قدّم مجلس النواب ملاحظات سلبية على الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة للعام المالي 2019 – 2020، أهمها تزايد أعباء الديون وعدم الاستفادة من القروض المخصصة للمشروعات الاستثمارية، فضلاً عن عدم تقديم 35 هيئة عامة حساباتها الختامية.
موافقة البرلمان رغم كثرة التحفظات
ورغم ذلك، وافق البرلمان في جلسته العامة اليوم الاثنين، على الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة والحساب الختامي لموازنات الهيئات العامة الاقتصادية، والحساب الختامي لموازنة الهيئة القـومية للإنتـاج الحربى، والحسـاب الختامي للخـزانـة العـامة عن السنة المالية 2019 2020.
والحساب الختامي هو “وثيقة حكومية تتضمن تسجيلاً نهائيًا للنفقات العامة التي أنفقت فعليًا والإيرادات العامة المحصلة فعليًا خلال فترة تنفيذ الموازنة التي جرى إقرارها في السابق، وما نتج عنها من فائض أو عجز، فضلاً عن التعديلات التي سبق اعتمادها”.
وللبرلمان أن يعتمد الحساب الختامي للموازنة أو أن يرفضه، في إطار اختصاصاته الرقابية للرقابة على أداء الحكومة.
حبس المال العام
ولاحظت لجنة الخطة والموازنة وجود ما يسمى بـ”حبس المال العام” وهو المصطلح المالي الذي يعني انخفاض نسب تنفيذ الاعتمادات المخصصة للمشروعات الاستثمارية التي تمولها الخزانة العامة، في الوقت الذي تتزايد فيه الاعتمادات التي خصصتها الحكومة لتلبية متطلبات الخطط التنموية.
وقدمت اللجنة توصيات لتحسين أداء الموازنة العامة، من بينها إعطاء أولوية لتنفيذ المشروعات الجاري استكمالها، واتخاذ إجراءات تكفل الرقابة على المشروعات الممولة بقروض ومنح ومتابعة موقفها. كما طالبت اللجنة بضرورة تفعيل دور المفاوض المصري عند صياغة اتفاقيات القروض بهدف الوصول لشروط تتناسب مع الأهداف المرجوة لخطط التنمية الاقتصادية.
ديون متزايدة واستفادة متدنية
ولدى الحديث عن ملاحظاتها المتعلقة بالقروض والمنح، أشارت اللجنة إلى تزايد أعباء الدين، فضلاً عن عدم استفادة عدد من الهيئات الاقتصادية العامة من بعض المشروعات التي جرى تمويلها عبر المنح والقروض المخصصة لها.
ورصدت اللجنة عدة ظواهر، منها زيادة صافي الدين العام الحكومي بصورة متسارعة خلال السنوات العشر الأخيرة، وازدياد قيمة الأعباء المسددة المتمثلة في أقساط وفوائد القروض المحلية والأجنبية التي جرى سدادها سنويًا.
وعلى مدار السنوات المالية السابقة ارتفعت قيمة الأعباء المسددة عن إجمالي رصيد الدين العام الحكومي للسنة المالية 2019/2020 إلى نحو 1023.9 مليار جنيه، مقابل نحو 775.6 مليار جنيه للسنة المالية 2018/2019 بزيادة بلغت نحو 248.2 مليار جنيه بنسبة 32%.
وقال رئيس لجنة الخطة والموازنة فخري الفقي، إن اللجنة رصدت ظاهرة تزايد أرصدة الديون على أساس سنوي.
خطط تطوير وخسائر باهظة
ورصدت اللجنة، وفق الفقي، خسائر مالية ضخمة للهيئات العامة الاقتصادية، فقد تكبدت 14 هيئة (تمثل حوالي 40% من عدد الهيئات، خسائر بنحو 21.5 مليار جنيه خلال العام المالي 2019/2020، مقارنة بنحو 20.9 مليار جنيه خلال السنة المالية 2018/2019.
هذا يعني زيادة رصيد الخسائر المُرحَّلة للهيئات الحكومية سنويًّا، والتي وصلت إلى 170 مليار جنيه، وهو ما يعني أيضًا – وفقًا للجنة البرلمانية- عدم جدوى خطط التطوير المالية والإدارية التي أقرتها مجالس إدارات بعض الهيئات.
وتحدثت اللجنة- على سبيل المثال- عن تكبد الهيئة القومية للسكك الحديدة خسائر بقية 12.7 مليار جنيه خلال السنة المالية 2019/2020، والهيئة الوطنية للإعلام نحو 7.6 مليار جنيه خلال الفترة نفسها.
وتمثل خسائر الهيئتين فقط حوالي 94.2% من إجمالي الخسائر التي تكبدتها كافة الهيئات الحكومية خلال العام. ووفق هذه الخسائر يصبح إجمالي خسائر السكة الحديد 79.3 مليار جنيه و55.3 مليار جنيه للهيئة الوطنية للإعلام.
هذا بالنسبة للهيئات التي قدّمت حسابها الختامي، لكن اللجنة قالت إن هناك 35 هيئة عامة في الدولة، منها 29 هيئة خدمية، و6 هيئات اقتصادية، لم تعتمد مجالس إداراتها حساباتها الختامية، بالمخالفة لقانون الهيئات العامة رقم 61 لسنة 1963، والقوانين والقرارات التنفيذية ذات الصلة.
مخالفات مالية
وعندما تحتاج هيئات حكومية لميزانية إضافية تطلب موافقة مجلس النواب على هذه الإضافات، لكنّ لجنة الخطة والموازنة رصدت تجاوزات لدى خمس هيئات في قيمة التكاليف والمصروفات، مقارنة بالمخصصات المقررة لها دون الحصول على موافقة مجلس النواب، بلغت قيمتها نحو 3.2 مليار جنيه، وهو ما اعتبره المجلس مخالفة مالية أحالتها للنيابة الإدارية.
وأشار الفقهي إلى أن اللجنة أحالت مخالفات الهيئات العامة التي لم تعتمد حساباتها الختامية إلى هيئة النيابة الإدارية لتحديد المسؤولية. كما جرى إحالة الهيئات التي اعتمدت حساباتها بعد المواعيد المقررة إلى الجهات للاختصاص. وبحسب التقرير لم تلتزم وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بموافاة المجلس بتقرير المتابعة السنوي للوقوف على حجم ما تم إنجازه من مشروعات.
عرقلة الموازنة الجديدة
الدكتور وليد مدبولى خبير إدارة المشروعات يرى أن التجاوزات التي ارتكبتها بعض الجهات هي نتيجة سوء التقدير والتنظيم لميزانية السنة القادمة. ولفت إلى أن “عدم تسليم 35 هيئة عامة في الدولة البيانات الختامية للمصروفات والإيرادات سيتسبب في وجود مشاكل في الميزانية القادمة”. هذا لأنه لم يعد معروفا حجم المشاكل أو مطالب الإدارات وبالتالي لا توجد رؤية للموازنة الجديدة.
أما فيما يتعلق بظاهرة عدم الاستفادة من المنح والقروض وانخفاض عائد الاستثمارات المالية، يراها الخبير الاقتصادي “مؤشرًا خطيرًا” يعني “عدم وجود دراسة لكل النواحي الفعلية والاقتصادية والتكتيكية في المشروعات التي يتم تمويلها”. لذلك يقترح ضرورة وجود “رقابة على ما يتم تقديمه من بيانات ودراسات الجدوى”.
وأوصى التقرير البرلماني بتشكيل لجنة من الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية لبحث المخالفات الواردة في الحساب الختامي وتحديد المسؤولية.
غير أن مدبولي يلفت الانتباه إلى أن اللجنة المقصودة من المفترض أنها موجودة بالفعل، لكن الجهات الرقابية في الأساس تتحمل جزءا من المشكلة بترك الهيئات تعمل لمدة تتجاوز العام دون رقابة.
وحدة الموازنة.. والتسجيل الدفتري
وأوضح الخبير أن تطبيق مبدأ وحدة الموازنة هو الخيار الأفضل حتى لا تحدث ازدواجية في حساب الموازنة؛ خاصة أنّ هناك وزارات تضم جهات وأقساما ومجالس عمومية تطلب ميزانية خاصة بشكل منفرد وتقوم الوزارة بتقديم ميزانية أخرى تشمل تلك الجهات، وبالتالي تكتشف الجهات الرقابية أن ثمة موازنتين مقدمتين من نفس الجهة.
ويرى مختصون في الشأن الاقتصادي أن “عدم تقديم بعض الهيئات حسابها الختامي يرجع إلى أن بعضها لا تملك كفاءات فيما يتعلق بالمحاسبين، كما أنهم لا زالوا يعلمون بالنظام الورقي وليس الإلكتروني” ويشرح هذه النقطة تحديدا بأن بعض الجهات الحكومية لا تزال تقوم بتسجيل تعاملاتها المالية دفتريًا ومن ثم القيام بالجرد السنوي الذي يستغرق وقتًا طويلا ولا تستطع تسليم الحسابات الختامية.
أما فيما يتعلق بعدم قدرة اللجنة على تحديد مدى التزام الهيئات بشأن الحد الأقصى للدخول، فيرجع إلى الخلاف الكبير بشأن تطبيق مبدأ الحد الأقصى للأجور في بعض الهيئات والمؤسسات، مثل البنك المركزي وبعض هيئات القطاع العقاري الخاصة.