“تركتني لوحدي في هذا العالم الموحش. لن يكون للدنيا نفس الطعم بدونك”. يقول سيف نجل ألبير أريه أقدم يهودي في مصر أبرز المناضلين اليساريين، بعد أن توفى اليوم الخميس، عن عمر يناهز 91 عاما.
بقى ألبير في القاهرة ورفض الرحيل عنها لحبه وعشقه لها، حيث ولد أريه في وسط القاهرة بشارع الفلكي، في25 يونيو 1930، وتعلم بالمدارس المصرية، وفي شبابه رفض الهجرة لإسرائيل وذلك رفضا للصهيونية.
نشط أريه في الحركة الشيوعية المصرية منذ الأربعينيات من القرن الماضي، وسُجن عام 1953 لمدة 11 عاما، عرف بانه مرجع حي في تاريخ الحركة الشيوعية المصرية، وتاريخ المصريين اليهود، وتاريخ وسط البلد.
واجه ألبير السجن لما يقرب من 15 عاما، منها أكثر من 10 سنوات متصلة، ورفض تماما ترك مصر وظل حتى يومه الأخير معاديا للصهيونية ودولتها.
مواقفة السياسية.. عارض السادات وكامب ديفيد
من أبرز مواقف ألبير السياسية، تصديه لعدد من المواقف البارزة منها رفضه معاهد كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، حيث قال في حوار صحفي سابق: “لا أحب السادات بسبب اتفاقية كامب ديفيد لأن مصلحة إسرائيل كانت أكثر من مصلحة مصر فى تلك المعاهدة التي كسرت الوحدة العربية”.
ولطالما دافع ألبير عن حقوق الفلسطينين طوال حياته. أشار إلى أن الصلح مع إسرائيل سيحدث”عاجلا أو أجلا سنتصالح”، ولكن ليس من المعقول أبدا أن نضحي بالفلسطينيين، فالدولة الفلسطينية موجودة غصباً عن أى شخص، والعصابة التي تحكم إسرائيل لن تستطيع هضم حقوق الفلسطينيين إلا لو سمحنا لهم”.
سجن ألبير في عهد عبد الناصر والذي شهد له بأنه لديه إيجابيات كبيرة، حيث نجح في نقل مصر إلى مرحلة الاستقلال الوطني رغم وجود سلبيات في حكمه.
لم يعرف غير القاهرة وطنا
وفي أحد حواراته قص أريه تفاصيل نشأته، حيث ولد لأب تركي جاء مع شقيقه إلى مصر مطلع القرن العشرين ليعمل محاسبا بمحل تجاري بالموسكي، أما والدته فكانت ابنة عامل روسي حل بمصر نهاية القرن التاسع عشر، ولم يعرف ألبير غير القاهرة وطنا.
ورغم تقدمه فى السن، ظل حتى أيامه الأخيرة قادرا على التفاعل والكتابة اليومية عبر صفحته بموقع “فيس بوك” حيث إنه يقوم بتدوين ذكرياته عن القاهرة الجميلة حضارة وشعبا.
وكان من تدوينه الشهيرة الذى كتبها أثناء انتشار فيروس كورونا، ذكرياته حارة اليهود أثناء وباء الكوليرا أكتوبر 1947 وقبل كورونا كان أريه يحرص على ممارسة طقوسه بالذهاب إلى مكتبه بعمارة مصطفى كامل التاريخية بوسط البلد.
المثقفون ينعون ألبير
نعى عدد من المثقفين والكتاب المصريين المناضل اليساري الراحل، إذ قال الكاتب المصري محمد أبو الغار، إن أريه كان “ذاكرة حية لتاريخ مصر السياسي والفني والأدبي”.
وأكمل أبو الغار قائلا: “رحل الرجل الذي دفع من عمره ١١ عاما في السجن دفاعا عن المساواة والعدالة، لقد أنهيت مذكراتك التي تحوي تاريخ مصر في فترة حرجة بكل صدق وأمانة. سوف أفتقدك كثيرا يا صديقي، لروحك السلام”.
كما نعاه الشاعر والناقد الكبير شعبان يوسف عبر صفحته الشخصية على “فيس بوك” قائلا: “وداعا ألبير آرييه الرجل الذى كان يعتز بمصريته، وقاوم كل إغراءت الصهيونية لاستقطابه، وظل وفياً كل عمره لمبادئه النبيلة”.