يبحث الناشر خالد لطفي عن مخرج لسجنه الحالي، فلا يجد أمامه سوى أمنية الحصول على عفو رئاسي. ذلك العفو الذي ينهي مدة حبس بدأت في أبريل 2018، ووضع على ذمة قضية عسكرية، بسبب نشر كتاب “الملاك”. ذلك الكتاب الذي يقدم الرواية الإسرائيلية عن أشرف مروان بوصفه جاسوس لإسرائيل.
وأيدت محكمة النقض العسكرية، حكمها بحبس مؤسس دار نشر “تنمية” 5 سنوات بتهمة إفشاء أسرار عسكرية. عقب توزيع النسخة العربية من الكتاب الإسرائيلي. كما قال شقيقه “محمود” لوكالة فرانس برس: “أيدت محكمة النقض العسكرية الحكم على شقيقي. وأصبح نهائيًا ولم يعد هناك أي احتمال لخروجه إلا بعفو رئاسي”.
“الملاك” سبب الأزمة
ويروي “الملاك” قصة أشرف مروان صهر الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر. كذلك يقول إن مروان كان عميلاً لإسرائيل، بينما كان عنوان النسخة الإنجليزية “الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل”.
كذلك قال أحد العاملين في دار النشر لفرانس برس: “صدر حكم أول درجة ضد خالد لطفي من محكمة عسكرية. ثم أيدته محكمة الاستئناف”. كما أضاف: “دار تنمية أتلفت كل النسخ العربية لديها من هذا الكتاب في سبتمبر 2017. بعد أن عرفنا أن توزيع الكتاب قد يكون مخالفًا للقانون”. وكانت الدار، بحسب المصدر نفسه، طبعت بالاتفاق مع الدار العربية للعلوم في لبنان نسخة في مصر ليكون سعرها في متناول القارئ المصري.
مروان، الذي كان زوجًا لمنى عبدالناصر أصغر بنات الرئيس الأسبق، في المكتب الرئاسي في عهد الأخير. قبل أن يعمل في عهد أنور السادات. وبعد وفاته في لندن عام 2007، أقيمت له جنازة رسمية في القاهرة حضرها كثير من المسؤولين الكبار آنذاك منهم جمال مبارك. كما لف جثمانه بعلم مصر.
عفو رئاسي لخالد لطفي وتهنئة منقوصة
محمود كتب على بـ”فيسبوك” وسم “عفو رئاسي لخالد لطفي”. كما تمنى أن يكون شقيقه ضمن المشمولين بالعفو المقبل. كذلك وبحسب وصفه قضى أخيه نصف مدة حبسه، ويحق له وفق القانون الذي يمنح للمسجونين من حسني السير والسلوك الإفراج عقب نصف المدة. وقبل تأييد الحكم تقدمت الأسرة بالتماس لتخفيفه، لكن تم تأييد الحكم.
يقول محامٍ حقوقي فضل عدم ذكر اسمه لـ”مصر 360″، إن القانون يتيح الإفراج عن المحبوسين بعد قضاء نصف المدة. لكنه وصفها بميزة لا يتمتع بها سوى السجناء الجنائين فقط. أما السياسيين، أو الذين يعاقبون وفقًا لقانون التظاهر أو الإرهاب، يتم استثنائهم من تلك الميزة.
شقيق خالد تلقى تهاني في مايو 2019، لفوز شقيقه بجائزة فولتير لحرية النشر والتي يقدمها اتحاد الناشرين الدولي. لكن التهاني التي استقبلها محمود جاءت منقوصة. خاصة أن الرجل ينتظر خروج شقيقه لاستقبالها بنفسه.
يرى الكات وجدي الكومي في مقال نشره على موقع المنصة، أن حبس خالد بمثابة عقوبة على شيء عادي. ككتابة مقال، كنشر خبر، كتوزيع جريدة، أو تزويج حبيبين كفتح صخرة في جدار يحجب آشعة الشمس. أو كزرع وردة، كإنبات زهرة، كالتبرع بفص كبد لمريض، كتوليد جنين، كتضميد جرح.
وتابع الكومي في مقاله: “سجن خالد لطفي يأتي ردًا على فعل يشبه إلى حد كبير الأفعال السابقة. فنشر كتاب كان فعلًا لم يعجب البعض، لم يعجب السلطة. ورغم أن السلطة هي أب للجميع، أب يجب ألا يبالغ في العقاب، أب يجب أن يحنو كما وعد أن يحنو. إلا أنه مع خالد لطفي بالغ في الانتقام، فليس من المفهوم أن يُدفع إلى ظلام السجن لنشره كتاب. كما هو ليس من المفهوم أن يدفع سيزيف صخرة من أسفل إلى أعلى الجبل لأنه أفشى أسرار زيوس. أو أن يأكل النسر من كبد برومثيوس لمنحه النار للبشر”.
من هو خالد لطفي؟
بدأ خالد لطفي حياته كمدير مبيعات لإحدى الشركات استمر بها كما قال شقيقه لمدة 9 سنوات، وكانت مهمته توزيع الكتب. حتى أغلقت الشركة فرعها في مصر، وبدأ خالد في تأسيس مشروعه حينها، حتى قرر هو وشقيقه تأسيس مشروعهما الثقافي بوسط البلد. استأجرا محلًا ليكون مكتبة لمحبي القراءة، وتخطت تلك المكتبة عقبات عدة حتى تظل صامدة، حتى القبض على خالد.
اختتم الكومي مقاله: “تصرف خالد لطفي بحسن نية، ونشر الكتاب ذا الموضوع المتخصص. في إطار خطته لتوفير الكتب بأسعار مصرية غير مبالغ فيها، وتصرف بسرعة وأعدم الكتاب. فلماذا المبالغة في سحقه. قدم اعتذارًا عن فعلته وكان قبلها قد أرسل ليستأذن الرقابة في نشر الكتاب فلم ترد. ولم يجبه أحد، ألا يعد هذا دليلًا على حسن نيته؟”.
“لمن يهمه الأمر”
تحت عنوان “رسالة لمن يهمه الأمر”، قدم اتحاد الناشرين المصريين، شهادته التي أكد فيها أنه اطلع على سجلات مكتبة لطفي. كما أكد أن المكتبة لا علاقة لها بالخلافات السياسية، وليس لها نشاط سياسي أو حزبي. بينما لم تساهم في نشر أعمال مخالفة للصالح العام.
وتابع الاتحاد في رسالته “لم يتقدم أحد بشكوى ضد خالد، وهو حسن السير والسلوك، وعلاقته بمجتمع الناشرين طيبة. ولم يسبق وأن قدمت أي شكاوى ضده، ولم يسبق ارتكابه أي مخالفة. كما يشهد الاتحاد على وطنيته، وأن شركته من الكيانات التي تمثل دعم لصناعة النشر في مصر”.
صفحة باقية في انتظار صاحبها
صفحة الناشر على فيسبوك لم تغلق، باقية في انتظار عودته، يكتب أصدقائه ومحبيه دعوات مستمرة بعودته لها قريبًا ومطالبات بالإفراج عنه. على رأسهم شقيقه الذي يرى أن الحل والخلاص في صدور عفو رئاسي لشقيقه.
غلاف الصفحة تعبر عن صاحبها، فوضع ضورة تعبر عن حبه للقراءة، وبها عبارة لألبرتو مانجويل “أعطتني القراءة عذرًا مقبولًا لعزلتي. بل ربما أعطت مغزى لتلك العزلة”.
على صفحته كتب له محمد كمال رسالة تهنئة بحلول رمضان لن يقرأها بالطبع في محبسه. جاء فيها “ربنا يفك كربك ويرجعك بالسلامة وبإذن الله رمضان السنة دي تكون موجود وسط أهلك”. وكتبت علا الديب “رابع رمضان يقضيه خالد بعيد عن أهله وبناته وأحباءه. اللهم بفضل هذا الشهر الكريم فرج همه وفك أسره وأجمعه بأحبابه عن قريب وفرح قلبه وعوضه عن كل ليلة. اللهم فرج قريب أنت العفو”.
وبجانب المنشورات التي تنتظر عودة خالد، يرفع محبيه وأصدقائه صورا لها لتكون في انتظاره عند عودته. ليقرأ المنشورات ويشاهد الصورة بنفسه. وفي المقابل ينتظر شقيقه وأسرته تحقيق أمنيتهم بحصوله على عفو رئاسي ليعود بينهم من جديد.