هي أزمة متكررة حتى بات التعامل معها اعتياديًا بين جموع الصحفيين. فما فعله “خالد الآثار” في نوفمبر الماضي كرره بشكل ما “خالد الصحة”، وربما سيبقى أمر مكرر طالما أن لا هناك قانون يحمي العمل الصحفي وممارسيه. هكذا عبر بيان نقابة الصحفيين أمس الثلاثاء، تعليقًا على شكوى تقدم بها أعضاء ضد خالد مجاهد المتحدث باسم وزيرة الصحة، متهمينه بالإساءة إليهم خلال تغطية زيارة الوزيرة في قنا. لقد قالت النقابة إن “هذه الشكوى تكررت في سياقات ومناسبات سابقة. وإنها حاولت حلها ولم تصل إلى نتائج إيجابية”. وهي لا تملك سوى دعوة الطرفين إلى المصالحة.

لماذا لا ترحب المؤسسات بالتعامل مع الصحفيين؟

يرى وائل عواد، الكاتب الصحفي والخبير في شؤون الشرق الأوسط، أن الرغبة في طمس الحقيقة وعدم إيصال المعلومة بشكل كامل للمواطن هو السبب في أزمات الصحفيين المتكررة مع مؤسسات الدولة. ويعود الأمر لمصالح بعيدة عن المواطن. كما يظهر في الأزمات التي تتطلب توضيح معلوماتي من قبل الصحفيين. هنا يصبح الصحفي هو الحلقة الأضعف في تلك الدائرة.

وفق عواد، فإنه في ظل النزاعات أو الأزمات يكون الصحفي هو من يتعرض للابتزاز. ومن الممكن أن ينتهي به الأمر في السجن. ذلك في وقت لا يسعى فيه الإعلام لإيصال الحقيقة بشكل كبير. وهذه الأزمات تتكرر في دول عدة لأن هناك ازدواجية في التعامل مع الصحفيين، مقيدة بقوانين أمنية تعيق العمل الصحفي الحر. كما أن الكثير من وسائل الإعلام العربية لم ترتق إلى المستوى المرموق في الحيادية والموضوعية. وقد يكون للكثير منها أجندات خاصة تخدم الدولة والجهات المالكة لهذه الوسائل.

كيف يسير أداء الإعلام في مصر؟

في تقرير أصدرته مؤسسة حرية الفكر والتعبير، عن مراقبة الأداء الإعلامي في الربع الأول من 2020، ذكرت أن تقييد حرية العمل الصحفي والإعلامي وكذلك حرية التعبير الرقمي للمواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كان ضروريًّا حتى تتمكن السلطات من تسييد روايتها الرسمية حول ما يدور في مصر من أحداث بشأن أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وكذلك لمنع تداول أي أخبار أو معلومات عن الأزمة وتطوراتها في الفضاء العام، غير تلك التي تُعلنها الجهات الرسمية.

وقد كلف رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، الجهات المعنية باتخاذ كافة الإجراءات القانونية “حيال كل من أذاع أخبارًا، أو بيانات كاذبة، أو شائعات، تتعلق بفيروس كورونا المستجد”. وقالت النيابة العامة إنها ستتصدى لنشر مثل تلك الشائعات والبيانات والأخبار الكاذبة إعمالاً لنصوص القانون.

مارس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام دورًا بارزًا في محاصرة الأخبار والبيانات التي يجري تداولها بشأن “كوفيد-19” وانتشاره في مصر. حيث قرر المجلس لفت نظر ١٦ موقعًا إلكترونيًّا وصفحة على مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة نشرهم أخبارًا كاذبة عن اكتشاف حالة إصابة بفيروس كورونا في طنطا. وتضمن بيان المجلس التوجيه بمنع بث أي أخبار إلا من خلال البيانات الرسمية لوزارة الصحة، وفقًا للمؤسسة.

وترى المؤسسة في تقريرها، أن عمليات الإفصاح عن المعلومات من قبل الجهات المعنية، سواء وزارة الصحة، أو مجلس الوزراء، شابها كثير من العوار. سواء من حيث نقص تلك المعلومات أو عدم ملاءمة إتاحتها بالشكل الذي قيّد من قدرة الصحفيين والمتخصصين على تحليل تلك الأرقام والبيانات. فضلاً عن تقييد دور الصحف ووسائل الإعلام في كشف الحقائق ومحاسبة المسؤولين ومواجهتهم. وهو الدور الذي لا بد منه حتى تتمكن المجتمعات من تجاوز الأزمات الكبرى التي تُلِم بها.

من يتحكم في الإعلام؟

في ورقة عمل جديدة، أصدرتها “أفتي” في يناير الماضي، تطرقت لما وصفته بمدى التخبط المحيط بإدارة وتنظيم الإعلام في مصر. حيث أن الأساس الذي رسخه الدستور ومطالب الصحفيين والمنظمات الحقوقية هو وجود مجلس أعلى للإعلام وهيئتين وطنيتين لإدارة الإعلام والصحافة المملوكة للدولة تتاح لهم الاستقلالية ويتم من خلالهم تنظيم وإدارة شؤون الإعلام في مصر. إلا أنه وعلى عكس ذلك جرت عمليات واسعة من انتقال الملكية في سوق الإعلام خلال الأعوام الأخيرة. ونجم عن ذلك سيطرة عدد محدود من الكيانات على كافة الشاشات الصغيرة في مصر. حيث يمتلك تلك الكيانات شركة واحدة محسوبة على الدولة. ما أدى إلى مشهد إعلامي فقير موجه وفاقد الانتشار والتأثير. وهو أمر دفع الكثير من المشاهدين إلى العزوف عن متابعة الإعلام الخاص المصري ومتابعة القنوات الخارجية كمصدر للمعلومة والتعرُّف على الرأي الآخر وتقصي الحقيقة.

من خالد الآثار إلى خالد الصحة.. أزمات الصحفيين لن تنتهي

في نوفمبر الماضي، اندلعت أزمة بين وزير الآثار خالد العناني والصحفيين، خلال مؤتمر صحفي عالمي عقد للإعلان عن اكتشافات أثرية بمنطقة سقارة غرب الجيزة. حيث وبخ الوزير الصحفيين لاعتراضهم على عدم وجود مقاعد لهم بالمؤتمر. كاشفًا عن تفضيله الصحافة الأجنبية عليهم.

ومع تزايد ردة الفعل الغاضبة تجاه الوزير، أصدرت وزارته بيانًا قالت فيه، إنها “تعبر عن حرصها الشديد على التعاون مع الصحفيين المختصين بملف الآثار، والذين لعبوا دورًا هامًا خلال السنوات الماضية، في إبراز إنجازات الوزارة من افتتاحات واكتشافات أثرية عديدة بمختلف أنحاء الجمهورية، فإنها تؤكد أيضًا عزمها على الاستمرار في تقديم التعاون الوثيق معهم جميعًا لتسهيل أداء عملهم وتوصيل الصورة الحقيقية لما يتم في مصر من جهود متواصلة في مجال الآثار، بما يليق بتاريخها العظيم، وذلك في إطار العمل المشترك والاحترام المتبادل”.

هذا البيان رحب به نقيب الصحفيين ضياء رشوان. لكنه لم يرتق ليرضي الصحفيين فتقدم عادل الألفي الصحفي بجريدة الأهرام ببلاغ للنائب العام. ووصف تصرف الوزير بالتنمر على الصحفيين، وطلب محاسبته بتهمتي السب والقذف واستغلال النفوذ.

وفي مارس الماضي، استمعت نيابة جنوب الجيزة الكلية للزميل عادل الألفي، وعلى مدار أكثر من 5 ساعات متصلة، شرعت النيابة الكلية في التحقيقات بالاستماع إلى أقوال مقدم البلاغ للمرة الثانية منذ تقديم بلاغه. وأيضًا مناقشته في أحداث الواقعة التي أثارت غضب الرأي العام والجماعة الصحفية، التي تعود أحداثها إلى المؤتمر الصحفي العالمي عن كشف أثري في منطقة آثار سقارة في 14 نوفمبر الماضي.

فيما تمسك الألفي، في أقواله، بطلباته التي أثارها في نيابة البدرشين الجزئية. وعلى رأسها إجراء مواجهة بينه والوزير أمام جهة التحقيق. وكذلك الاستعانة بكاميرات المراقبة الموجودة داخل منطقة سقارة الأثرية. وجمع الاستدلالات حول الواقعة من تحريات جهاز المخابرات العامة وجهاز الأمن الوطني بالجيزة والقاهرة. وأيضًا هيئة الرقابة الإدارية. مؤكدًا أن العناني تعدي عليه والصحفيين أثناء تأدية مهام عملهم، مرتكبًا أفعال التنمر والسب والقذف.

نقابة الصحفيين لا تملك أكثر

من عناني إلى مجاهد، يبدو أن أزمات الصحفيين مع مؤسسات الدولة لن تنتهي ولن تكون الأخيرة. خاصة في ظل غياب نص صريح أو قانون يعاقب الممتنعين عن الإدلاء بمعلومات للصحفيين وحجبها عنهم، وفق ما يوضح محمد سعيد عبد الحفيظ عضو مجلس نقابة الصحفيين.

“لو صحفي اتصل بمصدر ومردش هنعمل إيه، مفيش حاجة أو قانون بيمنع ده، لما يكون في قانون وقتها ممكن نتكلم ونشوف، لكن النقابة اللي بتقدر تعمله إنها بتخاطب المؤسسات وبتبعت البيانات اللي بترفض أشكال حجب المعلومات عن الصحفي”؛ يقول عبدالحفيظ.

وهو يرى العلاقة بين الصحفي والمؤسسات معروفة في العالم كله، ويضيف أن تحرك النقابة في النهاية يكون ضمن النطاق المتاح. ولا يتجاوز مخاطبة الجهات العليا في فتح تحقيق في الوقائع.

ويوضح الفرق بين الوقائع التي تحجب خلالها المعلومات أو المنع من النشر، والوقائع التي تشهد اعتداء على الصحفيين بالضرب مثلاً. إذ هنا يتحول الأمر لأبعد من العلاقة بين المؤسسة والصحفي، ويتجه للقانون لأخذ حق الصحفي المعتدى عليه. مشيرًا إلى أن وضع ضوابط للعلاقة بين المؤسسات المختلفة والصحفيين أمر هام. وهو ما تؤكده النقابة دومًا، وتعقد اجتماعات لمناقشته، حتى تصبح تلك الضوتبط دليلاً للعلاقة بين الصحفي الذي يمثل حلقة الوصل بين المؤسسة والمواطن.

وهو ما يتفق معه يحيى قلاش، نقيب الصحفيين السابق، ويزيد عليه إن حرية الصحافة تعكس الحضارة والمدنية. كما أن إهانة الصحفيين إهانة لكرامة البلد. مشيرًا إلى أن دور نقابة الصحفيين ليس توفيق رأسين في الحلال، بل الحفاظ علي كرامة الصحفيين والتحقيق في الوقائع التي تهدر كرامتهم.

تداول المعلومات في مصر.. مبدأ دستوري بدون تنظيم قانوني

في 2019، أصدر المرصد المصري للصحافة والإعلام، (منظمة مجتمع مدني)، ورقة بحثية بعنوان “تداول المعلومات في مصر… مبدأ دستوري بدون تنظيم قانوني”، رصد خلالها المحاولات السابقة لإصدار قانون تنظيم تداول المعلومات في مصر.

وطبقًا للرصد التاريخي للورقة؛ ففي يناير 2012، أعلنت وزارة الاتصالات إعداد أول مشروع لقانون تداول المعلومات. ووافقت الحكومة وقتها عليه وأحالته إلى مجلس الشعب. ثم في فبراير 2012، وبالتزامن مع عرض مشروع قانون وزارة الاتصالات، قدم عدد من منظمات المجتمع المدني مشروعًا آخر بشأن “حرية تداول المعلومات” إلى مجلس الشعب، وقامت لجنة حقوق الإنسان بالمجلس بدراسة مواد القانونين وأعلنت توصلها إلى قانون يجمع مزايا المشروعين. بعدها في مايو عام 2013، أعلن وزير العدل الأسبق أحمد مكي عن مسودة جديدة لقانون تداول المعلومات.

ثم في نوفمبر 2013، كشفت وزارة الاتصالات عن مسودة خامسة للقانون، وأرسلتها إلى مجلس الدولة لمراجعتها تمهيدًا لعرضها على الحكومة، كخطوة تسبق عرضها على المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية المؤقت حينها، لإقراره، إلا أنّ إجراءات إصدار القانون تجمدت إلى ما بعد إصدار دستور 2014.

مشروع عبدالنور وقانون مكرم

وبعد سريان دستور 2014، وتحديدًا في شهر مايو، أعلن وزير الصناعة الأسبق منير فخري عبد النور إعداد وزارته قانونًا خاصًا بـ”الشفافية وإتاحة حرية تداول المعلومات” لكافة الشركات والمصانع الجديدة. سواء في القطاع العام أو الخاص. إلا أنّ حديث عبد النور لم يترجم في مشروع قانون.

وفي أغسطس عام 2017، أعلن مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى للإعلام، عن مشروع قانون يسمح بحرية تداول المعلومات، مكون من 28 مادة، إلا أنّه أثار جدلاً في مصر، لعدم أخذ آراء الجهات المعنية به، ومنها منظمات المجتمع المدني ذات الصلة، قبل وبعد الانتهاء منه. ورأى خبراء أنّ قانون تداول المعلومات استحقاق دستوري تأخّر كثيرًا، وأنّ مصر تدفع ثمن تأخره، لكن أعضاء اللجنة ردوا على تلك المخاوف وحاولوا طمأنة المواطنين والمتابعين.

وفي سبتمبر 2019، أعلنت النائبة نشوى الديب عضو لجنة الإعلام بمجلس النواب، إعدادها مشروع قانون بشأن حرية تداول المعلومات. لتقديمه في بداية دور الانعقاد الأخير. مؤكدةً أنّ الهدف من القانون “هو حق كل مواطن، سواء إعلامي أو صحافي أو باحث أو غير ذلك، في الحصول على المعلومات”. ذلك “طالما لا تمسّ الأمن القومي للدولة، أو تسيء إلى القوات المسلحة”.