حصلت الناشطة السعودية المدافعة عن حقوق المرأة، لجين الهذلول، على جائزة “فاتسلاف هافل” لحقوق الإنسان في نسختها الثامنة لعام 2020. في ظل قيود لا تزال تفرضها السلطات السعودية على الشابة التي تحملت مرارة السجن مرات عديدة بسبب معارضتها حظر قيادة المرأة للسيارات، والدعوة لإنهاء نظام ولاية الرجل على المرأة.

وجاءت الجائزة التي يمنحها التجمع البرلماني للمجلس الأوروبي PACE، تكريمًا لجهود الناشطة السعودية التي خرجت من السجن بعد نحو ثلاث سنوات تعرضت خلالها “للتعذيب والتحرش الجنسي وغيره من ضروب المعاملة السيئة، فضلاً عن الحبس الانفرادي”.

واحدة من قادة الحركة النسوية السعودية

وذكر بيان التجمع البرلماني للمجلس الأوروبي أن “الهذلول هي واحدة من قادة الحركة النسوية السعودية، وقد تعرضت للسجن لمدة 1001 يومًا، ولا تزال تخضع للإقامة الجبرية في بلدها”.

ورغم الإفراج عنها تحت وطأة مطالبات دولية وإدانات، تبقى لجين الهذلول قيد إفراج مشروط لـ3 سنوات، ولا يمكنها مغادرة المملكة لمدة 5 سنوات. لذلك تسلمت شقيقتها لينا الهذلول، الجائزة نيابة عن الناشطة السعودية.

وفي حفل خاص عبر الفيديو كونفرانس في يوم افتتاح الجلسة العامة للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، قالت لينا إن شقيقتها “اختطفت، وسجنت بصورة غير قانونية، وعذبت بوحشية، ووضعت في الحبس الانفرادي لعدة أشهر، والآن، حكم عليها بأنها إرهابية”.

جائزة فاتسلاف هافيل

وتمنح الجمعية الجائزة، وقيمتها 60 ألف يورو (72200 دولار)، كل عام منذ عام 2013 للأشخاص الذين يناضلون من أجل حقوق الإنسان. وتمت تسمية الجائزة باسم رئيس تشيكي سابق وناشط في مجال الحقوق المدنية.

فاتسلاف هافيل، هو كاتب مسرحي معروف من تشيكوسلوفاكيا. وقد حاز العديد من الجوائز على إبداعاته الأدبية. وصل إلى سدة الحكم في بلاده وعرف بمهندس إسقاط الشيوعية، لكنه اختار طريق السلام للوصول إلى ذلك، وله إسهامات حقوقية عالمية معروفة.

جائزة في ظل قيود على الناشطة السعودية

وجاءت الجائزة في أعقاب ظروف اعتقال قاسية واجهتها الناشطة السعودية البارزة لجين الهذلول البالغة من العمر 31 عاماً، جزاء معارضتها سياسيات تحد من حرية المرأة لا سيما قضية حظر قيادة المرأة للسيارات، والولاية على المرأة.

وفي المرة الأخيرة أمرت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض بسجن الناشطة السعودية البارزة لمدة خمس سنوات وثمانية أشهر بعد إدانتها بـ”التحريض على تغيير النظام وخدمة أطراف خارجية” في ديسمبر من العام الماضي.

وأفرج عن لجين العام الجاري مع التقيد بعدم مغادرة المنزل، والتواصل مع العالم الخارجي بحدود، ما ناقض وجه محمد بن سلمان الإصلاحي المعلن منذ توليه منصبه.

الدعم الدولي هو السبيل الوحيد لفضح الظلم

وخلال حفل استلام الجائزة قالت لينا الهذلول، عبر الفيديو كونفرانس، إن “الدعم الدولي هو السبيل الوحيد لفضح الظلم في بلدي وحماية الضحايا، شكرا لمنحنا القوة لمواصلة قتالنا”.

وأضافت لينا: “ضحت لجين بنفسها من أجل حياة أفضل للمرأة السعودية. بسبب نشاطها، تم اختطافها، وسجنها بشكل غير قانوني وتعذيبها بوحشية، ووضعها في الحبس الانفرادي لشهور، وحُكم عليها كإرهابية”.

وتابعت: “منذ سنوات والنظام السعودي يحاول تشويه صورة لجين ومحو أي دعم لها وجعلها منسية. ولكن كلما مر الوقت، أثبتت لجين للعالم مدى شجاعتها ومرونتها ومدى ارتباطها بقيمها”.

التمسك بالأمل رغم 1001 خيبة

وكانت تقارير حقوقية ذكرت تعرُّض الهذلول للاعتداء الجنسي والتعذيب بالضرب والصعق بالكهرباء، واحتُجزت في الحبس الانفرادي لفترات طويلة، الأمر الذي نفته الرياض بشدة، كما دفعت عدة محاولات للإضراب عن الطعام لجنة حقوق المرأة التابعة للأمم المتحدة إلى التعبير عن مخاوفها بشأن صحتها المتدهورة.

الهذلول أيضًا رفضت عرضاً من قبل أمن الدولة بالإفراج عنها مقابل بيان مصور بالفيديو تنفي فيه تقارير عن تعرضها للتعذيب والتهديد بالتحرش أثناء احتجازها، حسب مقربين منها.

https://twitter.com/WalidAlhathloul/status/1161271062694367232?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E1161271062694367232%7Ctwgr%5E%7Ctwcon%5Es1_&ref_url=https%3A%2F%2Fwww.dw.com%2Far%2FD984D8ACD98AD986-D8A7D984D987D8B0D984D988D984-D8A7D984D986D8A7D8B4D8B7D8A9-D8A7D984D8AAD98A-D988D8B6D8B9D8AA-D8A5D8B5D984D8A7D8ADD8A7D8AA-D8A8D986-D8B3D984D985D8A7D986-D8B9D984D989-D8A7D984D985D8ADD983%2Fa-56013009

وبعد الافراج عنها نشرت الناشطة السعودية أولى تغريداتها بحسابها على موقع تويتر بالإنجليزية: “أعود بقلب مليء بالامتنان، لكنه مصاب بكدمات من 1001 خيبة أمل”، في إشارة إلى عدد أيام سجنها.

صوتٌ من قلب بيئة مُحافِظة

تنتمي لجين لمنطقة القصيم وهي واحدة من أكثر المناطق محافظة من الناحية الاجتماعية، لكنها تنتمي إلى أسرة متحررة اجتماعيًا. وقد أمضت سنوات عديدة من طفولتها في فرنسا.

والدها ضابط في البحرية الملكية السعودية ووقف إلى جانبها في حملتها للمطالبة بحق المرأة في قيادة السيارة وقام بتصويرها عندما قادت السيارة لأول مرة.

بدأت لجين بالعمل ضد الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة عام 2012، عبر تطبيق كيك الذي يسمح بتصوير مقاطع فيديو لمدة 30 ثانية.

“السعوديات مجردات من هويتهن”

ويظهر إخلاصها للقضية خلال حديث مع صحيفة بريطانية قالت فيه: “كنت أتطلع لمعرفة مقاطع الفيديو التي ينشرها السعوديون عبر تويتر وردود فعل السعوديين على ما أنشره عبر تويتر فكتبت امرأة سعودية كنت أتابعها: (السعوديات مجردات من هويتهن). تأثرت بذلك كثيرًا. فأنا محظوظة لأنني من أسرة متحررة، انتابني شعور المسؤولية لكسر هذه الحلقة”.

وعندما انتقدها البعض لمعارضتها من خارج البلاد وتحديدًا كندا، عادت لجين مسرعة إلى بلادها أواخر عام 2013. قبل يومين من انطلاق الحملة الثانية المطالبة برفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة. فكان والدها في استقبالها بالمطار وأعطاها مفتاح السيارة وجلس إلى جانبها وقام بتصويرها وهي تقودها.

في اليوم التالي طلبت وزارة الداخلية من والدها التوقيع على تعهد بمنع ابنته من قيادة سيارته، وبعد زواجها من الممثل فهد البيتري وإقامتها في الامارات، قادت لجين سياراتها إلى الحدود السعودية، لتحييّ الحملة بعد أن خفت ضجيجها السابق.

لجين تدفع ثمن تمسكها بحقوق المرأة

لم تتوقف جهود لجين عند هذا الحدـ فبعد صدور قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، بدأت لجين تكريس جهودها للدفاع عن حقوق المرأة الأخرى مثل قانون ولاية الرجل على المرأة.

وفي عام 2018، اعتقلتها السلطات الإماراتية وسلمتها إلى نظيرتها السعودية. هناك قضت لجين عدة أيام بالسجن قبل إطلاق سراحها، ومنعها هي وزوجها وكل عائلتها من مغادرة البلاد، كما مُنعت من الظهور بوسائل الإعلام واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي.

وفي منتصف العام 2018 ألقي القبض على لجين، عندما ذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، أنّ أمن الدولة ألقت القبض على 7 أشخاص بتهمة التواصل مع جهات أجنبية مشبوهة. كما جرى اعتقال زوجها بعد شهرين، وتواردت أخبار عن إجبار السلطات السعودية فهد البتيري على تطليق زوجته.

السعودية تحت وطأة الانتقادات

وتصاعدت وتيرة الانتقادات للموقف السعودي من الحقوق والحريات بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، خاصة بعد ثبوت تورطه في مقتل الصحفي جمال خاشقجي في سفارة بلاده بتركيا، وتجدد القمع عبر اعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان، ووفاة بعضهم تحت وطأة التعذيب.

وكان مرصد القسط لحقوق الإنسان قد أصدر تقريرًا كشف فيه عن “استمرار السلطات السعودية في قمع حركات المجتمع المدني المستقلة بشدة واستهداف من يقومون بحملات من أجل الإصلاحات، بالرغم من إعلان الإصلاح”.

وعلى الرغم من السعودية أدخلت إصلاحات في مجال حقوق المرأة عام 2019، مثل السماح للنساء السعوديات بالسفر دون قيود أو القيادة وتسجيل ولادة أطفالهن، ظلت الناشطات اللائي دافعن عن هذه الإصلاحات واللاتي اعتقلن عام 2018 قيد المحاكمة أو الاعتقال.

وفي حين يلفت التقرير إلى أن الإفراج المشروط عن نوف عبد العزيز، ولجين الهذلول في بداية عام 2021 قد يجلب بعض الأمل في أن المدافعات البارزات عن حقوق المرأة قد يتم إطلاق سراحهن قريبًا، غير أن إمكانية إعادة اعتقالهن في أي لحظة إذا استأنفن نشاطهن لا تزال قائمة.

بالإضافة إلى ذلك، مازلن يواجهن حظر سفر مطول وظروف تقييدية أخرى، والتي من المرجح أن يواجهها نشطاء حقوق المرأة البارزات اللاتي رهن الاحتجاز عند إطلاق سراحهن.

ويأمل المراقبون الحقوقيون حدوث انفراجة في الملف الحقوقي بعد التغيير في الإدارة الأمريكية بقدوم جو بايدن، الذي بدأ عهده بخروج تقرير مقتل خاشقجي للعلن، إلا أنه أيضًا لم يتخذ خطوات مباشرة في سبيل معاقبة سلمان الابن.