تعرضت مصر منذ فترة ليست بالبعيدة لحادثين غاية في الخطورة، أولهما حادث تعطل سفينة تحمل العلم البنمي في قناة السويس، مما أدى إلى إغلاق القناة، وهو أمر لو تعلمون عظيم أثراً على التجارة العالمية من ناحية، حيث ترتب على تعطل السفينة إلى وقوف العديد من السفن في انتظار أن تمر من القناة بعد أن يتم إصلاح السفينة العاطلة، كما أن هذا العطل يؤدي إلى توقف دخل القناة وهو ما يؤثر بالسلب على الاقتصاد المصري، كما أنه قد يؤدي هذا العطل إلى مطالبة بعض الشركات إلى طلب التعويض من الحكومة المصرية.

ثم كانت الحادثة الثانية وهي تصادم قطارين في مركز طهطا بمحافظة سوهاج، وهو ما نتج عنه وفيات وحالات إصابة كثيرة، علاوة على أعداد الوفيات. وحسب البيان الأول لهيئة سكك حديد مصر، فإنها ألقت باللوم على المجهول الذي يُنسب إليه أنه قام بسحب بلف الخطر.

ثم جاء الحادث الثالث بالأمس الموافق 18 أبريل، وهو حادثة قطار المنصورة وما نتج عنه من إصابات ووفيات حتى هذه اللحظة لم يتم حصرها إجمالاً، وتلك الحوادث لا يجب أن تمر علينا مرور العابرين، إذ إنه من المفترض أن تكون هناك مسؤوليات وتقصير من العديد من المسؤولين، ولو كان الأمر بيدي لكانت هناك إقالات عديدة تطال مسؤولين رفيعي المستوى من ذوي السلطة التنفيذية للحكومة المصرية.

لكني هنا ألفت الضوء والانتباه على دور آخر ذو أهمية قصوى في رعاية مصالح الشعب المصري ومتابعة التقصيرات من الحكومة إزاء تأدية دورها، وهو دور مجلس النواب المصري، إذ بحسب الدستور المصري، والذي عهد إلى مجلس النواب سلطة رقابة السلطة التنفيذية، وذلك حسب ما ورد في الباب الخامس من الدستور ، وذلك تحديدا بقوله في المادة 101 منه على أن ” يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية “، كما جاءت المواد من 129 وحتى 135 من الدستور موضحة آليات رقابية لمجلس النواب في مجمله أو لأعضائه تكون موجهة بشكل رئيسي إلى السلطة التنفيذية ممثلة في الوزراء أو رئيس الوزراء، وهي توجيه السؤال، أو توجيه استجواب، أو إقرار سحب الثقة بعد الاستجواب، أو طلب مناقشة موضوع معين، أو طلب إحاطة، أو بيان، أو تشكيل لجان تقصي الحقائق.

اقرأ أيضا:

مجلس النواب واستحواذ السلطة التنفيذية على مقدرات التشريع

ولكن مع كل هذه الترسانة أو الأسلحة الدستورية إلا أننا لم نرى فيما يخص هذه الحوادث بمرارتها وثقلها على الشعب المصري أي أثر لكل هذه الأدوات الرقابية، وكأنها لم توضع لمثل هذه الأزمات، وأن هذه النصوص قد صيغت أصلاً من أجل الحفاظ على حقوق المواطنين تجاه السلطة التنفيذية، وكأن مجلس النواب بعيداً عن هذه المشكلات، أو أنها تخص شعب مغاير عن الشعب الذي ينوب عنه، أو أن هذه الكوارث لا تشكل قدراً كبيراً أو مستحقاً من الأهمية لدى أعضاء مجلس النواب تقتضي أن يقوم البعض منهم بتفعيل أي من كل هذه الأدوات الرقابية المخولة له بمقتضى نصوص الدستور.

ومن الممكن أن نكمل المسير في هذه المشاكل نحو البحث في بنية تكوين مجلس النواب ذاته، فلعل سيطرة حزب مستقبل وطن على أغلبية مقاعد البرلمان تجعله يسيطر بشكل فاعل على مجريات المجلس برمته، ولكن هناك بعض الأعضاء المنسوب عضويتهم إلى أحزاب مغايرة عن حزب مستقبل وطن أرى أن انتمائتهم الحزبية التي تسمى بالمعارضة كانت أجدر بأن تدفعهم دفعاً إلى التقدم باستخدام أي من كل هذه الأدوات الرقابية حيال أي من هاتين الأزمتين، حتى ولو من قبيل السعي النيابي لكشف موقف غيره من الأحزاب التي لم تقم بتفعيل تلك الأدوات، أو لكشف موقف غيره من الأعضاء، ولكن والمصاب جلل لا نرى أي تفعيل حقيقي لمكنون عمل مجلس النواب.

وأعود بكم إلى حادثة قطار الصعيد القديمة والتي لم ينتج حينها مجلس الشعب سوى لجنة لتقصي الحقائق، وللأسف لم ينتج عمل تلك اللجنة حينها شيئا قد يهم في تغيير السياسات الحكومية حينها. وقد انتهت القصة بمحاكمة صغار موظفي السكة الحديد جنائياً. وقد انتهت تلك المحاكمة بالقضاء بالبراءة لهم جميعا. كما أن محكمة جنايات الجيزة والتي كانت تنظر تلك القضية قد ناشدت الجهات الحكومية والنيابة العامة بسرعة التحقيق مع كبار الموظفين الذين تسببوا حينها في وقوع هذه الحادثة، فقد جاء بهذا الحكم في القضية رقم  2816 لسنة 2002 جنايات الجيزة قول المحكمة التاريخي حينها “والمحكمة في هذا المجال تهيب بقيادات الدولة الرشيدة التي أنجبتها مصر وندين لها جميعا بالولاء تهيب المحكمة بهذه القيادات النقية الطاهرة وعلى رأسها القيادة السياسية وهى قادرة على ذلك بإذن الله على وضع الأمور في نصابها وتصحيح المسار لاختيار الأصلح لهذه المواقع سيما المتصلة بجمهور المواطنين فيضاف إلى الشفافية والطهارة الكفاءة والقدرة على إدارة الأزمات ومواجهة المشاكل لا مخالفة القانون ولأن إلزام المواطنين بدفع غرامات تذهب إلى جيوب هؤلاء الكبار ومن ساندهم بحجة كاذبة وهى تنمية موارد الهيئة وهى في الحقيقة تنمية مواردهم هم وزيادة مخصصاتهم وسياراتهم الفارهة إذ حسب المواطن الفقير البسيط قهراً ومعاناة ولا يبقى إلا أن تسوقه هذه القيادات الفاشلة واللوائح والنظم المتخلفة إلى أن يلقى مصيره حرقا فلكل في هذا السياق مسئول والقيادة التي اختارت هؤلاء المسئولين الفاشلين والحكومة التي لم توفر لهذا المرفق الاعتمادات والاستثمارات اللازمة لتطوره والنهوض به على توفير الحد الأدنى اللازم – لتيسيره حتى توفر للمواطن الفقير الحد الأدنى من الأمان”.

أما إذا ما عدنا أدراجنا بحثا عن الدور المطلوب من البرلمان حيال ما يحل بهذا الشعب من أزمات، فإننا لم نجد دوراً متناسباً دوما مع ما يحل بنا من أزمات أو أن يكون ما يقدمه أعضاء مجلس النواب لا يتناسب مع حجم ما يحل بهذا الوطن، وهو الأمر الذي يدفعنا دفعاً إلى البحث حول حقيقة العلاقة ما بين مجلس النواب وبين السلطة التنفيذية متمثلة في الحكومة، وذلك من الناحية الواقعية الحياتية وليس من ناحية النصوص الورقية، التي تقتضي بأي حال من الأحوال أن تكون هناك رقابة من مجلس النواب لكل ما تقوم به الحكومة من أفعال، وبشكل أخص في أوقات الأزمات التي تحل بالشعب المصري، أم أن الأمر لا يعدو سوى تفعيل لنصوص الدستور بتشكيل سلطات أسمية.