فاز مهندسون معماريّون مصريّون بالمسابقة الدولية لإعادة بناء مجمّع جامع النّوري التاريخي في الموصل بالعراق. واختير مشروع “حوار الأروقة” من بين 123 تصميمًا لإعادة بناء الجامع. المهندسون تقدّموا للمسابقة لأنهم يحبّون التحدي، والآن أمامهم طريق طويل لإعادة “إحياء روح الموصل”.
وإعادة بناء مجمّع جامع النوري هي أحد العناصر الرئيسية في مشروع اليونسكو الطموح “إحياء روح الموصل” لإعادة تأهيل المدينة القديمة.
ويهدف المشروع لإعادة بناء قاعة الصلاة التاريخية في جامع النوري، وتحقيق الانسجام بين أركان المجمّع. وهو أكبر مكان عام في مدينة الموصل القديمة، ومحيطه الحضري. ذلك من خلال استحداث أماكن عامة مفتوحة ذات خمسة مداخل تربطها بالشوارع المحيطة بها.
“مسابقات مثيرة للجدل”
يقول الدكتور صلاح الدين هريدي، رئيس الفريق، إن مثل هذه المسابقات مثيرة للجدل، لأنها تتضمن الحفاظ على القديم، والتجديد وترميم ما هُدم. بالإضافة إلى النمو في المجتمعات العربية أخذًا بعين الاعتبار احتياجات الأشخاص الذين يعيشون فيها.
كما أضاف: “كانت هناك مناقشات كثيرة في الفريق وتقييم شديد للحلول التوافقية بقدر كبير. ولكن في وقت معيّن، أدركنا أنه لا بد من القفز خارج ما هو تقليدي. وأن نقوم بعنصر المغامرة وهي سمة المسابقات”.
وانطلقت الشرارة الأولى لمبادرة اليونسكو الرائدة “إحياء روح الموصل” في عام 2018 بغية إعادة تأهيل النسيج التاريخي لمدينة الموصل القديمة. وإنعاش الحياة الثقافية فيها، وتعزيز نظامها التعليمي لضمان تنعّم الجميع بتعليم جيّد.
يشير عضو الفريق الدكتور خالد الديب، إلى أن “اليونسكو هيئة معتبرة والمشروع كان مليئا بالتحديات. والمشاركة في المسابقة لها أبعاد أخرى، تتجاوز الجمال وتصميم المباني. إذ توجد أبعاد تتعلق بالإنسان والمجتمع وإعادة اللحمة للمجتمع. كما أننا أحببنا الدخول في المسابقة”.
كذلك اشترطت اللجنة التوجيهية المشتركة للمشروع وللمسابقة المعمارية الحفاظ على أجزاء من قاعة الصلاة التي نجت من الدمار. ذلك الدمار الذي لحق بالجامع في عام 2017، ودمجها مع المباني الجديدة.
كما دعت اللجنة إلى إعادة تأهيل الصروح التاريخية كجزء من الموقع الذي سيكتسي حلّة جديدة بفضل التصميم الجديد.
وسيعمل المشروع الفائز على إدخال تحسينات على قاعة الصلاة، على صعيد استغلال الإضاءة الطبيعية وإيجاد أماكن واسعة للنساء ولكبار الشخصيات. حيث تتصل بالقاعة الرئيسية من خلال مساحة مفتوحة نصف مغطاة، يمكن استخدامها كمكان مفتوح للصلاة.
كما سيعمل المشروع الفائز أيضًا على إنشاء حدائق مسوّرة تحاكي البيوت والحدائق التاريخية التي كانت قائمة قبل تعديل تصميمها في عام 1944.
يضيف هريدي: “هناك شيء اسمه ذاكرة المكان، بلا شك أنه ليس نفس المكان وتغيّر. لكن إذا كانت هناك حديقة في المكان، فتوجب علينا أن نعطي هذا التعويض للسكان كي نحافظ على ذاكرة المكان”.
إعادة الموصل
وبحسب موقع الأمم المتحدة يهدف المشروع إلى إنشاء مساحات جديدة مخصصة للمجتمع المحلي، لاستخدامها في إطار التعليم والأنشطة. كذلك يخدم سكان الموصل بطرق تتجاوز وظيفته الدينية الرئيسية.
ويوضح عضو الفريق الدكتور شريف فرج: “في الأساس كانت الفكرة الرئيسية بعد الدمار، هي كيف يمكن إعادة القصة للأشخاص الذين كانوا يعيشون فيها. دون أن نخلّ أو نضع أثرًا سلبيًا يذكرهم بأحداث أليمة حدثت في المنطقة”.
وبدأ الفريق بالتفكير بإعادة شكل المبنى، ووضع إضافات عليه. وقال: “نظرنا في الاحتياجات المطلوبة لقاعة الصلاة. وما هي الأمور التي لم تكن متوفرة، كالتهوية والإضاءة. وبناء عليه بدأنا نفكر بمعالجة مشاكل التهوية والإضاءة. وأيضًا هذا المبنى تاريخي بحالة مليئة بالتحديات. فرأينا وضع الإضافة الخاصة بنا دون التأثير السلبي على الروح الأساسية للمشروع أو للمسجد”.
وأراد الفريق إيجاد طريقة تنفيذية لتلافي عيوب الماضي، بحيث لا تتسبب طريقة البناء بدمار لما تبقي من آثار. مع الحفاظ على القبّة أثناء التعمير. وشدد الفريق على أن الهدف هو الحفاظ على وحدة المبنى التراثي.
وضيف هريدي: “المشروع هو ليس إعادة وتطوير المسجد فقط، ولكن الحالة العامة للمنطقة كاملة. هناك مبانٍ إضافية وتعليمية هي جزء من البرنامج المطلوب. ولكن الموضوع المفصلي هو المسجد وامتداده وكيفية إيجاد حالة المساحة المفتوحة بدورها الديني والاجتماعي والتعليمي والسكاني”.
وشدد الدكتور خالد الديب على أن الفكرة الأساسية لمشروع “حوار الأروقة” تقوم على مبدأ التسامح، وإعادة التسامح، بعد تعرّض الموصل لأحداث قاسية. كذلك تقوم على الانفتاح مرة أخرى والعودة للحياة بسلام وتعايش.
وقال إن الفريق أضاف جزئين للمشروع: “أضفنا جزء لمركز مجتمعي ليخدم المجتمع على مراحل مختلفة. وأضفنا متحفًا مصغرًا ليروي قصة وتاريخ ما حدث، وإعادة اللحمة الوطنية وإعادة إحياء روح الموصل”.
الفرق في البناء العمراني بين مصر والعراق
عضو الفريق، المهندس طارق علي، يشير إلى أن أي مشروع لا يرتبط بالسياق والمكان الذي يتواجد فيه، سيكون هناك خلل. ويضيف قائلًا: “دائمًا يكون السؤال إذا أخذنا المشروع من مكانه ووضعناه في منطقة أخرى فهل سيكون متناسبًا؟. لو كان متناسبًا إذًا هذا يعني أن المشروع لم يكن الأنسب. بالتالي، من الأساسي دراسة التراث المعماري في المنطقة. خاصة منطقة ثرية جدًا كالموصل بتاريخها ذي الطبقات المتعددة. ولكن أيضًا من غير المجدي إعادة نفس المفردات التاريخية بنفس الطريقة”.
ويرى الفريق أن العمارة الإسلامية في العراق وسوريا ومصر كانت في عصر ما متقاربة. ويقول هريدي: “الأهم أن يفهم المرء المجتمع، لأن العمارة إفرازًا للمجتمع. هذا المبنى نشأ في عصر شهد ارتباطًا وتجارة وثقافة مشتركة، هي فروق محلية، لكنّ الارتباطات عامّة. مثلًا هذه القبة نجد كثيرًا منها في مصر الإسلامية. المسألة ليست بعيدة وجميعنا عرب ونفهم بعضنا البعض”.
متى سيبدأ العمل بالمشروع؟
بحسب اليونسكو، سيعدّ المهندسون تصميمًا أكثر تفصيلًا لمشروع إعادة بناء مجمع جامع النوري، المزمع استهلاله آواخر خريف عام 2021. ويؤكد هريدي أن ما يحكم هذا الأمر هو أمور إدارية وفنية ومادية. لكنّه أضاف أنه في بعض الأحيان تتكشف إجراءات لم تكن معلومة من قبل. وقال: “عندما يبدأ الجانب التنفيذي، يكون الأمر مختلفًا. الموضوع سيستغرق وقتًا، لكنني أشعر أن هناك حماسًا من الأطراف المشاركة، والمنظمة، وهذا سيكون أمرًا إيجابيًا”.
عضو الفريق الدكتور شريف فرج قال إن الفريق لم يفكر في الجامع على أنه جامع، بل دوره كمكان للعبادة: “هو مساحة للتعامل الإنساني. التي يمكن أن تحصل لكل شخص في كل الأوقات والحالات. المساحة المفتوحة التي أنتجت في المشروع هي مساحة تعطي الحرية ليفعل كل شخص ما يحب أن فعله: شخص يصلي، يدرس، يتروّح، هي مساحة للناس للتواصل”.
مسابقة “إعادة روح الموصل”
واستهلت اليونسكو المسابقة الدولية لإعادة بناء وإعادة تأهيل مجمع جامع النوري في الموصل، في نوفمبر 2020. إذ أعدّت المسابقة بتنسيق وثيق مع وزارة الثقافة العراقية وديوان الوقف السني العراقي. وبدعم من الإمارات العربية المتحدة، وهم جميعًا أعضاء في اللجنة التوجيهية المشتركة للمشروع.
وفاز الفريق المصري الذي يضم الدكاترة هريدي، والديب وفرج والمهندس طارق علي، و4 مصممين معماريين وهم نهى منصور ريان. وهاجر عبدالغني جاد ومحمد سعد جمال ويسرى محمد البهاء. كما شارك زميلهم الدكتور سيّد رمضان في النقاشات.
وسيحصل التصميم الفائز على جائزة قدرها 50 ألف دولار أمريكي، وكلذلك على العقد الذي يقضي بإعداد التصميم المفصّل للمجمع.