اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 21/5/ 1997 الاتفاقية الإطارية حول قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية. كما تمت مناقشة قانون طبقات المياه الجوفية العابرة للحدود في الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2009.

وفي قمة عام 2000 تبنت الأمم المتحدة فيها أهدافاً محددة للحد من الفقر والجوع والمرض والأمية وتدهور البيئة والتمييز ضد المرأة وخفض نسبة الأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول على مياه الشرب المأمونة بحلول عام 2015 ووقف الاستغلال غير المستدام للموارد المائية والتعاون لحل قضايا المياه.

صراعات على حصص المياه

وذلك في ضوء المتابعات الدولية للأزمات المائية التي تسود العالم، وفي ظل التزايد المضطرد في عدد سكان العالم، واحتياجاتهم التي لا غنى عنها في تواجد أكسير الحياة، وهو الماء اللازم لسريان الحياة ذاتها، مما يعني أن حصة الفرد منها آخذة بالتناقص. وقد ينشأ في بعض المناطق تنافس على هذه الكمية الثابتة، ربما تتطور إلى صراعات. ولما كانت معظم الأنهار في العالم عابرة للحدود، كان لابد من نشوء الخلافات بين الدول المشتركة في النهر من المنبع إلى المصب.

تساهم الهضبة الاستوائية بحوالي 80% من إيراد نهر النيل  السنوي ويأتي الباقي من هضبة البحيرات الاستوائية

ويشكل نهر النيل وفروعه المورد الأساسي للمياه السطحية في كل من مصر والسودان. ويقع حوضه الواسع في أجزاء من تنزانيا وكينيا وإثيوبيا وأوغندا ورواندا وبوروندي، بالإضافة إلى مصر والسودان، ويمثل حوض الهضبة الإثيوبية المورد الأهم والأعظم إذ تساهم الهضبة الاستوائية بحوالي 80% من إيراد نهر النيل  السنوي ويأتي الباقي من هضبة البحيرات الاستوائية.

ومنذ سنوات بدأت تظهر على سطح الأحداث قضية سد النهضة الإثيوبي، وعدم امتثال الجانب أديس أبابا لكافة المطالبات والمساعي الدبلوماسية المصرية والسودانية للوقوف عند حدود عدم المساس أو إضرار مصر والسودان من إنشاء سد النهضة، والذي قامت به إثيوبيا تحت مزاعم توليد الطاقة والحفاظ على المياه المهدرة أو زيادة رقعتها الزراعية، وغير ذلك من المزاعم. وتوالى التعنت الإثيوبي حتى وصلنا حاليًا إلى الشروع في الملء الثاني لسد النهضة.

سياسة المماطلة 

وحتى لحظات الكتابة لم يزل الجانب الإثيوبي يتهرب من الجلوس على مائدة المفاوضات للوصول إلى حلول سلمية بين الأطراف الثلاثة، وذلك تماشيًا مع خطته الأساسية منذ البناء والملء الأول للسد. وقد تحدث الرئيس المصري منذ أيام قليلة منوه إلى عدم اتخاذ خطوات أحادية الجانب وعدم الركون إلى الإرادة المنفردة، لكون ذلك الأمر سيجلب أموراً أو حلولاً غير دبلوماسية قد يصعب إن لم يكن يستحيل تداركها على المنطقة بأسرها.

الجانب الإثيوبي يعتمد على المماطلة في اتخاذ خطوات الحلول الدبلوماسية كنمط شكلي للتفاوض على أن تكون المحصلة الدائمة لا جديد

ويبدو أن الجانب الإثيوبي يعتمد على المماطلة في اتخاذ خطوات الحلول الدبلوماسية كنمط شكلي للتفاوض على أن تكون المحصلة الدائمة لا جديد. وإنما هي مجرد خطوات شكلية لا تنتج شيئًا سوى أنها تضيع الوقت أو ربما تقيس به قدرة الطرف الثاني من المفاوضات، المتمثل في مصر والسودان، وهذا ما ظهر جليًا في المفاوضات الأخيرة التي جرت في الكونغو على مدار الأيام الماضية، والتي أعلن في ختامها الجانب المصري عدم التوصل لأية حلول مع الجانب الإثيوبي، وأنه لم يزل متمسكًا بالمرحلة الثانية من الملء دون النظر لتأثير ذلك على مصر والسودان.

القيمة الفعلية للقانون الدولي

ما أود أن أشير إليه هنا، ما القيمة الفعلية للقانون الدولي أو للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق دول الجوار أو الدول المشتركة في النهر من المنبع إلى المصب؟

وبالإضافة إلى ما سبق ذكره، فقد جاءت اتفاقية استخدام المجاري المائية في غير الشؤون الملاحية عام 1997، مقررة مجموعة من القواعد الأساسية أهمها: احترام اتفاقيات المياه السابقة، وحق الانتفاع والمشاركة المعقولة، وعدم التسبب في أي ضرر جوهري لأي دولة من دول المجرى المائي، علاوة على الاستخدام المنصف والمعقول لمجرى النهر.

وفي نوفمبر 2002 اعتمدت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التعليق العام رقم 15 بشأن الحق في المياه، وعرفته بأنه: حق كل فرد في الحصول على كمية من المياه تكون كافية مأمونة ومقبولة، ويمكن الحصول عليها بطرق ميسورة مادياً لاستخدامها في الأغراض الشخصية مع الحق في الصرف الصحي.

دور صندوق النقد والبنك الدوليين

ولكن ومع التطور السياسي المتلاحق للكتل الدولية، وتغير موازين القوى الدولية، وتضخم دور صندوق النقد والبنك الدوليين، بدأت تتغير ملامح استخدام المياه، أو بالمعنى الأحرى، كيفية التحكم في الأنهار من قبل دول المنبع، إن لم يكن برغبة وقوة داخلية نابعة من قيمة دولة المصب بمفردها، فيكون ذلك بمساعدة غيرها من الدول، أو باستخدام آليات تعاونية مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وهذه السياسات الجديدة تؤثر تأثيرات ضارة على الدول المنتفعة من مياه الأنهار.

تغليب المقاربة السياسية للتعامل مع القضايا الاقتصادية وإبراز أثر الدول الكبرى على مؤسسة البنك الدولي وتأثيرها على علاقاته وقراراته وهو الأمر الذي يعني تخلي البنك الدولي عن قانون التحيز والشفافية

ومع تطور أداء صندوق النقد والبنك الدوليين، خاصة إزاء مشكلة المياه، وهو ما يمكن تلخيصه بتوجه نحو  الميل لأطراف على حساب أطراف أخرى، وتغليب المقاربة السياسية للتعامل مع القضايا الاقتصادية وإبراز أثر الدول الكبرى على مؤسسة البنك الدولي وتأثيرها على علاقاته وقراراته، وهو الأمر الذي يعني تخلي البنك الدولي عن قانون التحيز والشفافية في التعامل مع الأعضاء خاصة الدول المقترضة، حيث اعتمد البنك على الكثير من الشروط لمنح القروض والتعامل مع الدول النامية في مجال المياه حسب الموازنات السياسية والاقتصادية التي وصفت بالخطيرة، حتى وصلت إلى تهديدات سياسية من خلال فرض استراتيجية للمياه في الوطن العربي تتوافق مع استراتيجية وشروط البنك الدولي وليس العكس.

سياسة لتسعير وبيع المياه

هذا أدى  إلى طرح البنك سياسة تسعير وبيع المياه وخصخصة المياه وتحديد بورصة المياه وتجسد ذلك في عام 1993 بوضع البنك شروطًا لمنح القروض والتعامل مع الدول النامية في مجال المياه، على الرغم من تعارض ذلك مع ما يقوم عليه القانون الدولي من ضرورة تطبيق مبدأ الاستخدام المنصف وعدم الإضرار بالغير خاصة بالنسبة للدول التي تقع عند أعالي مجرى النهر، والدول التي تقع في أسفل مجرى النهر، ونتيجة لذلك فقد تعقدت مشكلة المياه في منطقة الشرق الأوسط، والعالم العربي على سبيل التحديد.

إذن، ما القيمة الحقيقية للاتفاقيات والمعاهدات الدولية؟ أم أن الأمر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسياسات الدولية ومدى قدرة بعض الدول على التحكم أو التدخل في سياسات الدول الأخرى لتحقيق أهدافٍ شخصية لها، بغض النظر عن مدى تأثير ذلك على مصائر دول أخرى.

إثيوبيا لا تتحرك من تلقاء نفسها أو من دوافع داخلية فقط، بل أرى أن هناك بعض المحركات الخارجية من دول أخرى ترغب في رمي حجر في المنطقة يؤثر تأثيراً جليًا على سياسات المنطقة برمتها

أرى أن ذلك هو الأمر الواقع فعليًا بخصوص ما تفعله إثيوبيا في أزمة نهر النيل الحالية، إذ إن الواقع يفرض القول إنها لا تتحرك من تلقاء نفسها أو من دوافع داخلية فقط، بل أرى أن هناك بعض المحركات الخارجية من دول أخرى ترغب في رمي حجر في المنطقة يؤثر تأثيراً جليًا على سياسات المنطقة برمتها، أو يضع لها قدمًا في هذه المنطقة حتى تتحكم فيما يحدث من أزمات مائية، وهو لا يرى في الوقت نفسه سوى مخططاته دونما النظر إلى ما سبق ذكره من اتفاقيات أو قواعد قانونية دولية.