نشر جان جاك روسو كتابه “خطاب عن العقد الاجتماعي” في عام 1762. ويخبرنا ديفيد لاي ويليامز في كتابه “العقد الاجتماعي لروسو”، أنه خلال أسابيع حُظر الكتاب في فرنسا، حيث كان روسو يعيش حينها. أعقب ذلك سلسلة من التضييقات والتهديدات دفعت روسو إلى مغادرة فرنسا واللجوء إلى مسقط رأسه جينيف، ولكنه إذ وصل إليها وجد أن كتابه يُحرق علانية في ميادين المدينة. معاصرو روسو وعلى رأسهم فولتير كانوا حادين في حكمهم على الكتاب وصاحبه. أرسل فولتير رسالة إلى المجلس الحاكم في جينيف يحثه على أن “يعاقبه (أي روسو) بكل ما في القوانين من قسوة”. ووجد روسو في الأجيال التالية نقادًا لا يقلون قسوة؛ في القرن التاسع عشر اعتبر بيير-جوزيف برودون المفكر الاشتراكي، أن فكرة العقد الاجتماعي كما وضعها روسو تؤسس لهيمنة أصحاب الأموال والنفوذ على مصائر الطبقات الدنيا. كما كان روسو وكتابه هدفًا لانتقادات المفكرين الليبراليين في القرن العشرين. فوصف إيزايا برلين روسو بأنه “أكثر أعداء الحرية شرًا وخطورة، في كل تاريخ الفكر الحديث.” واعتبر برتراند راسل مبدأ الإرادة العامة المتضمن في نظرية روسو للعقد الاجتماعي مسؤولاً عن “الاختزال الروحاني للشعب في قائده، والذي لا حاجة له إلى تأكيد بواسطة الأدوات الدنيوية مثل صندوق الانتخاب”. ودعا كارل بوبر روسو بأنه “صاحب واحد من أكثر التأثيرات ضررًا في تاريخ الفلسفة الاجتماعية.”

ويوضح ويليامز أنه حتى يومنا هذا لا زال كثير من المفكرين المعاصرين يناصبون روسو ونظريته العداء الشديد. ويرى المحافظون اليمينيون بصفة. خاصة أن روسو قد أسس لحكم الغوغاء “من روبسبيير إلى فيدل كاسترو وحتى الحزب الديموقراطي”. كما اتهموه بإبعاد الناس عن الله والأسرة وألقى بهم بين ذراعي “الشراب، الرياضة، التليفزيون، السينما، ألعاب الفيديو، الإنترنت، الجنس، والنوم”. وعلى الطرف الآخر من الطيف السياسي رأى يساريون أن عقد روسو الاجتماعي يؤدي إلى أن يكون “ثمن المساواة هو ألا يكون بإمكان الفرد أن يملك شيئًا؛ فليست له حقوق فردية ويذوب شخصه وكل سلطته في الإرادة العامة. فالمساواة ممكنة فقط في المجتمع من خلال محو الذات”.

ولكن روسو وكتابه لم يلقيا فقط هذا الاستقبال الرافض والعدائي، فمن بين معاصريه تأثر آدم سميث كثيرًا به. وتبنت الثورة الفرنسية مبدأ الإرادة العامة والقيم المرتبطة به في إعلان حقوق الإنسان. واعتبر كانط أن روسو هو “نيوتن العالم الأخلاقي”. وبعد قرنين اعتبر جون رولز الفيلسوف السياسي المعاصر أن كلا من كانط وروسو مثلاً “ذروة التراث التعاقدي”. ويحتفي يورجن هابرماس بروسو بوصفه نصير المبادئ الديمقراطية للحرية والمساواة.

صور متعددة لنظرية العقد الاجتماعي

ليس روسو بالتأكيد هو المفكر الوحيد الذي ارتبطت به نظرية العقد الاجتماعي، لكنه بفضل كتابه الكلاسيكي المثير للجدل هو أبرز المفكرين والفلاسفة الذين طوروا فكرة تعود إلى بدايات الفلسفة، نجدها في محاورة أفلاطون “كريتو”، ويطرحها سقراط في هذه المحاورة على أنها أساس قبوله للبقاء في أثينا وتقبل الحكم الصادر ضده بالموت، بدلاً من الفرار إلى المنفى في مدينة أخرى. ويوضح سقراط أنه مقيد بتعاقد ضمني هو الذي يؤسس لعلاقة المواطن بالمدينة، وهو مدين لهذا التعاقد بحياته، حيث سمح بفرض القوانين التي أقرت بالزواج الشرعي المعترف به بين أبويه، وهذه القوانين هي ما ألزم أباه برعايته وتعليمه، حتى إذا ما شب وأصبح رجلاً كان له خيار البقاء في المدينة ملتزمًا بقوانينها، أو أن يغادرها.

العقد الاجتماعي هنا هو إذن ما يؤسس لمجتمع المدينة الدولة كما يراه سقراط. أو إذا ما أخذنا في الاعتبار أن المدينة الدولة في عهد أفلاطون هي الوحدة السياسية الأساسية فإن العقد الاجتماعي هو ما يؤسس للمجتمع السياسي.

ولكن في المقابل يرفض أفلاطون في محاورة “الجمهورية” -على لسان سقراط أيضًا- تعريف العدالة بالعقد الاجتماعي، ففي هذه المحاورة يطرح جلوكون محاور سقراط مفهوم العدالة على أنه يتمثل في تخلي الفرد عن رغبته الطبيعية في إيذاء الآخر متى شاء في مقابل أن يلتزم الآخرون أيضًا بألا يؤذوه. ولكن سقراط يرفض هذا الطرح، فهو يرى أن العدالة تستحق صيانتها لذاتها، وأن لها قيمة تتخطى كثيرًا كونها الطاعة التبادلية البسيطة للقوانين. ويرى سقراط أن العدالة هي الحالة التي تكون فيه روح الفرد منظمة على نحو جيد، فالشخص العادل هو شخص سعيد. ومن ثم ليس العقد الاجتماعي هو مصدر العدالة، بل إن الشخص العادل يتقبل طواعية الدخول في العقد الاجتماعي كالتزام نحو مدينته أو بصفة أعم، نحو مجتمعه السياسي.

فكرة العقد الاجتماعي كما يرى ديفيد بوشيه وبول كيلي في كتابهما “العقد الاجتماعي من هوبز إلى رولز”، لها مبادئ ضمنية قليلة للغاية، ومن ثم فهي بسيطة وشديدة المرونة ويمكن استخدامها لجميع الأغراض وصولاً إلى نتائج متناقضة. السبب في مرونة الفكرة هو أن ما يختاره المتعاقدون ومن ثم يقدمون تنازلاتهم في مقابله يمكن أن يكون أي شيء. هذا الاختيار قد يكون “خلق مجتمع؛ مجتمع مدني؛ سيد؛ قواعد إجرائية للعدالة؛ أو الأخلاق نفسها”. يمكن لهذا الاختيار أن يكون أبديًا أو يتطلب التجديد بصورة دورية. “قد يكون الاختيار تاريخيًا، مثاليًا، أو افتراضيًا، ويمكن للتعبير عنه أن يكون صريحًا أو ضمنيًا”. كما أن الداخلين في التعاقد قد يكونوا أفرادًا فيما بينهم أو جماعة في مقابل فرد أو مؤسسة أو كيان كالدولة، مع كل التنويعات المتخيلة لذلك، هذه المرونة تعني أنه ليس ثمة تراث وحيد لنظرية العقد الاجتماعي. بل إن ثمة صورًا متعددة للتصورات النظرية لها، ويقسم بوشيه وكيلي هذه الصور بين تصنيفات ثلاث رئيسية هي الأخلاقية والمدنية والدستورية.

بين هوبز وروسو

توماس هوبز هو أحد ممثلي الصورة المدنية لنظرية العقد الاجتماعي. الفيلسوف الإنجليزي الذي عاصر الحرب الأهلية في منتصف القرن السابع عشر، اتخذ موقفًا وسطًا بين الملكيين والبرلمانيين. فهو من جانب رفض مبدأ الحق الإلهي للملوك والذي يكون الإلزام السياسي فيه مستمدًا من الإلزام الديني تجاه الله، ومن الجانب الآخر رفض المبدأ الديمقراطي في صورته البدائية التي فيها يتقاسم البرلمان السلطة مع الملك. وبدلاً من ذلك رأى هوبز أن السلطة والالتزام السياسيين يتأسسان على المصالح الفردية الذاتية لأفراد المجتمع الذين هم في الأصل متساوون فيما بينهم، دون أن يكون أحدهم مخولاً بشكل أولي بممارسة السلطة على الآخرين. هذا التخويل بممارسة السلطة ينشأ عن ضرورة أن يتنازل الأفراد المتساوون عنها لشخص يكون صاحب السيادة في المجتمع وفي المقابل يكون الضامن لتحقيق مصالح الأفراد. صاحب السيادة أو الملك هذا ينبغي أن يتمتع بسلطة مطلقة ليمكنه القيام بدوره.

ويؤسس هوبز نظريته هذه على تصور للطبيعة البشرية يرى فيه أن البشر واعون بمصالحهم ويسعون بطبيعتهم إلى تحقيقها، كما أنهم عقلانيون بطبيعتهم. ويطرح هوبز تصورًا افتراضيًا لما يسميه الحالة الطبيعية والتي تغيب فيها السلطة بشكل كامل، ومن ثم يسعى كل شخص إلى تحقيق مصالحه دون أي قيود وعلى حساب الآخرين إذا ما تسنى له ذلك. هذه الحالة هي ما يصفها هوبز بـ”صراع الكل ضد الكل”، وهي حالة من الاقتتال الوحشي لا يمكن للبشر تحملها ومن ثم ولأنهم عقلانيون فهم مستعدون للتخلي عن بعض من حريتهم المطلقة، في مقابل حرية مقيدة للسعي من أجل مصالحهم بشكل متوازن يضمنه الحاكم ذو السلطة المطلقة.

الحالة الطبيعية للبشر هي أيضًا ما يبدأ به جان جاك روسو طرحه حول العقد الاجتماعي. روسو الذي عاش في القرن الثامن عشر في ظل عصر التنوير الذي كان أحد مفكريه البارزين، رأى الحالة الطبيعية بطريقة نقيضة لتلك التي رآها هوبز. فهو أولاً لم يعتبرها حالة افتراضية تخيلية، بل مرحلة تاريخية من مراحل تطور الاجتماع الإنساني، وهو على عكس هوبز رأى أنها كانت حالة من السلام المثالي، عاش فيها البشر منعزلون عن بعضهم البعض، ويعتمدون على الطبيعة للوفاء باحتياجاتهم البسيطة دون عناء كبير. ومع تزايد أعداد البشر اضطروا إلى العيش في وحدات جماعية بدأت بالعائلات والعشائر ثم القبائل إلخ، ومع العيش المشترك تطورت احتياجات البشر المعيشية وتطورت معها أدواتهم للوفاء بها، ونشأ تقسيم العمل بينهم الذي أدى أيضًا إلى توافر وقت الفراغ لبعضهم. ولكن التطور الأكثر أهمية أو نقطة التحول الرئيسية في تصور روسو فقد كان ظهور الملكية الفردية، ومعها ظهرت ظروف اللا مساواة بين البشر. البعض منهم كانوا يملكون الموارد بينما أصبح الآخرون مضطرون للعمل لصالحهم في مقابل بعضًا من هذه الموارد يسمح لهم بالوفاء باحتياجاتهم الأساسية.

اللا مساواة بين من يملكون ومن لا يملكون أدى إلى وجود خطر دائم لأن يحاول من لا يملكون انتزاع الملكية ممن يملكونها ومن ثم اتجه أصحاب الملكية إلى إنشاء صور الحكومات التي تحمي الملكية في حين تقدم كمبرر لوجودها صورة للعقد الاجتماعي يدعي أن البشر متساوون من حيث المبدأ، ولكنه في الواقع يحفظ التفاوت بينهم. هذه الصورة الأولى للعقد الاجتماعي عند روسو هي ما يعتبره الصورة التاريخية له. وهو يعتبرها مسؤولة عن الحالة المؤسفة للواقع المدني الحديث. ويطرح روسو هذا التصور في كتابه “خطاب حول أصل وأسس اللا مساواة بين البشر” والمعروف أيضًا بالخطاب الثاني. بينما في خطابه الثالث؛ “خطاب حول العقد الاجتماعي” يقدم روسو تصوره لعقد اجتماعي أخلاقي الهدف منه إصلاح ما أفسده العقد الاجتماعي التاريخي. ويبدأ روسو كتابه هذا بعبارة أصبحت مقولة شائعة هي “يولد البشر أحرارًا، لكنهم في كل مكان يرسفون في أغلالهم”. هذه العبارة هي المعبر الذي تمر به أفكار روسو من كتابه الثاني إلى الثالث، فالبشر يولدون أحرارًا وهذه هي حالهم الطبيعية البدائية، ولكنهم مع تقدم الحضارة أصبح معظمهم خاضع لاستعباد وهيمنة أقلية منهم. وفي حين أن العودة إلى الحالة الطبيعية البدائية مستحيل، فإن رسو يرى أن دور السياسة هو أن تستعيد للبشر حريتهم مع استمرار عيشهم المشترك. أما كيف يتحقق ذلك ففي رأي روسو أنه يتحقق بأن يسلم كل منا إرادته المستقلة إلى إرادة عامة يتوصل إليها الأفراد بالتوافق فيما بينهم.

الاتفاق الأول للعقد الاجتماعي عند روسو هو ذلك الذي به ينشئ الأفراد شعبًا. الشعب هنا أكثر من مجموع أفراده وله وجود مستقل عنهم. هذا الاتفاق هو ما يؤسس لوجود المجتمع. إذ يتنازل الأشخاص عن حرياتهم وسلطاتهم الفردية وينشؤون شخصية اعتبارية تمثل إرادة عامة، هي صاحبة السيادة. وفي حين يسعى كل فرد إلى تحقيق مصالحه الشخصية فإن صاحب السيادة يسعى إلى تحقيق مصالح جميع الأفراد المتمثلة في المصلحة العامة. في ظل هذا التعاقد لا يكون للفرد حرية اختيار أن يعمل لصالح المجتمع أم لا، بل يكون ملزمًا بذلك حتى يتسنى له العيش بالمجتمع، وهو ما تتحقق به حريته. وبعبارة أخرى ينبغي “إرغام الأفراد على أن يكونوا أحرارًا”. وكشكل عملي لتطبيق العقد الاجتماعي يرفض روسو فكرة التمثيل، بمعنى أنه لا يحق للفرد تفويض غيره ليمثل مصالحه. ويقدم روسو بدلاً من ذلك شكلاً من أشكال الديمقراطية التشاركية التي فيها يجتمع أفراد المجتمع كلهم بصفة دورية لتقرير ما ينبغي أن تكون المصلحة العامة التي ينبغي تحقيقها من خلال قوانين يسنونها وقواعد يشرعونها بأغلبية ينبغي أن تقترب من الإجماع.

الموقف الأصلي عند جون رولز

يلتقط جون رولز طرف خيط نظرية العقد الاجتماعي بعد قرنين لم تشهد فيهما قدرًا يذكر من التطوير، وإن شهدت الكثير من إعادة الاستعمال أو بالأحرى إساءة الاستعمال. في كتابه الهام “نظرية للعدالة” الصادر عام 1972، ينطلق رولز من فهم كانط للأشخاص وإمكاناتهم. عند رولز يمكن للأشخاص أن يتأملوا الأمور بعقولهم من وجهة نظر عامة غير شخصية، وهو ما يعني أن لهم قدرة أخلاقية على الحكم بشكل غير منحاز. وهو يفعل وجهة النظر هذه في موقف افتراضي تخيلي يسميه “الموقف الأصلي”، ويتصور أن الأشخاص في هذا الموقف يكونون في حال معرفية محدودة بما يطلق عليه “حجاب الجهل”. ووراء ذلك الحجاب لا يعرف الأشخاص شيئًا عن موقعهم الاجتماعي أو عن هوياتهم الاجتماعية. فهم لا يعرفون أن كانوا ذكورًا أم إناثًا ولا يعرفون أن كانوا يملكون وفرة من الموارد أم قدرًا محدودًا منها. هذا الموقف الأصلي هو نسخة رولز الأكثر تجريدية من الحالة الطبيعية عند هوبز أو روسو.

في الموقف الأصلي وراء حجاب الجهل يتحرر الأشخاص من ظروفهم الاجتماعية الخاصة، ومن ثم يتحولون إلى أشخاص مجردة متساوية وفي نفس الوقت بدون أي انحيازات مسبقة. ولكنهم مع ذلك أشخاص منطقيون واعون بمصلحتهم الذاتية. ومن هذا الموقف يفترض رولز أن يضع هؤلاء الأشخاص بشكل منفرد المبادئ الحاكمة للمجتمع. بمعنى آخر يفترض رولز هنا الشروط التي يمكن فيها أن توضع المبادئ الأولية الحاكمة للمجتمع في غياب السلطة والانحياز ومن ثم تتحقق العدالة. ويفترض أيضًا أن على الأشخاص في هذا الموقف الوصول إلى نوعين من المبادئ الحاكمة يسميهما رولز “مبدأي العدالة”. ويقر المبدأ الأول أن لكل شخص أن يمتلك أكبر قدر ممكن من الحرية، طالما كان لكل شخص نفس الحريات. ويقر المبدأ الثاني أنه في حين يمكن للتفاوت الاجتماعي والاقتصادي أن يكون عادلاً ينبغي أن يكون لكل الأشخاص فرص وصول متساوية، أي ألا يكون أي شخص محرومًا من فرصة تعظيم تميزه الاجتماعي أو الاقتصادي، ولكن مع شرط أن تكون الامتيازات المتفاوتة التي يحصل عليها الأفراد لصالح الجميع. هذا يعني أن يكون حصول البعض على مزايا اقتصادية واجتماعية أكبر يحقق مصالح من يملكون قدرًا أقل من هذه المزايا. وبالتالي يكون من يملك أقل في حال أفضل مما لو كانت قواعد توزيع الموارد مختلفة.

خاتمة

في صورها المختلفة تدور نظريات العقد الاجتماعي حول افتراض حالة أو موقف أصلي بدائي متخيل، يستحيل استمراره. وهي استحالة متحققة لأن الواقع دائمًا مختلف عن هذا الموقف الأصلي، كما أنه لا سبيل إلى العودة إليه حتى وإن أمكن افتراض أنه كان موقفًا تاريخيًا وجد في وقت من الأوقات. هذا الموقف المتخيل يمثل النقطة خارج الواقع التي من خلالها يمكن رؤية الفجوة بين الوضع القائم وبين ما ينبغي أن يكون. ومن ثم يمكن تصور التعديلات الواجب إدخالها على الواقع، أو الأهداف المثالية للسياسة، للوصول إلى الوضع الذي تتحقق فيه العدالة. وفي جميع الحالات يفترض أن ما يحقق العدالة هو الاختيار الحر للأفراد للدخول في تعاقد يرتضون فيه تقييد حرياتهم المطلقة في مقابل العيش في مجتمع يوفر لهم فرصة عادلة لتحقيق مصالحهم.

في جميع الحالات تنطلق نظريات العقد الاجتماعي من نقطة متحررة من الواقع الاجتماعي وظروفه، مفترضة أن هذا التحرر هو وحده ما يضمن الوصول إلى تصور لما يتطلبه تحقيق العدالة من شروط. ولكن يبقى السؤال، هل التحرر من الواقع الاجتماعي أمر ممكن في الأساس؟ وهل يمكن لهذا التحرر العقلي إن افترضنا إمكان تحقيقه أن يصل بنا إلى تصور للواقع قريب من حقيقته ثم أن يقودنا إلى تصورات عملية قابلة للتنفيذ للإجراءات التي يمكن تنقل الواقع مما هو عليه إلى حال أفضل أو أقرب إلى تحقيق العدالة؟ هذه الأسئلة سأطرحها وأحاول الإجابة عليها في المقال القادم.

للاطلاع على مقالات أخرى للكاتب.. اضغط هنا