حين رفضت (ك) طلب الشاب الوسيم بالارتباط بها كانت المشكلة الكبرى، تحكي (ك) أن حياتها تحولت إلى جحيم. أصبح يتصل بها يقذفها بأسوأ السُباب والشتائم. يحكي لزملائهما بالكلية أنه يقضي معها ليالي حين تغيب زميلاتها المشاركات لها في الشقة المستأجرة. في فترة قصيرة صارت سُمعة (ك) سيئة، وكل البنات في الكلية يتغامزن عليها، وزملاؤها يسعون لنيل مكاسب جسدية مثلما طال زميلهم.

ساءت حالتها النفسية وفكرت في الانتحار، لكنها في لحظة شجاعة ذهبت وأعلمت أُسرتها بما حدث، ولأن الشاب الوسيم كاذب، كانت ادعاءاته في اللقاءات تتوافق مع أوقات كانت تقضيها مع أهلها في محافظتها، وبدأ الأهل يتحركون لحماية ابنتهم، فلماذا كل ما حدث؟ فقط لأنها رفضت.

عمد العقل الجمعي إلى التعامل مع الرفض كونه إهانة شخصية في الرفض انتقاص من مكانته وشخصيته تنسحب تلك الأفكار على كل شيء في حياتنا

عمد العقل الجمعي إلى التعامل مع الرفض كونه إهانة شخصية. في الرفض انتقاص من مكانته وشخصيته، تنسحب تلك الأفكار على كل شيء في حياتنا. فرفض فرصة عمل غير مناسبة يعدها الطرف الآخر تعاليًا، وعدم رغبة في العمل، رفض الزواج دليل على عيب.

تقوم الحبكة الدرامية في فيلم ورد الغرام -1952 على رفض إلهام لطلب الزواج من لطيف، فيصرح لجريدة أنه هو الذي رفض الزواج منها لسوء سمعتها. وحتى يُثبت ذلك يستعين بابن خاله (ماهر) لإيقاعها في حبه، حتى يتم التقاط صور لها تنشرها الجريدة ويؤكد سوء سمعتها. وفي فيلم عش الغرام – 1959 حينما تنفصل ليلى عن خطيبها جوهر وتتزوج من مدحت، فإن جوهر يؤكد لأصحابه أنه هو الذي هرب منها لسوء خُلقها، ويحدث اتفاق بينه وبين عايدة لإفساد حياة ليلى ومدحت، حتى يُثبت لأصدقائه أنه قادر على استعادتها وقتما شاء.

في الوعي الشعبي يعني الرفض تقليلاً من شأن صاحب العرض، ولأن كثيرين يعتمدون الفُجر في الخصومة، فإن الرفض يعطي صافرة الانطلاق لصاحب العرض حتى يبدأ في توجيه أسلحته صوب الطرف الآخر

السينما تعكس جزءًا من الواقع بما تقدمه من حكايات. ومن خلال المثالييْن السابقين نجد أنه برغم مرور سبعين عامًا، فإن فكرة الرفض دومًا تُقابلها الإهانة. ففي الوعي الشعبي يعني الرفض تقليلاً من شأن صاحب العرض، ولأن كثيرين يعتمدون الفُجر في الخصومة، فإن الرفض يعطي صافرة الانطلاق لصاحب العرض حتى يبدأ في توجيه أسلحته صوب الطرف الآخر.

الربط بين الرفض والإهانة هو نتاج شرعي للخجل وعدم الوضوح في قول (لا)، حيث الغالبية تتعامل مع هذه الكلمة بكثير من الهزل، وعدم الاعتناء، بدءًا من التقرير بأنه ليس من حق المرأة في أي مرحلة من عمرها أن ترفض أو تعترض أو تقول (لا) بأي صورة. غالبية الفتيات لا يملكن حق اختيار أي شيء يخصهن، بدءًا من الختان الذي تُجريه الكثير من الأسر، متجاهلين التحذيرات وبرامج التوعية التي انتشرت مؤخرًا، مرورًا بحقها في اختيار ملبسها، وتغطية شعرها، ثم الدراسة، والزواج، في كل خطوة تخطوها الفتاة هي محض مفعول بها، والمقابل عند الرفض هو التشويه والعنف.

مجتمع يمكن أن يئد المرأة لمجرد شائعة تخص سمعتها، فإن الحكم على امرأة بأنها سيئة السُمعة هو حالة من النفي والاستبعاد المجتمعي لها

لجوء الفتى لتشويه سمعة زميلته التي رفضت الارتباط به فعل متكرر، ولأننا مجتمع يمكن أن يئد المرأة لمجرد شائعة تخص سمعتها، فإن الحكم على امرأة بأنها سيئة السُمعة هو حالة من النفي والاستبعاد المجتمعي لها، وهو ما يلجأ له البعض في صراعاتهم ضد النساء.

وحيث إن تشويه السمعة يعتمد على إشاعات في مجتمع شفهي، نسى فكرة تقصي الحقائق، فإن الكلام يسري في كل اتجاه دون التحقق من مدى مصداقيته، وفى كل مرة ينتشر مع زيادات من الناقل، ولا يمكن تتبع الإشاعات، فمجرد فكرة التتبع هي حالة من إشاعة الأمر، وزيادته وليست الحد منها.

وحق الفتاة في اختيار حياتها، هو حق أصيل لكونها إنسان يتحمل نتيجة اختياراته وقراراته وليس اختياراته فحسب بل وأحيانًا تتحمل تبعات أفعال من حولها

الرفض لا يعني إهانة لطرف، فالشخص الذي يرفض تكون لديه أسبابه، ومبرراته حتى وإن لم تتوافق مع الطالب. وحق الفتاة في اختيار حياتها، هو حق أصيل لكونها إنسان يتحمل نتيجة اختياراته وقراراته، وليس اختياراته فحسب بل وأحيانًا تتحمل تبعات أفعال من حولها.

أما تقييم المرأة حسب سُمعتها الأخلاقية، واعتبار الفعل الجنسي نقيصة في حقها، فإننا بحاجة لإعادة المناقشة في هذا الأمر، فكثير من النساء تضيع حيواتهن بسبب إشاعة أطلقها واش/ية، أو حاقد/ة، وليس بها أي مصداقية.

للمرأة نفس حقوق الرجل والرفض حق أصيل عند الاختيار، فإذا كنا نختار فهذا يعني أن نقبل أو نرفض، أما التعامل مع الرفض كونه إهانة فهي مفاهيم خاطئة مترسخة في مجتمع لا يقف ليراجع ثوابته، بل يدهس نسائه بكل قسوة، ويستمر في حياته مدعيًا أن المرأة نصف المجتمع.