أعلنت مؤسسة حرية الفكر والتعبير”أفتي” عن سياستها الداخلية لمناهضة العنف الجنسي، وذلك على خلفية التوصيات التي سبق وأن أصدرتها لجنة تحقيق سابقة في قضايا عنف وتحرش جرت على أرض المؤسسة، وهو ما اعتبرته الباحثة لمياء لطفي خطوة إيجابية على طريق مناهضة العنف الجنسي في أماكن العمل.
وكانت مؤسسة حرية الفكر والتعبير “أفتي” أصدرت تقرير بشأن وقائع انتهاكات جسدية ولفظية، إلى جانب تجاوزات إدارية، جرى التحقيق فيها عبر لجنة مستقلة، خلصت إلى مجموعة من التوصيات، والإجراءات.
فيما خلصت مقابلات وتحقيقات اللجنة إلى مجموعة من القرارات تضمنت، صياغة وتبني سياسة مناهضة التحرش الجنسي وجميع أشكال العنف القائم على النوع في مكان العمل، ومناهضة التمييز، على أن تنتهي صياغة هذه السياسة قبل نهاية شهر أبريل 2021 كحد أقصى، وأن تكون هذه السياسة من بين الأوراق الرسمية التي يوقّع عليها كل العاملين والعاملات بالمؤسسة مع عقود العمل .
وتنشر “أفتي” على موقعها الإلكتروني في القسم المعنون بـ”عن المؤسسة” نص سياسة مناهضة العنف الجنسي باللغتين العربية والإنجليزية، موضحًا به البريد الإلكتروني المخصص لتلقي الشكاوى.
وخلال السنوات القليلة الماضية شهد المجتمع المصري، والمدني، تطورا في آليات البوح والكشف عن الانتهاكات الجنسية، بالتزامن مع حركة “مي تو” العالمية، وتشكلت عدد من لجان التحقيق للنظر في الشكاوى المرتبطة بالعنف الجنسي لإثباتها والتحقق من وقوعها بالفعل، وتقديم التوصيات الضرورية.
مرجعيات وضع سياسات العنف
وبحسب “أفتي” استندت السياسة التي تطرحها، لعدة مراجع منها سياسات مناهضة العنف الجنسي لكل من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمسودة الخاصة بحزب العيش والحرية، بالإضافة إلى بعض الجامعات، والمنظمات الاقليمية.
وبحسب “أفتي” اعتمدت عملية كتابة سياسة مناهَضة العنف الجنسي على بناء وعي وتوافق داخلي حول قضايا الجندر وحماية النساء، إضافة إلى مراجعة واعتماد مجلس الأمناء الاستشاري هذه السياسة، ضمن مهامه في مراجعة السياسات الداخلية للمؤسسة.
وأوضحت “أفتي” طريقة عملها في وضع هذه السياسات عبر عقد مقابلات فردية مع عضوات وأعضاء فريق عمل المؤسسة على منصة جيتسي، لضمان المشاركة الكاملة لكل عضوة وعضو بالفريق، بالإضافة إلى ضمان التحدث بأريحية تامة، مع الحفاظ على خصوصية وسرية كل مقابلة، والتعرف على الممارسات والأنماط الموجودة بالمؤسسة، سواء السلبية أو الإيجابية، والوقوف على رؤية كل عضوة وعضو بفريق عمل المؤسسة لكل من السياسة المعنية ومدونة السلوك.
آليات وإجراءات الشكاوي
من ضمن الإجراءات المعلنة للسياسة الجديدة، يحق لأي شخص التقدم بشكوى لبريد إلكتروني مخصص لتلقي الشكاوى المتعلقة بالعنف الجنسي والمخالفات الإدارية، ويكون عنوان البريد الإلكتروني متاحًا فقط لأعضاء لجنة التحقيق المختصة بنظر شكاوى العنف الجنسي والتجاوزات الإدارية.
كما تخطر اللجنة المدير التنفيذي بوجود شكوى وباطراف كل شكوى قبل بدء التحقيق، وفي حالة أن الشكوى موجهة ضد أحد أعضاء لجنة التحقيق، يتم إرسالها من خلال عنوان البريد الإلكتروني الخاص بالعضوين الآخرين في اللجنة، ويمكن إرسال الشكاوى المرتبطة بالعنف الجنسي مباشرة إلى عنوان البريد الإلكتروني الخاص بخبيرة قضايا النوع الاجتماعي المعينة للإشراف على التحقيقات المرتبطة بالعنف الجنسي.
كذلك يحظر على أعضاء لجنة التحقيق أو المدير التنفيذي أو خبيرة قضايا النوع الاجتماعي مشاركة الشكاوى مع أي شخص آخر حتى يتم البت فيها، على ان يتم الرد على رسالة الشكوى خلال أسبوع بحد أقصى، يسبقها رسالة تؤكد تلقيها وأنه جاري بحث محتواها.
أما لجنة التحقيق، فتستمر في عملها لمدة عام على الأقل، مكونة من مديرة المكتب والموارد البشرية ومديرة وحدة المساعدة القانونية، إلى جانب أحد المحامين العاملين في المؤسسة من ذوي الخبرة في جوانب التحقيق ولجانه.
تتولى لجنة التحقيق النظر في كافة الشكاوى المرتبطة بالعنف الجنسي أو المخالفات الإدارية، على أن يتم التعاقد مع خبيرة في قضايا النوع الاجتماعي من إدارة المؤسسة لتتولى الإشراف على إجراءات التحقيق ومراجعة توصيات وقرارات لجنة التحقيق في قضايا العنف الجنسي.
كما يجب الانتهاء من أي تحقيق منظور أمام اللجنة وإصدار التوصيات والقرارات ذات الصلة خلال شهر منذ بدأ إجراءات التحقيق، ويجوز للجنة التحقيق مد هذه الفترة لمدة شهر آخر بحد أقصى بعد إخطار أطراف التحقيق في حالة وجود أسباب تستدعي المد.
المبادئ الحاكمة للجنة التحقيق
يتم البدء في إجراءات التحقيق بعد موافقة أو طلب صريح من الناجيات أو الضحايا، ويسري هذا المبدأ في حالة تقدم طرف ثالث بالشكوى بوصفه شاهدا على الواقعة، ففي هذه الحالة الأخيرة لا يجوز للجنة التحقيق تحريك الشكوى إلا بعد موافقة صريحة من الناجية أو الضحية لتجنب التعدي على خصوصيتها أو إلغاء إرادتها.
كما لا يجوز لأعضاء لجنة التحقيق كتابة أسماء الشاكيات أو الشهود في أي من التقارير أو الأوراق الخاصة بالتحقيق، وتكون بيانات هذه الأطراف مجهلة، ولكن يتم تجهيل أسماء المشكو في حقهم للحفاظ على سجل الشكاوى السابقة ضدهم في حالة وجودها.
وكذلك لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تخوض اللجنة في أسئلة شخصية لا علاقة لها بمضمون الشكوى .
الشكاوى الكيدية
تعرف الشكاوى الكيدية في هذه السياسية باعتبارها الشكاوى التي يتم التأكد من “فبركتها” أو اختلاقها من قبل طرف أو عدة أطراف عن عمد، والتي يمكن إثبات عدم صحتها عن طريق شهود أو دليل رقمي مثل صور، أو إشعار باختراق حساب الشخص لإرسال رسائل أو صور أو مواد ما منه.
وتوقع لجنة التحقيق العقوبة المناسبة على الشاكي في حالة إثبات كيدية الشكوى، ولكن لا تعتبر الشكاوى التي لا يتم إثباتها شكاوى كيدية بأي حال من الأحوال، فكيدية الشكوى يحددها فقط إثبات اختلاق تفاصيل أو شكاوى عن عمد.
آلية تطبيق الشكاوي
بحسب السياسات المعلنة من قبل المؤسسة فتتمثل التوصيات والعقوبات التأديبية في مجموعة من الإجراءات المتسلسلة إعمالا لمبدأ الإصلاح وتحسين بيئة العمل، والتي منها توجيه تحذير رسمي، أو الوقف عن العمل، وحتى الفصل النهائي .
كما تتم مشاركة العناوين الرئيسية للشكاوى ونتيجة لجنة التحقيق بشفافية مع عضوات وأعضاء فريق العمل، مع الاحتفاظ بتفاصيل الشكاوى وأسماء الشاكين، ويتم الإفصاح عن هوية من تتم إدانته، بسبب تطبيق العقوبة عليهم في حالة أن العقوبة كانت الفصل من العمل.
وكذلك يجب أن تتناسب العقوبة مع طبيعة الشكوى والفعل المُرتكب، مع ضرورة تشديد العقوبة في حالة تكرار الفعل أكثر من مرة.
مع التشديد على توقيع جميع العاملات والعاملين بالمؤسسة على سياسة مناهضة العنف الجنسي ويلتزمون بكافة أحكامها.
أشكال التحرش الجنسي
وعددت السياسة الداخلية أشكالا للتحرش، مثل التحرش البصري كالتدقيق أو التحديق بشكل غير لائق إلى جسد الشخص، أو اجزاء منه، كذلك التعليق اللفظي، أو إبداء الاهتمام غير المرغوب به، والدعوة لممارسة الجنس.
إلى جانب التحرش الجسدي، والتشهير، والابتزاز الجنسي، وكذلك الملاحقة، والترهيب، والتحرش، أو الاغتصاب الجنسي الجماعي، واخير الاستغلال الخاطئ للسلطة، أيا كان نوع الجندر.
وحول مفهوم الرضا فتحدد السياسات الخاصة بالمؤسسة أنه حسب السياق، ولا يقيم بالرفض الصريح فقط، بل هناك عدة عوامل تؤثر عليه، على سبيل المثال وليس الحصر، وجود علاقات قوة غير متكافئة،عادلة بين الشاكي، والمشكو في حقه، كما يوجد عامل المفاجأة والذي لا يتبعه رد فعل “صريح” حيث يتجمد أو تتجمد من يتم أو تتم انتهاكهم.
خطوة على طريق تمكين المرأة من البوح
اعتبرت الباحثة في حقوق المرأة لمياء لطفي أن إعلان تلك السياسات، خطوة إيجابية على طريق مناهضة العنف الجنسي في أماكن العمل.
لفتت لطفي أيضا إلى أن مبادرة المؤسسة بوضع سياسات داخلية مناهضة للعنف الجنسي، ليست الأولى من نوعها في مصر، ومع ذلك فهي تجربة لا تزال وليدة، يصعب الحكم عليها.
في حين أكدت لطفي أن اتخاذ مثل هذه الخطوة من قبل مختلف المؤسسات، حتىى غير المعنية بقضايا المرأة، أمرا إيجابيا في حد ذاته، خاصة في ظل الاشتراط الخاص بتوقيع الموظفين على هذه السياسة منذ بدء تعيينهم، مما يتيح للمرأة إمكانية البوح، والدفاع عن نفسها، دون خوف من موقف المؤسسة نفسها، أو الرؤساء المباشرين لها.
لطفي نبهت إلى أهمية التحقيقات الداخلية، كوثيقة من شأنها تسهيل طريق الضحايا، في سلوك الطريق القانوني، واللجوء للنيابة العامة، باعتبارها دليلا، أو في إضعف الاحوال قرينة مادية.
إلى جانب أنها وثيقة تحفظ للمؤسسة أيضا حقوقها في حال شرعت في فصل موظف على خلفية انتهاكه للقوانين الداخلية الخاصة بالعنف، فلا يعد فصل تعسفي كما هو الحال في غياب هذه السياسات.
في الوقت نفسه شددت لطفي على ضرورة وجود الظهير القانوني للدولة، وتغيير القوانين الخاصة بالعنف الحالية، نظرا لقصور كثير من موادها، وعدم توافقها مع روح العصر.
كما نادت لطفي بمصادقة مصر على الاتفاقية الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة في أماكن العمل، والتي سبق وأن وقعتها.
وفي عام 2019، أقرت منظمة العمل الدولية أول معاهدة بشأن العنف والتحرش في مواقع العمل، وتنص المعاهدة على مبدأ المعاقبة على هذه الأفعال، وحظيت بأصوات الأغلبية الساحقة من أعضاء المنظمة أثناء اجتماعها السنوي.
وتختص الاتفاقية 190 بمكافحة العنف والتحرش في عالم العمل، وقد تم تبنيها في مؤتمر العمل الدولي بجنيف بتاريخ يونيو 2019، بحضور 6300 وفد؛ يمثلون الحكومات والعمال وأصحاب العمل. ومن أصل 476 وفدًا يحق لهم التصويت؛ وقبل الذكرى السنوية الأولى لاعتمادها في 21 يونيو 2020، أصبحت أوروغواي وفيجي أول دولتين تصدقان على الاتفاقية التي ستدخل حيز التنفيذ في يونيو 2021.
ويعد التصديق على هذه الاتفاقية من جانب مصر؛ إقرارًا بحق كل الأفراد في بيئة عمل خالية من العنف والتحرش، وخطوة مهمة في سبيل تنقيح التشريعات المصرية بما يكفل توفير حماية واسعة لجميع العاملين، والعاملات في القطاعين العام والخاص.