“ملابسي ذابت علي” كانت الجملة التي اشتكى بها حارس أمن مصري يعمل في الكويت خلال فيديو مصور، عدم استلامه راتبه منذ 5 أشهر، مما تسبب في في القبض عليه، ولم يخرج من محبسه إلا بعد ضغط الشعبي، مع وعد بحل أزمته، وهي واقعة كاشفة لوضع صعب تعيشه العمالة المصرية في الخليج، زاد كورونا من مشقته بسبب إجراءات الغلق.

تعود أحداث الواقعة إلى ظهور حارس أمن بمدرسة كويتية في مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعي، يشتكي انقطاع شركة الأمن الوسيطة عن منحه راتبه الشهري لأكثر من خمس شهور.

وطالب وزارة التربية والتعليم، والجهات المعنية بإنصافه بعد انقطاعه عن ارسال النقود لأسرته، ومعاناة أطفاله وعلى لسان نجله قال “ملابسي ذابت” مضيفا “الأيام دول”.

وخلال ساعات ألقت مباحث الهجرة القبض على العامل، وانتشرت الأخبار عن نية ترحيله، ولكن سريعا ما تضامنت مجموعة كبيرة من النشطاء والسياسيين معه مدشنين هاشتاج بعنوان افرجوا عن العامل المصري.

https://twitter.com/almostakillah/status/1384213168898011136?s=07&fbclid=IwAR37QDfIidurm_mr3tDFYWwKevT-BLoDcsl4vNkrgRGCzb4MebOIRNpQOEw

عندما تكون التهمة: جوع

وطالب النشطاء مثل “أبوعسم” بتدخل أعضاء مجلس الأمة للإفراج عن العامل، قائلا: “التهمة جوع”، لافتين إلى أن العامل لم يخطئ أو يتجاوز فكل ما طالب به حقه، من الشركات الفاسدة.

وقالت الناشطة دلع المفتي بدلا من أن تسجنوا هذا المسكين، اسجنوا صاحب الشركة الذي امتنع عن دفع رواتبه لعدة شهور.

وفي إطار التضامن، تجمع عدد المواطنين إلى المدرسة التي يعمل بها الحارس، للمطالبة بالإفراج عنه. كما أن عددا آخر من المقاطع المصورة انتشرت من قبل حراس أمن مصريين يشتكون مماطلة الشركات في اعطاءهم حقوقهم، غير أن البعض يعيش على الاعانات الفردية.

وعليه طالب عدد من نواب مجلس الأمة مثل حمد العازمي، وحمد المطر وزارة الداخلية بالإفراج الفوري عن الحارس، وبعد عدة ساعات أخلت سلطات الأمن سبيله.

وبحسب جريدة الراي الكويتية فقد أفاد مصدر أمني أن استدعاء المقيم المصري كان للتأكد من صحة المعلومات التي أدلى بها، وفتح محضر تحقيق واستدعاء صاحب الشركة، مضيفا أنه في حال التأكد من عدم حصول المقيم على رواتبه المتأخرة سيتم إغلاق الشركة ووضع رمز عليها وإحالة الملف إلى جهات الاختصاص وهي القوى العاملة “إدارة المنازعات” للفصل في القضايا بين رب العمل والعاملين.

واختتم المصدر بأن “وزارة الداخلية لم تعتقل المقيم بل قامت باستدعائه لإعادة حقه المسلوب من جهة عمله في حال كانت المعلومات التي أدلى بها صحيحة”

وأضاف “نحن في بلد إنساني يطبق فيه القانون على الجميع، فلا يوجد أحد لديه حق يُسلب في الكويت خصوصا وأن القوانين واضحة وتحفظ الحقوق والجميع سواسية”.

وأكد المصدر إخلاء سبيل الحارس بعد اتخاذ الإجراءات القانونية كافة، بحضور ممثل عن الهيئة العامة للقوى العاملة، حيث تم توقيع تعهد بصرف كامل مستحقاته خلال أسبوع.

وفي الكويت تعمل أغلب الجهات الحكومية على التعاقد مع الأيدي العاملة من خلال شركات وسيطة، وهي المسؤولة عن تسليم العمال رواتبهم.

وتشتكي كثير من الأيدي العاملة بمختلف جنسياتها المماطلة في صرف مستحقاتها، ومن قبل ظهرت مطالبات مماثلة من قبل عمال النظافة، كما أن هذه الشركات تقتطع ما يقارب من نصف الراتب المستحق لصالحها.

كما أن هذه الشركات ترجع ملكيتها لعائلات نافذة في الدولة اتهم الكثير منها بتجاوزات مالية، وفساد، عبر جلب العمالة الزائدة عن الحاجة مقابل آلاف الجنيهات، وبعقود عمل صورية، دون أي حماية اجتماعية.

الأيدي العاملة في الخليج وكورونا

نكأت هذه الحادثة جراح العمالة في الخليج التي زادت كورونا وهي الأعنف اقتصاديا، من صعوبة الأوضاع، وتسريح عدد كبير من العمال خلال فترة الوباء، ومع إغلاق المطارات لم يستطيع الكثير منهم العودة إلى بلاده، وانتشر الفقر والجوع بينهم.

ولكن كورونا لم تكن الأزمة الوحيدة فقبلها كانت أزمة أسواق النفط التي تراجعت في أسعارها، إلى جانب سلسلة من النزاعات السياسية والعسكرية في المنطقة لاتنتهي، خاصة في العراق، وليبيا.

بحسب الباحث الاقتصادي محمد جاد فإن رد فعل بلدان الخليج على وباء كورونا بالإغلاق كان أمرا طبيعيا، ولكنه في الوقت نفسه تسبب في إصابة منظومة عمل الأجانب في هذه البلدان بحالة من الشلل؛ فمن ناحية كانت العمالة الأجنبية المقيمة هناك ترغب في الحصول على إجازة، والعودة إلى لبلدانها خشية عدم القدرة على زيارة ذويهم فيما بعد مع استمرار تعطيل حركة السفر، ومن جهة أخرى لم تفتح هذه البلاد أبوابها لتصاريح عمل جديدة إلا للضرورة القصوى.

وعلى الرغم من تخفيف قيود الإجراءات الاحترازية ضد كورونا في الخليج بدءًا من الصيف الماضي، فإن الأوضاع لم تعد إلى سابق عهدها؛ على سبيل المثال قررت الكويت عدم التجديد للعاملين ممن هم فوق الستين، وكذلك للعمالة متدنية المهارة، التي يطلق عليها العمالة الهامشية.

 كما قررت عدم التجديد أيضًا للمقيمين في البلاد ممن يتحايلون على السلطات بادعاء أنهم يعملون لدى شركات ليس لها وجود في الواقع، وتذهب تقديرات إلى أن إجمالي أعداد العمالة المتضررة من هذه السياسات الكويتية الجديدة تبلغ 360 ألف عامل.

وبحسب رئيس الوزراء الكويتي صباح الخالد، فإن تعداد السكان بلغ نحو 4.8 مليون نسمة، مثَّل عدد الكويتيين منهم نحو 1.45 مليون نسمة، وغير الكويتيين حوالي 3.35 مليون نسمة، أي ما نسبته 30 % من الكويتيين و70% من غير الكويتيين.

وفي بداية الوباء كانت الخطوط الجوية الكويتية أعلنت إقالة 1500 موظف غير كويتي، بسبب «التأثير السلبي» لأزمة «كورونا»كما سبق لبلدية الكويت أن أعلنت أنها ستقيل ما لا يقل عن نصف موظفيها الأجانب البالغ عددهم 900 شخص.

وفي الدول الخليجية المجاورة مثل السعودية والإمارات لم يكن الحال أفضل، فالضغوط الاقتصادية كبيرة، والبطالة بين المواطنين تدفع بتقليص العمالة الوافدة.

كورونا وثنائية الاقتصاد والعنصرية

علو النبرة العنصرية، العرقية، التي ظهرت في العديد من الحوادث، أصبح أمرا لافتا، ولا أدل على ذلك من واقعة “ارموهم في البر”، وهي العبارة التي ترجع للفنانة الكويتية حياة الفهد في حديثها عن الوافدين المصريين العالقين بسبب العقود المزورة أثناء الجائحة خلال العام الماضي.

وانتشر فيديو لبحريني آخر في المحجر ذاته وهو يصور العمال في خيمة يتناولون الطعام، ثم مصوراً حاويات القمامة قائلاً: “انظروا إلى قذارتهم”.

وفي الكويت أيضا، دعت النائبة الكويتية السابقة المعروفة بتصريحاتها ضد العمال الأجانب، صفاء الهاشم، إلى “تطهير” البلد من العمالة المخالفة في الوقت الحالي، عبر ترحيلهم دون أي التزامات مادية، خصوصاً مع تفشِّي كورونا، باعتبارهم “الأقل اهتماماً بالتعليمات الصادرة عن حكومة الكويت”، حسب تعبيرها، كما طالبت صفاء الهاشم بفرض “الحظر الجزئي على جميع مناطق الوافدين، وخصوصاً في مناطق حولي والفروانيه والسالمية وخيطان وجليب الشيوخ، لأن لديهم فلتان”.

اقرأ أيضا:

مجلس الأمة الكويتي بـ”لا نساء ولا سلفيين”.. وصفاء الهاشم أبرز الساقطين

حوادث العمالة المصرية

وتعددت حوادث الاعتداء على العمال من قبل المواطنين، أو حتى ترحيل بعضهم لاعتراضهم على المعاملة المهينة مثل حالة المهندسة المصرية في الكويت.

وتتراوح نسب العمالة الأجنبية في بلدان الخليج بين حوالي 50% في سلطنة عمان إلى 55% في البحرين، فيما تشكل العمالة 70% من عدد سكان الكويت، وفي السعودية تبلغ نسبة العمال الأجانب 39%، أما في الإمارات العربية المتحدة فتبلغ 86% من سكان الدولة، أما قطر فتبلغ النسبة فيها 90% بالنسبة لعدد السكان.

ومحليا، وبحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء عن عام 2017، ظلت الدول العربية والسعودية تحديدًا هي المشغل الأساسي للمصريين في الخارج، مع تطور أعداد تصاريح العمل لتتجاوز المليون ومئة ألف تصريحًا.

كما تمثل تحويلات المصريين عادة 10% من الناتج الإجمالي، وهي نسب مؤثرة تترافق مع دعوات داخل هذه الدول، باحلال الأيدي العاملة المحلية، بنظيرتها الاجنبية، وكذلك الضغوط الاقتصادية النفطية بشكل خاص، ربما ايذانا بانتهاء عصر أسواق العمل في الخليج.

دمج مصري

وعاد إلى مصر في الأشهر الأخيرة الآلاف من العمال الذين تعرضوا للتصفية من وظائفهم بسبب الجائحة، فيما تسعى الحكومة، من خلال وزارات القوى العاملة والهجرة والتخطيط..

وبدأت مديريات القوى العاملة في الأسابيع الماضية استقبال العمالة المصرية العائدة من الخارج، وذلك لاستبيان المجالات التي يرغبون العمل بها، وتقديم الإرشاد الوظيفي لهم لإعادة دمجهم في سوق العمل الداخلي بتوفير فرصة عمل مناسبة لكل منهم أو تدريبهم بمراكز التدريب التابعة للوزارة لتأهيلهم للحصول على فرص العمل المتاحة بالسوق المصرية، ومساعدتهم سواء فنيا وماليا في بدء مشروع صغير.

وفي تحليل سابق نشره موقع دويتشه فيله، رأى أن الحكومات المعنية أمامها فرصة للحد من تبعات عودة العاملين، لاسيما وأن قسما هاما منهم يتمتع بمستوى تعليمي جيد وراكم خبرة سنوات طويلة في العمل الوظيفي وثقافة العمل المنضبطة، إضافة لامتلاكه مدخرات تمكنه من إطلاق مشاريع صغيرة ومتوسطة.