أعلن التلفزيون التشادي الرسمي، مقتل الرئيس إدريس ديبي إيتنو، متأثرًا بجراحه عقب إصابته خلال مواجهات ضد المتمردين شمالي البلاد. إذ قال المتحدث باسم الجيش، الجنرال عزم برماندوا أجونا، في بيان متلفز: “إن رئيس الجمهورية لفظ أنفاسه الأخيرة مدافعًا عن وحدة وسلامة الأراضي في ساحة المعركة”.
استمر حكم إدريس ديبي لـ 31 عامًا، استطاع خلالها أن يحكم سيطرته على البلاد ومقاليد الحكم، مطوعًا الديمقراطية من أجل الاستمرار على كرسي الرئاسة. وقد أجرى 6 انتخابات رئاسية منذ توليه الحكم عام 1990 فاز بها جميعًا.
ديبي.. ابن فرنسا المدلل
هناك قصة طويلة من التعاون المثمر بين “ديبي” وكافة الرؤساء الذين توالوا على حكم فرنسا. ما كان يجعل ديبي بمثابة ابنًا غير شرعي لفرنسا. ذلك منذ بداية التحاقه بالسلك العسكري وحتى تأهيله على أيدي ضباط فرنسيين ومن ثم الالتحاق بالمدرسة الحربية في باريس عام 1985. وقد استخدمته فرنسا كثيرًا في تنفيذ مهام استراتيجية بعيدة المدى دون أن تكون طرفًا واضحًا فيها.
قدم “ديبي” أوراق اعتماده كاملة باعتباره ابن الجيش الفرنسي تدرب على أيدي قادته. وقد عمد إلى محاربة قوات الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي بداية الثمانينيات، ليحظى بحماية فرنسا ودعمها. وعين آنذاك قائدًا للمنطقة العسكرية الشمالية.
ولما زاد من قوته وسيطرته وإبرازه لحنكته العسكرية، فضلاً عن إدراكه مدى أهمية تشاد من الناحية الجغرافية والاستراتيجية بالنسبة إلى فرنسا، باتت الخطوة التالية تتمثل في إحكامه السيطرة على مقاليد الحكم.
الوصول إلى الحكم
وصل “ديبي” إلى الحكم بانقلاب ضد حسين حبري الرئيس التشادي. الذي عمد إلى التخلص منه في عملية عسكرية دارت في منطقة دارفور السودانية. وبالفعل نجح في إزاحته عن الحكم بمباركة فرنسا، التي لم تستجب لطلب حبري المساعدة.
ومنذ أن تولى الحكم واستطاع أن يقنع الجميع بمدى تمسكه بالعملية الديمقراطية وإجراء انتخابات رئاسية بشكل ثابت يفوز بها في كل مرة. وخلال تلك الفترة التي تصل إلى 31 عامًا، تعرض لمحاولات انقلاب مستمرة. إلا أن فرنسا من خلال قوات متواجدة بشكل دائم لحمايته استطاعت أن تمنع كافة المحاولات.
كانت المحاولة الأولى الأكثر جدية في عام 2006. حيث عمد مجموعة من المعارضين إلى محاولة انقلاب. إلا أن السلطات الفرنسية قطعت الطريق عليهم. وفي عام 2008 كانت المحاولة الأكثر جدية إذ تمكنت قوات مسلحة معارضة من إحكام سيطرتها على أجزاء كبيرة في العاصمة التشادية. وبدا أنها شارفت على اكمال الانقلاب بنجاح قبل أن تدخل فرنسا وتقف حائلاً أمام تلك المحاولة أيضًا.
ليلة مقتل المارشال
تقدم “ديبي” ضمن خططه لضمان بقائه على كرسي الرئاسة في صفة محارب التنظيمات الإرهابية وداحرًا لأي محاولات للتشكيك في قدرته العسكرية. وليضفي مزيدًا من شرعية حكمه، كان يواجه التنظيمات الإرهابية والمعارضين لحكمه دون هوادة.
خلال فترة حكمه نشأت مجموعات معارضة لحكمه واستمراره على كرسي الرئاسة وإجراء انتخابات صورية. لذا تم تشكيل مجموعات متمردة منها “جبهة التغيير والوفاق في تشاد”، والتي ستكتب نهاية المارشال.
قبل أيام هاجمت جبهة التغيير نقاط حدودية عشية الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن نجاح “ديبي”. ولم تكتف الحركة المتمردة بتلك الخطوة. بل راحت تطرق أبواب العاصمة التشادية “نجامينا”، وهو ما استدعى تدخل حازم وحاسم من قوات المارشال ديبي. وخلال مناوشات بين المتمردون وقوات الجيش التشادي التي كان يقودها “ديبي” أصيب ليلفظ أنفاسه الأخيرة في محاولة انقلابية مثلما وصل إلى الحكم.