رغم النهج الذي تسلكه العديد من دول الشرق الأوسط نحو التحول للاعتماد على توليد الطاقة من المصادر الجديدة والمتجددة “الشمس والرياح”. وتنامي الإنتاج العالمي من الطاقة المتجددة بنسبة 10.3% خلال 2020. إلا أن نسب مشاركة دول الشرق الأوسط ومنها مصر في منظومة الطاقة البديلة لا تتجاوز حاجز الـ1%، وفق بيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.

تضاؤل نسب الاعتماد على المصادر الجديدة والمتجددة بالشرق الأوسط أرجعه البعض إلى ما تزخر به بعض دول المنطقة من النفط والغاز. إذ يوفر لها احتياجاتها الكاملة من الكهرباء والطاقة. ما جعل هذه الدول بمنأى عن المصادر البديلة لعقود طويلة. لكن مع تراجع أسعار النفط نتيجة انخفاض الطلب العالمي عليه، جراء جائحة كورونا، تظهر بدائل أخرى من مصادر الطاقة. ومنها الطاقة المتجددة، لتُعيد تشكيل خريطة الطاقة من جديد بالشرق الأوسط.

توسع عالمي بالطاقة الجديدة والمتجددة والشرق الأوسط يكتفي بـ 1%

خلال 2020 ارتفع الإنتاج العالمي من الطاقة المتجددة بنسبة 10.3% وفقًا لبيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة. في الوقت الذي تراجع فيه الطلب على النفط والغاز الطبيعي تأثرًا بجائحة كورونا.

بينما قالت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إن 91% من إنتاج الطاقة المتجددة حول العالم في 2020 جاء عبر مصادر الشمس والرياح. كذلك وجهت بعض الشركات استثماراتها للطاقة البديلة بدلًا من النفط والغاز.

دول الشرق الأوسط جاءت متأخرة عن الركب العالمي في مجال إنتاج الطاقة المتجددة. إذ يشكل إنتاج المنطقة منها 1% فقط من إجمالي الزيادة البالغة 261 جيجاوات. ما يعني أن دول المنطقة لاتزال غارقة في الاعتماد على النفط والغاز في توليد الكهرباء والطاقة التقليدية.

الوقود الإحفوري الأكثر تضررًا وحوافز للطاقة البديلة

الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “أيرينا”، ذكرت في تقريرها عن عام 2020، أن القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة حول العالم، ارتفعت بمقدار 260 جيجاواط خلال 2020، بزيادة 50% عن الإضافة المسجلة في العام السابق له. وذلك رغم التباطؤ الاقتصادي الناجم عن تفشي جائحة كورونا.

حصة الطاقة المتجددة ارتفعت بشكل كبير للسنة الثانية على التوالي. لتشكل أكثر من 80 % من إجمالي القدرة الإنتاجية الجديدة للطاقة العام الماضي. كذلك ساهمت طاقتا الشمس والرياح بنسبة 91 % من النمو، ويعود ارتفاع حصة الطاقة المتجددة إلى تراجع أنشطة توليد طاقة الوقود الأحفوري في أوروبا وأمريكا الشمالية. بينما للمرة الأولى في مناطق مختلفة من أرمينيا وأذربيجان وجورجيا وروسيا.

الوكالة الدولية “أيرينا” أكدت ارتفاع القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة إلى 2799 جيجاواط، مع استئثار الطاقة الكهرومائية بالحصة الأكبر. بمقدار 1211 جيجاواط. وسجل إنتاج طاقتي الشمس والرياح الحصة الأكبر بالنمو خلال العام الماضي بمقدار 127 و111 جيجاواط على التوالي.

الصين (أكبر أسواق الطاقة المتجددة في العالم) جاءت بصدارة الأسواق. إذ أضافت إنتاجًا بالطاقة المتجددة بمقدار 136 جيجاواط بالعام الماضي. بينما حلت الولايات المتحدة بالمرتبة الثانية بإضافة 29 جيجاواط من الطاقة المتجددة المركبة العام الماضي. بزيادة 80 % عن العام السابق.

في الوقت ذاته تراجع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال 2020 بنسبة 5.8%. بأعلى وتيرة هبوط سنوية منذ الحرب العالمية الثانية. وسط ضغوط جائحة كورونا، التي أدت لتراجع النقل والتجارة حول العالم.

وكان الطلب على الوقود الأحفوري هو الأكثر تضررًا في 2020. خاصة النفط الذي انخفض بنسبة 8.6 % بتراجع سنوي هو الأكبر على الإطلاق. كما هبط الطلب على الفحم بـ4 % وفق وكالة “أيرينا”.

محطة بنبان بأسوان

لماذا تأخر الشرق الأوسط في التحول للطاقة الجديدة؟

الشرق الأوسط لم يُجار التطور العالمي الحادث على المستوى مزيج الطاقة منذ عقود طويلة. ما أثر على مشاركة دول المنطقة بمنظومة الطاقة المتجددة عالميًا. ومن ثم غرق تلك الدول في الطاقة القائمة على المصادر التقليدي والإحفورية “النفط والغاز” كما قال وزير البترول الأسبق عبدالله غراب لـ”مصر 360″.

ويضيف غراب أن الشرق الأوسط ينقسم إلى شقين أحدهما غني بالنفط والغاز، ويمتلك احتياطات ضخمة من البترول. ما دفعه للاستغناء ولو لفترة عن الطاقة المتجددة. اعتقادًا أن تلك الثروات ستظل بكامل مخزونها وستؤدي الغرض الذي تقوم به المصادر البديلة دون حاجة لضخ استثمارات إضافة لتحقيق مزيج الطاقة العالمي.

والشق الآخر؛ يتعلق بالدول ذات الاقتصاديات المتدنية التي لا تستطيع تحمل تكاليف الاستثمارات الباهظة في صناعة الطاقة الجديدة والمتجددة، ومن ثم تأخرها عن ركب التوسع العالمي في هذا المجال الحيوي بالنسبة لإنتاج الطاقة عبر المصادر الطبيعية وغير المُكلفة على المدى البعيد.

دول الشرق الأوسط عانت لسنوات طويلة من غياب تكنولوجيا صناعة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وهي العمود الرئيسي في نمو مشروعات الطاقة بالديلة بالمنطقة، استيراد كامل عناصر هذه الصناعة مُكلة للغاية وبالتالي تعاني دول الشرق الأوسط من القدرة تحمل كامل تكاليف الاستغناء عن الططاقة التقليدية الإحفورية والاتجاه للمصادر البديلة -يواصل غراب-.

غياب التشريعات والحوافز المشجعة للتوسع في صناعة الطاقة البديلة أثبط همم بعض الحكومات الراغبة في التحول التدريجي لمصادر الشمس والرياح، لكن الوضع الحالي أخل بميزان الطاقة بالمنطقة، خاصة فيما يتعلق بالمزيج المستهدف الوصول إليه في توليد الطاقة عبر المصادر المختلفة للحفاظ على حصص الأجيال القادمة من النفط والغاز وللحفاظ على البيئة والمناخ.

كيف أثرت جائحة كورونا وتلقبات أسعار النفط على الطاقة المتجددة؟

التراجع الكبير في أسعار النفط العالمي خلال 2020، نتيجة تراجع الطلب العالمي عليه، جراء جائحة كورونا، أدى إلى ظهور بدائل أخرى من مصادر الطاقة في الشرق الأوسط ومنها الطاقة المتجددة، ورغم ذلك لم تسلم هذه الصناعة الحديثة على المنطقة من التأثيرات السلبية للأوضاع الاقتصادية الناجمة عن كوفيد 19 -يقول وائل النشار رئيس شركة أونيرا سيستمز للطاقة الشمسية لـ “مصر 360”-.

تقلبات أسعار النفط والغاز الأخيرة وتداعيات كورونا، عطلت التحول السريع نحو الطاقة المتجددة بدول الشرق الأوسط. حيث أدت الإغلاقات في عدد من الدول لتعطيل سلاسل توريد مكونات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها. كما تسبب هبوط أسعار النفط في تقليل حجم الاستثمارات التي تضخها الحكومات والقطاع الخاص في مشروعات الطاقة البديلة -يواصل النشار-.

هبوط أسعار النفط أثر سلبًا على التحول نحو الطاقة النظيفة على الأمد القصير. نتيجة تأخر تنفيذ عدد من المشروعات المستهدفة خلال الـ 3 سنوات المقبلة، ومن ثم فإن استعادة النشاط الاقتصادي وتعافي السوق العالمي من جائحة كورونا سيُعيد خطط التنمية بمجال الطاقة البديلة إلى مسارها من حيث الجدول الزمني الخاص موعد تسليم المشاريع ودخولها مرحلة الإنتاج.

وبالنسبة لمصر، تراجعت الحكومة منذ بداية 2020 عن طرح أية مشروعات جديدة في مجال الطاقة الشمسية والرياح، عقب الوصول إلى نسبة الـ 20% المستهدف إنتاجها من المصادر البديلة ضمن منظومة الطاقة في مصر، رغم أن استراتيجية الطاقة المتفق عليها مع المجلس الأعلى للطاقة في أكتوبر 2016 تهدف إلى إنتاج 42% من الكهرباء من المصادر المتجددة بحلول 2035. ولكن سيعتمد ذلك على عاملين، الأول هو خفض تكلفة إنتاج الطاقة المتجددة والعامل الثاني هو تراجع تنافسية المواد الكهدروكربونية (النفط والغاز) كمصادر لتوليد الطاقة.

ماذا يفعل الشرق الأوسط؟

تراجع أسعار النفط عالميًا لابد أن يتم استغلاله في التحول إلى الطاقة البديلة، وكذلك إقامة شراكات مع القطاع الخاص للتوسع بهذه الصناعة، وضخ مزيد من الاستثمارات لاستغلال نسب السطوح الشمسي التي تتمتع بها دول الشرق الأوسط ما يسمح بإقامة مشروعات تحقق المزيج المستهدف من الطاقة والاستغناء تدريجيًا عن الغاز والوقود الإحفوري -يقول وائل النشار لـ “مصر 360”-.

يقول النشار، إن التوسع الذي حدث العقود الماضية على مستوى إنشاء محطات الكهرباء التقليدية كان مبلغ فيه، ولابد من تحويل تلك المحطات إلى نظام الدورة المركبة التي تعتمد على استهلاك كميات أقل من الغاز الطبيعي وبذات الوقت إنتاج قدرات كهربائية مضاعفة عبر أنظمة تكنولوجية حديثة تُزود بها المحطات.

كما أن حكومات الشرق الأوسط باتت مطالبة بالسير في اتجاه تقليص دعم الوقود. “المواطن اعتاد أن يحصل على الطاقة بأسعار رخيصة للغاية من خلال دعم الحكومات للكهرباء المنتجة من الوقود والغاز”. كما أن التخلص التدريجي من هيكل الدعم سيحفز الشركات والمواطن على الاتجاه نحو المصادر البديلة. حتى وإن كانت مُكلفة بعض الشئ في البداية.

بناء مصانع إنتاج الألواح الشمسية سيوفر للشرق الأوسط احتياجاته من الألواح والأدوات. اللازمة لإقامة مشروعات قادرة على إحداث نقلة حقيقية في مجال الطاقة البديلة، “أسعار التركيبات مرتفعة بعض الشئ أثناء الإنشاء لكن على المدى البعيد تكون أرخص بكثير من الإحفوري”. ومع إنشاء مصانع الألواح الشمسية سيكون السوق أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية ورؤوس الأموال للتوسع بالطاقة البديلة.

دول الشرق الأوسط مطالبة بإقامة شراكات استثمارية مع أوروبا وأسيا لنقل تكنولوجيا صناعة الطاقة الجديدة إلى دول المنطقة، والانطلاق نحو توطين تلك الصناعة بجميع الدول للاستغناء عن النفط والغاز في المستقبل القريب.