قبل بدء جولة جديدة من مفاوضات فيينا والمحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة؛ بهدف إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، تعرضت منشأة نطنز النووية الإيرانية، في صحراء أصفهان، لتفجير خلف أضرارًا فادحة، أهمها تدمير الجهاز الخاص الداخلي بتوليد الطاقة. وهو المسؤول عن تشغيل أجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم. الأمر الذي يشير إلى أن هذه العملية الأخيرة كانت تسعى لضرب إحدى أهم أوراق الضغط التفاوضية الإيرانية خلال العامين الماضيين؛ ألا وهي تخصيب اليورانيوم.
تفجير “نطنز”.. لماذا أعلنت إسرائيل مسؤوليتها؟
يتزامن الحادث الأخير الذي وصفته طهران بـ”إرهاب نووي”، مع إعلان واشنطن إلغاء بعض العقوبات التي فرضها ترامب خلال جولة المحادثات التفاوضية الأولى بفيينا. ثم قبول طهران بالإفراج عن الناقلة البحرية لكوريا الجنوبية. ذلك بعدما احتجزتها لإرغام سيول على دفع 7 مليارات، تتصل بالعائدات النفطية الإيرانية. وقد تم تجميد المبلغ على خلفية العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على طهران.
اللافت هنا، أن إسرائيل سارعت في أعقاب التفجير -الذي وقع الأحد الماضي- إلى إعلان مسؤوليتها عن تدبيره. ذلك تزامنًا مع زيارة كان يجريها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في تل أبيب. إذ قال وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، في مؤتمر صحفي مشترك: “طهران اليوم تشكل خطرًا استراتيجيًا على العالم. وسنعمل مع حليفنا الولايات المتحدة لضمان أن يؤدي أي اتفاق نووي مع إيران إلى حماية المصالح الحيوية للمجتمع الدولي، وأن يمنع أي سباق تسلح نووي وأن يساهم في أمن إسرائيل”.
اقرأ أيضًا: الانتخابات الرئاسية تُفجر صراع الولاءات في إيران
كما قالت الإذاعة العامة الإسرائيلية، في أعقاب التفجير، إن جهاز الموساد يقف وراء الحادث. وقد نقلت وكالة “رويترز” للأنباء أن “وكالة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) نفذت هجومًا سيبرانيًا ضد منشأة نطنز النووية الإيرانية”.
تفجير نطنز.. إعلان مسؤولية مقصود ومتعمد
ومن جانبه، أكد الناطق الرسمي بلسان منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، أن شبكة توزيع الكهرباء في نطنز تعرضت لحادث لم يسفر عن وقوع إصابات بشرية أو تلوث إشعاعي. بينما اعترف رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي بأن الحادث “الغامض” الذي وقع في المنشأة كان “بفعل فاعل”. واعتبر صالحي الحادث “تحرك شائن وإرهاب نووي مدان.. وبعد مؤشرًا على عجز معارضي التقدم الصناعي والسياسي في إيران عن منع تطور الصناعة النووية في هذا البلد”.
يقول الباحث العراقي المتخصص في الشأن الإيراني، محمد الجبوري، إن تفجير نطنز لم يتزامن فقط مع مفاوضات فيينا. وإنما أتى بعد إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني، البدء في ضخ غاز اليورانيوم في أجهزة الطرد المركزي في الموقع ذاته الذي جرى استهدافه. وعليه، فإن إعلان المسؤولية الإسرائيلية عن الحادث كان مقصودًا ومتعمدًا. وهو بمثابة رسالة واضحة ليس فقط لإيران وإنما لإدارة جو بايدن، تطالبها بضرورة مراعاة مصالح إسرائيل في أي اتفاق تتم صياغته لاحقًا.
تفجير نطنز.. دليل خلاف أمريكي-إسرائيلي
تختلف عملية نطنز أيضًا عن عمليات الاستهداف السابقة للمنشآت النووية الإيرانية في أنها الأولى التي تعلن إسرائيل مسؤوليتها عنها. وهو أمر يشير -وفق الباحث العراقي- إلى وجود ثمة خلافات بين نتانياهو وبايدن فيما يخص إحياء الاتفاق النووي، ومسار التفاوض القائم في فيينا. ويظهر ذلك جليًا في التحذيرات التي صدرت من واشنطن مؤخرًا. حيث شددت على إسرائيل بالكف عن الحديث في وسائل الإعلام بخصوص تفجير منشأة نطنز النووية الإيرانية. وقد وصفت واشنطن ذلك بـ”الثرثرة الخطيرة“.
وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية التي بثت الرسالة الأمريكية، فإن “هذه الادعاءات تمثل أمرًا خطيرًا ومضرًا ويضع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في موقف محرج”. فيما تشارك واشنطن في المباحثات الجارية بين طهران والقوى الكبرى في فيينا.
اقرأ أيضًا: انتهاكات الاتفاق النووي.. ورقة الضغط الإيرانية وسياسة الملالي المتخمة بالصراعات الداخلية
يتفق والرأي ذاته، الباحث المصري في العلوم السياسية، الدكتور عبد السلام القصاص. إذ يرى أن بايدن يدرك نقاط الخلاف القائمة بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي فيما يتصل بأزمة الاتفاق النووي الإيراني، ومعارضة الأخير للاتفاق الذي تم توقيعه في فترة إدارة باراك أوباما.
يقول القصاص، لـ”مصر 360″: “لا يخفى على أي أحد الدور الذي يقوم به نتانياهو مع الجمهوريين داخل الكونجرس. وذلك منذ بداية تولي بايدن الحكم، حيث يقوم بتشكيل ضغوطات على الرئيس الديمقراطي وعرقلة المسار التفاوضي المرن الذي يتحرى تدشينه للعودة إلى الاتفاق الذي انسحب منه دونالد ترامب، بل وعدم إلغاء العقوبات المفروضة على طهران. لذا، فمن المنطقي أن تقود تل أبيب هذا التصعيد الذي يحمل أهدافًا مزدوجة لواشنطن وطهران”.
عراقجي من فيينا: يبدو أن تفاهمًا جديدًا آخذ في الظهور
رغم ذلك، يبدو أن “تفاهمًا جديدًا آخذ في الظهور، وثمة هدفًا مشتركًا لدى الجميع” المجتمعين في فيينا لبحث إعادة إحياء الاتفاق النووي. هذا ما أكده نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أمس -في حديثه عن الاجتماعات التي بدأت الأسبوع الماضي وتواصلت للأمس. قال عراقجي: “السبيل الذي يجب سلكه معروف الآن بصورة أفضل.. لكن الطريق ليس سهلاً وهناك بعض الخلافات الشديدة”. معلنًا أن “المحادثات وصلت إلى مرحلة يمكن فيها العمل على وثيقة مشتركة” حول العودة إلى الاتفاق.
وتستضيف فيينا محادثات برعاية الاتحاد الأوروبي حول سُبل إنقاذ الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني. في ظل انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018 خلال ولاية رئيسها السابق، دونالد ترامب. والذي فرض عقوبات موجعة على الطرف الإيراني، ليرد بخفض التزاماته ضمن الصفقة منذ 2019.
وتجري المحادثات رسميًا بين إيران من جهة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من جهة أخرى. لكن الاتحاد الأوروبي سبق أن أكد مشاركة الولايات المتحدة -يقيم وفدها بفندق قريب- في الحوار دون خوضها أي اتصالات مباشرة مع الطرف الإيراني. ويرفض الطرف الإيراني التفاوض مع إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قبل رفع العقوبات.