنة حقوق الإنسان وفقًا للائحة الداخلية للمجلس. بل عملت على التقليل من شأن التوترات والاعتداءات الطائفية. كما قدمت صورة تجميلية لسياسات السلطة التنفيذية. وأيضًا لم تناقش الالتزامات التشريعية التي ترتبت على دستور 2014. ولم تستخدم الأدوات الرقابية في مراجعة وتقييم أداء الحكومة، وصدر عدد من القوانين دون الطرح لنقاش مجتمعي، أو الأخذ برأي الخبراء أو الملاحظات التي أثيرت حولها من جانب مؤسسات المجتمع المدني.

تمثيل المسيحيين والأقليات في البرلمان السابق

رغم أن تمثيل المسيحيين في البرلمان السابق هو الأفضل منذ العام 1952. إلا أن ذلك لم يعكس على المناخ السياسي وعلى ملف الحريات الدينية، وفق ما تشير الدراسة. بينما في المقابل غاب تمثيل الأقليات الدينية غير المعترف بها رسميًّا كالشيعة والبهائيين. ولم تُطرح بالتبعية قضاياهم داخل أروقة المجلس، إلا باستثناءات نادرة. بل أن بعض أعضاء المجلس تورطوا في ترويج خطابات التحريض والحض على الكراهية ضد هذه الجماعات.

أيضًا وباعتباره الحزب الديني الوحيد داخل المجلس، لم يثر حزب النور النقاش حول أي قضية تتعلق بالحرية الدينية. كما لم يتقدم بأي مشروعات قوانين تخص دور الدين في المجال العام أو صلاحيات المؤسسات الدينية. واكتفى بإعلان رفض عدد من القوانين التي صدرت لأسباب لها علاقة بالمرجعية الدينية للحزب، وفق ما أوضحت الدراسة.

تشريعات حرية الاعتقاد.. حكومية لا برلمانية

أما التشريعات التي تناولت حرية الدين والاعتقاد، فقد رأت المبادرة أنها خرجت من السلطة نفسها، وليس من البرلمان. ففي الحالات التي قدم فيها الأعضاء مشروعات قوانين بخصوص نفس القضايا التي قدمت فيها الحكومات مشروعات، تم تجميد تلك المقدمة من النواب ولم تجرِ مناقشتها أو على أقل تقدير لم يؤخذ بالتدخلات والتوصيات المقدمة منهم بشأن تلك التي تم إقرارها.

في المقابل، قدم عدد من النواب مشاريع قوانين وتشريعات قوبلت بوعود من الحكومة لكنها لم تنفذ. وأبرزها القانون المنظِّم لعمل مفوضية مكافحة التمييز، وهو من القوانين المكمِّلة للدستور. وكذلك قانون الأحوال الشخصية، وتعديل المادة 98 (و) من قانون العقوبات، المعروفة بمادة “ازدراء الأديان”، والتي استخدمت -سابقًا- في محاكمة مواطنين مسيحيين، من بينهم هاني جو، ومدرسة الأقصر التي تم توجيه الاتهام إليها بناءً على بلاغ من أولياء أمور مجموعة من أطفال المدرسة.

مادة ازدراء الأديان والصراع مع الأزهر

ركزت الدراسة كذلك على ما شهدته الدورة البرلمانية السابقة من خلاف بين مؤسسة الأزهر ومجلس النواب في عدد من القوانين الخاصة بالمؤسسات الدينية والتشريعات المنظمة له. وهو أمر تحول إلى نزاع حول حق صناعة التشريعات، ونجحت مؤسسة الأزهر فيه بتعطيل كافة المشروعات التي أبدت اعتراضًا عليها. ذلك بالرغم من انتهاء اللجان النوعية من مناقشتها، وإصدار تقاريرها بالموافقة عليها، وتحديد جلسات عامة للموافقة النهائية على بعضها. وهو ما ظهر جليًا في مشروعي قانوني تنظيم الفتوى العامة وتنظيم دار الإفتاء.

أيضًا، شهدت المادة 98 من قانون العقوبات في فقرتها (و) جدلاً كبيرًا بين أروقة البرلمان السابق. ذلك لأن هذه المادة كانت السبب الرئيسي في القبض على عدد من المتهمين بازدراء الأديان. وآخر هؤلاء الشيخ محمد عبدالله نصر، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة عامين. بعد أن أيدت محكمة النقض الحكم الصادر ضده عن محكمة جنح مستأنف شبرا الخيمة بالحبس سنتين بدلاً من 5 سنوات.

وتنص المادة في فقرتها (و) على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي”.

توصيات لمعالجة قصور المجلس السابق

وفي سبيل معالجة إخفاقات المجلس السابق، قدمت المبادرة في دراستها عددًا من التوصيات إلى المجلس الحالي، وقد شملت:

  1. المطالبة بإقرار مشروعات القوانين المرتبطة بتعزيز حرية الدين أو المعتقد، التي قُدمت من أعضاءٍ في البرلمان السابق بشأن دعم حقوق المواطنة والمساواة أمام القانون ومنع التمييز والتعامل الجنائي مع أحداث العنف والتوترات الطائفية. ذلك بعد استكمال مناقشتها. خصوصًا أنها استوفت الشروط الشكلية والإجرائية وقتها. وجرت مناقشتها باللجان المختصة بشكل مستفيض. ثم جمدت انتظارًا لتقديم الحكومة مشروعاتها أو إبداء المؤسسات الدينية ملاحظات عليها.
  2. المطالبة بتعزيز الدور الرقابي على الحكومة والمسؤولين فيما يخص إجراءات وسياسات ترسيخ المساواة وحقوق المواطنة، وأيضًا سُبل التعامل مع التوترات والاعتداءات الطائفية والممارسات التمييزية على أساس الدين. مع إعلان الخطوات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الأفكار التكفيرية والمتطرفة خصوصًا في مناهج التعليم.
  3. فتح حوار مع منظمات المجتمع المدني بشأن مشروعات القوانين المزمع مناقشتها أو إصدارها، مع الأخذ بالملاحظات والآراء التي تُبدَى بشأنها.
  4. التوسع في تنظيم جلسات الاستماع للمواطنين، للتعرف على المشكلات التي يواجهونها وطريقة تعامل السلطة التنفيذية معها.
  5. الالتزام بمعايير الشفافية، بإتاحة الوصول إلى الوثائق المتعلقة بجميع مراحل التشريع، والمذكرات التفصيلية ومواقف الكتل البرلمانية والأعضاء منها. بالإضافة إلى مشروعات القوانين التي استوفت الإجراءات الشكلية وجرت مناقشتها ولم تصدر، وأسباب ذلك. وبالمِثل الأدوات الرقابية التي استخدمها الأعضاء والنتائج المترتبة عليها.
  6. أن يصدر المجلس تقارير دورية عن أعماله ونشاط اللجان النوعية والخاصة والقضايا التي نوقشت بداخلها.