بعد عرض 7 حلقات من مسلسل “الطاووس” قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام التحقيق الفوري مع المسؤولين عن إنتاج المسلسل. بالإضافة إلى مسئولي القنوات التي تعرضه، بعد أن قال إنه تلقى شكاوى عدة حول الألفاظ المستخدمة في المسلسل، وهو ما اعتبره متخصصون حجرًا على الإبداع وحرية الرأي. وسط تساؤلات عن مدى وصاية المجلس على الدراما وشاشة التلفزيون.

التحقيق مع مسئولي المسلسل.. الأعلى للإعلام: ننحاز لحرية الرأي

 المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام قال في بيان له، إنه “ينحاز إلى حرية الفن، وإطلاق طاقات الإبداع والتفرد والقيم الجمالية. كما أنه لا يضع قيودًا من أي نوع على تلك المعاني النبيلة. لكنه يعمل في نفس الوقت على تنقية الأجواء ومنع الصور التي تسيء للفن المصري الأصيل”.

وأضاف المجلس أن “احترام المشاهدين من أولويات الأعمال الفنية الهادفة. حفاظًا على الهوية وتماسك الأسر والابتعاد عن أي صورة تشوهها. أو تحض على العنف اللفظي والجسدي. وأن تتبنى الأعمال الدرامية محتوى إيجابيًا يحترم القيم المتعارف عليها”.

كذلك أشار إلى أن “لجنة رصد الأعمال الدرامية تتابع أولًا بأول ما يتم عرضه من مسلسلات. لمراقبة مدى الالتزام بالأكواد الإعلامية. كما تتلقى شكاوى المواطنين وانتقادات النقاد والكتاب والمهتمين بذلك”.

ومن ناحيتها، قالت سارة رمضان الباحثة في مؤسسة حرية الفر والتعبير، إن الأعلى للإعلام دوره الرقابة على الإعلام. وليس له أن يتدخل في الأعمال الدرامية. كذلك أشارت إلى أن استحداث لجنة الدراما بالمجلس في 2018 مخالفة قانونية صريحة. ذلك لتداخل اختصاصين بين جهاز الرقابة على المصنفات بوصفه أحد أجهزة الرقابة عن إجازة الأعمال الإبداعية. ودور المجلس في رقابة الآداء الإعلامي من ناحية أخرى.

أبطال مسلسل الطاووس

مخالفة للقانون

تلفت رمضان إلى أن المجلس يستند على رقابته من مدخل أن تلك الأعمال تعرض على القنوات التلفزيونية. وبرأيها فإن المعايير التي وضعها المجلس على مدار السنوات الماضية بها مشكلات تتعلق بحرية الإبداع.

وبحسب رمضان فإن شركة “سينرجي” المحسوبة على الدولة هي الجهة المنتجة لأغلب دراما دراما ما يفيد بأن هناك توجهات معينة لتناول موضوعات بعينها. وأشارت إلى أن المعايير الرقابية للمجلس هي معايير أخلاقية لاتمس المسلمات “الدين والسياسة والجنس”.

وعن اتجاه “الأعلى للإعلام” للتحقيق مع منتجي “الطاووس”، أشارت رمضان إلى أن ذلك قانونًا ليس من اختصاص المجلس الأعلى للإعلام. لكن المجلس يعتبر نفسه أحد أدوات الرقابة على كل ما يذاع في التلفزيون.

ووفق بيان المجلس، كان التحقيق بعد تلقيه شكاوى عديدة من المواطنين حول المسلسل، لكن الباحثة بمؤسسة حرية الفكر والتعبير تقول إن استقبال بلاغات من مواطنين بشأن الأعمال الإبداعية يعتبر كارثة، فلا يوجد مقياس لتأثير المشاهد فهذا الادعاء يتم استخدامه لتبرير منطق الرقابة. ففتح باب التبليغ عن أخطاء الأعمال الفنية ينمي روح الحجر داخل كل شخص وهذا أداء مرفوض.

الدستور يكفل حرية الإبداع ويحمي المبدعين

وتنص المادة 67 من الدستور: “حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب. بالإضافة إلى وجوب رعاية المبدعين وحمايتهم وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك”.

باحثة مؤسسة حرية الفكر والتعبير تقول إن العمل الإبداعي دوره ليس توجيه أو تربية المجتمع. تلك أدوار يحاول أن تفرضها الدولة بتنبي سياسة الانضباط. لأن هذا ضد منطق الإبداع كفكرة في الأساس. دورنا أن نحمي الحق في حرية الإبداع. وإن كان المجلس يصونه فليس الطريق أن يتعامل مع الأعمال الإبداعية على أنها أعمال مدرسية هدفها الدعايا وتعليم المواطنين.

وبحسب المجلس، فإن الأكواد التي وضعها تستهدف حماية القيم والأخلاق والالتزام بمبادئ وتقاليد المجتمع. وهي الحفاظ على القيم والأخلاق والمبادئ والتقاليد. بالإضافة إلى عدم الخوض في الأعراض أو تعميم الاتهامات. وعدم الإساءة إلى الآخرين واحترام الرأي الآخر. وعدم التحقير من الأشخاص أو المؤسسات، والحفاظ على النظام العام والآداب. بالإضافة إلى تجنب ما يدعو إلى الإباحية أو يحض على الفسق والفجور. وأخيرًا إبراز أهمية القيم والأخلاق ودورهما في حماية المجتمع.

خلق شرعية رقابية

في السياق نفسه، يقول محمود عثمان، محامي متخصص في الأعال الفنية وحرية الإبداع، إن الأعلى للإعلام يسعى طوال الوقت لأخد حيز رقابي في الدراما. وبناء على تاريخ أو تسلسل القوانين المنظمة للمجلس سنجد أن لجنة الدراما كانت من مقومّات المجلس لخلق شرعية رقابية. تلك الشرعية التي يتيح رئيسها “الفنان” صك الإبداع كمالمخرج محمد فاضل والذي أصبح مشرف على الإبداع.

كما أضاف: “عند قياس هذه الاختصاصات بما يتيحه القانون للفن ويشجعه، سنجد أنه مخالف للقانون أولًا في المواد التي تخص الحق في العمل. وبالتأكيد التي تمس الحق في حرية الإبداع التي تلزم الدولة على تشجيع الإبداع وحماية المبدعين. وليس فرض قيود رقابية جديدة عليهم. وبالتالي وجود المجلس كرقيب على الدراما غير دستوري، لأنه يخالف الحق في العمل والإبداع. وهو كذلك يعارض عمل الرقابة على المصنفات الفنية. وهي الجهة الوحيدة التي لها الحق على الرقابة على الأعمال في مصر.

كذلك أكد عثمان أن المجلس الأعلى يتوغل في اختصاصات الرقابة على المصنفات الفنية التي يستفيد منها الفنانون. وبالتالي هما الحلقة الأضعف وما يحدث غير قانوني ودستوري، فلا يحق له التحقيق على أي فنان.

وعن الاستناد على شكاوى في رقابة الأعمال الفنية، لفت عثمان إلى أنه لا نستطيع تجاهل ما جاء على لسان رئيس المجلس السابق مكرم محمد أحمد والذي كان يشجع المواطنين على الرقابة بأنفسهم.

كما صرح أن هناك مكافأة لمن يستطيع البحث عن أعمال ومشاهد تخالف قيم الأسرة قدرها 10% من قيمة الغرامة التي سيحصل عليها المجلس.

ووفق عثمان، فإن الأكواد الوحيدة التي يمكن أن يخضع لها أي عمل درامي هي المتعلقة بإدارة المصنفات السمعية والسمعية البصرية. أو المعروفة بالرقابة على المصنفات.

انتهاك صريح

القانون ولائحة الجزاءات يمنحوا المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام سلطة مراقبة الأعمال الدرامية، واتخاذ إجراءات ضد وسائل الإعلام التي تخالف الأكواد التي نشرها المجلس بشأن الأعمال الدرامية. هكذا يقول الباحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير إذ أشار إلى أن المجلس يوقّع عقوبات على الوسائل وليس الأفراد أو صناع العمل والتحقيق يكون مع إدارة القناة التي عرضت.

كما اعتبر عثمان، ما سبق انتهاكًا صريحًا للحق في حرية الإبداع والتعبير الفني، لأن الجهة المخوّل لها الرقابة السابقة على الأعمال الدرامية هي الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة التي تمتلك أيضًا سلطة سحب الترخيص الخاص بعرض العمل الدرامي.

استخدام باب خلفي

وأوضح شوقي أن المجلس استخدم بابًا خلفيًا من خلال استغلال عمومية صياغة مواد قانون تنظيم الإعلام واللائحة الخاصة بالجزاءات، لفرض مزيد من الرقابة اللاحقة على الأعمال الدرامية. ما يخلق تداخل بين أدوار الجهات المعنية بالرقابة، وبيعدد من جهات الرقابة. خصوصًا اللاحقة بشكل يسبب قيود أكثر تعسفًا وخنقًا للإبداع.

“الطاووس” وقضية الفيرمونت

من ناحية أخرى، قال المحامي طارق العوضي، إنه وصله استدعاء من المجلس للاستماع إلى أقواله في الشكوى المقدمة حول علاقة المسلسل بقضية الفيرمونت وما تم استغلاله كدعاية للمسلسل، مؤكدا أنه لن يطالب بوقف عرض المسلسل.

وتتقاطع قصة الطاووس مع أحداث جريمة الفيرمونت، إذ تتعرض فتاة للاغتصاب من أصحاب نفوذ تحت تأثير مخدر وتبدأ رحلة البحث عن حقها عبر محام ذائع الصيت، ولا تزال التحقيقات جارية في قضية الفيرمونت بعد تجديد حبس 4 متهمين في الشهر الأخير.

مواقع التواصل تدافع عن الطاووس

وانتشر هاشتاج #ادعم_مسلسل_الطاووس، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، شارك فيه عدد من الفنانين من بينهم منى زكي، ردًا على بيان المجلس الأعلى. فتقول روضة: “تصوير الواقع والكلام عن الاعتداءات بقت من امتى خدش حياء ومش عايزينها فى بيوتنا وترجعوا تقولوا هم البنات مالهم مش بيحكوا ولا يعملوا محاضر ليه؟”. وقالت ندى: “لو خايفين على الأسر المصرية أوقفوا مسلسلات البلطجة وتدني مستوى الأخلاق”.

وقالت أخرى: “مش مفهوم نهائي بالنسبة لي كإنسانة وكبنت عايشة في المجتمع وتقريبا زي معظم البنات بنواجه التحرش ده كل يوم. ليه في شخص راشد بكامل قواه العقلية قرر إنه يطالب بمنع مسلسل اجتماعي بيدعم المرأة في قضيتها العادلة ضد الجريمة المنحطة دي”.

وبرأي عدد من المشاهدين، فإن مسلسل الطاووس يقدم نموذجًا واقعيًا، ويشجع الفتيات على المطالبة بحقوقها. وردًا على مطالب بوقف المسلسل بحجة تدمير الأسر المصرية يقول أحد رواد مواقع التواصل: “هو التحرش والاغتصاب مش بيدمر المجتمع؟