جورج فلويد جديد في مدينة مينيابوليس الأمريكية، هذا هو العنوان الأبرز لحادث مقتل شاب أسود برصاص الشرطة، في وقت ينتظر كثيرون ردة فعل الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي سبق وأن طالب بإنهاء العنصرية في بلاده.

وأعلنت مينيابوليس حالة الطوارئ يتبعه فرض حظر تجوال يبدأ من السابعة مساء الليلة وحتى السادسة من صباح الغد.

ويمتد حظر التجوال إلى مدينة سانت بول المجاورة وبعض التجمعات السكانية المحيطة مثل حي هينيبين، حيث قُتل الشاب داونت رايت عندما ادعت شرطية أنها استخدمت سلاحها الناري بطريق الخطأ بدلا من الصاعق الكهربائي أثناء مواجهة مع الشاب الأسود.

يأتي هذا الحادث فيما تشهد المدينة نفسها وقائع جلسات محاكمة قاتل الشاب الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد الذي لقي مصرعه في 25 من مايو الماضي، بعد أن وضع شرطي أبيض ركبته على عنقه لأكثر من تسع دقائق.

ضحية جديدة في مدينة جورج فلويد

والضحية الجديدة هو داونت رايت البالغ من العمر 20 عامًا وهو شاب أسود، وفقًا لشرطة مركز بروكلين، وقع الحادث قبل الساعة 2 عصرا بقليل عندما أوقف ضابط سيارة بسبب مخالفة مرورية مزعومة، فيما ذكرت الشرطة أن السائق دخل السيارة مرة أخرى عندما حاول الضباط اعتقاله وقام أحد الضباط بإطلاق النار، وقد جرى ذلك على بعد نحو 16 كيلومترا فقط من موقع وفاة جورج فلويد.

وفي بيان للشرطة حول تفاصيل الحادث قال “تحركت السيارة عدة شوارع قبل أن تصطدم بمركبة أخرى وأصيبت راكبة بإصابات غير مهددة للحياة أثناء الحادث”.

وقالت كاتي رايت والدة داونت رايت للصحفيين إنها كانت على الهاتف مع ابنها عندما وقعت المواجهة مع الشرطة، فقد اتصل بها ابنها أثناء توقيفه حتى تجلب له التأمين على السيارة.

وقالت إنها سمعت الضباط يأمرون ابنها بالخروج من السيارة ثم “شجار” قبل وقت قصير من إغلاق الهاتف.

وتابعت: “بعد دقيقة، اتصلت وأجابت صديقته، التي كانت الراكب في السيارة ، وقالت إنه أصيب بالرصاص” مستدركة ” وكان ابني يرقد بلا حياة”.

ونشرت السلطات في مدينة بروكلين سنتر، التي قتل فيها رايت، فيديو من كاميرا الشرطة يظهر إطلاق شرطية النار على رايت أثناء محاولة الشاب الأسود الهروب وسط توقف حركة السير،

وقال رئيس الشرطة في بروكلين سنتر إن الشرطية استخدمت السلاح الناري عن طريق الخطأ، إذ ظنت أنه الصاعق الكهربائي.

وأعقب الحادث خروج مئات المتظاهرين إلى قسم الشرطة واستقبلهم ضباط يرتدون ملابس مكافحة الشغب وأطلقوا الغاز المسيل للدموع على الحشد، في حين استمرت المواجهات لساعات.

وبينما تجمعت مجموعات من المتظاهرين في مسيرة إلى قسم شرطة المدينة ، قال رئيس البلدية ، مايك إليوت ، إن إطلاق النار كان “مأساويًا” لكنه حث المتظاهرين على “أن يكونوا سلميين وأن المتظاهرين السلميين لا يتم التعامل معهم بالقوة”.

وقالت الشرطة إن ضباط مركز بروكلين المتورطين في الحادث كانوا يرتدون كاميرات للجسد تم تفعيلها أثناء إطلاق النار.

موقف بايدن من العنصرية والاختبار

وتعد هذه الحادثة الأبرز، واختباره الأول، أثناء تولي الرئيس الجديد جون بايدن، والذي طالب بإنهاء العنصرية الممنهجة في البلاد.

لكنه أثناء وصفه مقتل الشاب رايت بأنه حادث “مأساوي”، حذر بايدن من خروج احتجاجات عنيفة، مشددا على أنه ينبغي على الناس الانتظار حتى انتهاء التحقيقات الكاملة.

وكان بايدن أثناء ترشحه للرئاسة قد انتقد موقف ترامب السلبي من قتل جورج فلويد، ووصفه بالمزري، بينما اعتبر أن مصرعه سوف يساهم فى تغيير العالم.

وبعد توليه منصبه، وأثناء إعلان “أجندة المساواة العرقية”، قبل التوقيع على قائمة الأوامر التنفيذية التى تهدف إلى تعزيز المساواة فى جميع أنحاء الحكومة الفيدرالية، قال إن وفاة جورج فلويد على يد شرطى كانت نقطة تحول تجاه العدالة العرقية في الولايات المتحدة، كما وصف الحادث “بركبة على عنق العدالة”.

وأضاف أنه يعتقد أنه على مدار العام الماضى “تم نزع الغمامات عن الشعب الأمريكي” وأن الأمة كانت مستعدة للتصدى للعنصرية العميقة الجذور والمنهجية التي “ابتليت بها أمتنا لفترة طويلة جدًا”.

مدينة جورج فلويد المعزولة

تقع مدينة بروكلين، شمال غرب مدينة مينيابوليس، أكبر مدن ولاية مينسوتا، ويبلغ عدد سكانها حوالي 30000 نسمة.

وعلى الرغم من أن مينيابوليس تعد مدينة الليبرالية والسياسيين الليبراليين إلا أنها ظلت تكافح لسنوات ضد عدم المساواة والتمييز الاجتماعي والاقتصادي في ظاهرة أطلق عليها “مفارقة مينيسوتا”.

ومازالت المدينتان التوأم، وهو اللقب الذي تعرف به مدينتا مينيابوليس وسانت بول، تتصفان بوجود أغلبية ساحقة من السكان البيض فيهما، أما السكان من غير البيض فيشكلون ربع عدد السكان، ويعيشون في أحياء معزولة للغاية. ويعيش الملونون في الأطراف الشمالية للمدينتين.

وكانت المدينتان قد تشكلتا من خلال سياسات الخطوط الحمراء العنصرية التي يرجع تاريخها إلى أوائل القرن العشرين، عندما لم يسمح للعائلات السوداء بشراء منازل في أحياء معينة.

وفي ستينيات القرن الماضي قامت الدولة ببناء طريق سريع رئيسي قطع ودمر مجتمعا أسود مزدهرا عرف باسم روندو في سانت بول وفقا لهيئة الاعلام البريطاني.

وطبقا لدراسة صدرت عام 2018، فإن معدل ملكية السود للمنازل في المدينتين التوأم هو من بين أدنى المعدلات في البلاد. كما أن التفاوت في الدخل بين الأسر مفزع، ففي عام 2016، على سبيل المثال كان متوسط دخل الأسرة البيضاء في المدينتين التوأم حوالي 76 ألف دولار سنويا، بينما كان متوسط دخل الأسرة السوداء 32 ألف دولار فقط.

 ويقبع 32 % من السكان السود في المدينتين التوأم تحت خط الفقر مقارنة بـ 6.5%فقط من البيض.

كما أن البيانات الخاصة بشرطة مينيابوليس تظهر أنه في عام 2018 كان 55% من السائقين الذين تم إيقاف سياراتهم بسبب “مخالفات تتعلق بمعدات السيارة ” من السود، كما أن 44% من السيارات التي أوقفت أصلا كانت لسائقين من السود، بالرغم من أن السكان السود يمثلون 7 % فقط.

جورج فلويد الذي لا يستطيع أن يتنفس

بحسب تقارير نشرتها صحيفة “واشنطن بوست”، فان 1014 شخصاً أسودا، قتلوا على يد الشرطة في عام 2019. وتبيّن عدّة دراسات أن الأمريكيين السود، أكثر عرضة لأن يقعوا ضحايا للشرطة مقارنة بالأعراق الأخرى.

وأعلنت منظّمة “خريطة العنف الشرطي” غير الحكومية، في دراسة أجرتها، أنّ السود يقتلون على يد الشرطة، أكثر بثلاث مرات من البيض.

وعلى إثر ذلك انطلق حراك “حياة السود مهمة عام 2013، وقد لقي دعماً علنياً من كافة أنحاء العالم، خاصة بعد مقتل المواطن جورج فلويد خلال العام الماضي.

وبدت حركة احتجاجات حركة “حياة السود مهمة” آنذاك، أكثر تنوعا خلال احتجاجات فلويد، إذ تشارك فيها أعداد كبيرة من ذوي البشرة البيضاء، علاوة على محتجين منحدرين من خلفيات عرقية وأثنية أخرى.

وكان لضغط رجل الشرطة ديريك شوفين بركبته على رقبة جورج فلويد لتسع دقائق تقريبا، حتى بعد ما صرخ الأخير “لا استطيع التنفس”، أثرا كبيرا على العالم، إذ أن الأمر لايستطيع أحد تلفيقه هذه المرة، فالحادث تم تصويره بشكل واضح، وجاب العالم أجمع.

تمكنت الناس أخيرا من أن ترى الظلم بشكل واضح، وبدا أنه القشة التي قصمت ظهر البعير، فالحادث جاء بعد فترة قليلة من مقتل مواطن أسود يدعى أحمد آربيري البالغ من العمر 25 عاما رميا بالرصاص عندما كان يمارس رياضة الركض في ولاية جورجيا، وذلك بعد أن قال سكان محليون إنه يشبه سارقا مشتبها به.

وبريوانا تايلور البالغة من العمر 26 عاما الموظفة الصحية التي أطلقت الشرطة عليها الرصاص عندما اقتحمت شقتها في ولاية كنتاكي.